أطفال مصريون يقايضون طفولتهم بالمال

> القاهرة «الأيام» علاء شاهين :

>
فتاة مصرية تعمل في احد المصانع للانسجة
فتاة مصرية تعمل في احد المصانع للانسجة
يسير محمد جاد حافي القدمين في المدبغة الموحلة ويبدو غير مبال بروائح الكيماويات الخانقة والرائحة الكريهة للجلود غير المعالجة,ويضع أكواما من الجلود على عربة يد ويجرها في أنحاء الورشة وينزل الحمولة امام براميل الاصباغ حيث يجري تنظيف الجلود وصباغتها باستخدام الكروم.

والتحق جاد الذي يتسم بطول القامة وببنية قوية بالعمل في المصبغة قبل بلوغه سن الخامسة عشرة بقليل وذلك بعد ان عمل في عديد من الاشغال المتواضعة على مدى اربع سنوات منذ تركه المدرسة.

وقال بينما يرتب الجلود على عربة اليد "كنت أرسب في المدرسة كل عام واستمرت (المدرسة) في مطالبتي بالمال ولهذا تركتها.. "حاليا اريد تعلم هذه الحرفة لاجني منها المال."

وكان محمد يساعد جاد وبدا أصغر منه سنا لكن خجله منعه من الحديث.

وتظهر الارقام الرسمية ان حوالي 2.7 مليون طفل يعملون في مصر أي حوالي عشرة بالمئة من السكان دون سن 14 عاما. ويعمل غالبيتهم في الزراعة وبشكل اساسي في جمع المحاصيل والإزالة اليدوية للآفات الزراعية من القطن.

ويكدح مئات الالاف من الاطفال وكثير منهم مشردون في اعمال متواضعة قد تكون في مدبغة أو مرآب او بيع المناديل الورقية والجرائد في إشارات المرور.

وقالت نيفين عثمان وهي خبيرة في مجال عمالة الأطفال لدى منظمة العمل الدولية بالقاهرة "يوجد فقر مدقع في مصر لذلك تستخدم عائلات أبناءها للحصول على لقمة العيش."

ويقول جاد إنه يكسب حوالي 320 جنيها (56 دولارا) في الشهر وهو ما يفوق ما قد يحصل عليه بعض موظفي الحكومة,ويرسل نصف النقود التي يحصل عليها إلى أسرته في أسيوط وهي منطقة ريفية في صعيد مصر.

وقال محمود مرتضى الذي يدير منظمة غير حكومية تساعد الأطفال الذين يعملون في متاجر الخزف إن العديد من الأسر يوافقون على عمل أطفالهم,واضاف "هناك قبول اجتماعي بين الأسر لعمالة الأطفال.

"الناس غير مدركين لمخاطر عمل الأطفال لأكثر من عشر ساعات في اليوم أمام موقد."

وتوجد المصبغة التي يعمل بها جاد في منطقة مجرى العيون وهي منطقة تقطنها الطبقة العاملة بالقاهرة وتوجد فيها مجار للمخلفات الصحية في أزقة ضيقة غير ممهدة وتتراكم بها أكوام من فضلات الحيوانات.

وفي ملجأ تديره قرية الأمل وهي منظمة غير حكومية معنية بسلامة أطفال الشوارع يقول وجدي عبد العزيز (12 عاما) انه كان يتقاضى أجرا مقابل طوافه بالشوارع لجمع البلاستيك في الفترة ما بين الغروب حتى الفجر تحاشيا لرصده من قبل السلطات.

ويستضيف الملجأ حوالي 25 طفلا مشردا كل يوم ويوفر لهم الوجبات الساخنة كما يتيح لهم الاستحمام والاسرة للنوم.

وقال علي شعبان (13 عاما) الذي عمل ميكانيكيا ونجارا قبل عمله الحالي في المساعدة على نصب وفرش الخيام التي تستخدم في الأفراح والمآتم "لم اعتد على العمل لكن الأمر لم يعد يؤرقني."

وبعد تناول وجبة تتألف من الفول والجبن يجتمع شعبان مع اطفال آخرين في غرفة صغيرة لمشاهدة الرسوم المتحركة على شاشة كمبيوتر ويلعبون الورق الذي توضع عليه عادة رسوم تحذيرية ضد مخاطر التدخين والمخدرات وفيروس اتش.آي.في المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب (ايدز).

وقال معظم الطفال الذي اجرت معهم رويترز مقابلة في الملجأ إنهم أميون على الرغم من قضائهم عدة سنوات في المدرسة.

وتقول منظمة العمل الدولية إن حوالي 218 مليون طفل منخرطون في مجال العمل ونحو 100 مليون عامل مراهق موظفون بشكل قانوني في انحاء العالم. وفي بعض المناطق يواجه معظم هؤلاء العمال بعض أشكال العنف أو الاساءة.

وتقول إن العاملين بالمنازل والصغار الذين يشتغلون في قطاع الاقتصاد غير الرسمي والاشكال الحديثة للرق والذين يعملون في أشغال خطرة مثل التعدين والعمل في الزراعات هم الأكثر تعرضا للمخاطر.

وفي مصر تخرج كثير من الأسر الفقيرة أبناءها من المدارس خشية عدم تعلمهم لأي مهارات في فصول الدراسة حيث ينتهي بهم الأمر بعد التخرج إلى الانضمام لصفوف العاطلين عن العمل,ويقول خبراء إن النظام التعليمي يخفق في تلبية احتياجات سوق العمل.

وتقول الحكومة إن نسبة البطالة تقف عند 9.5 بالمئة لكن يعتقد على نطاق واسع ان الرقم أعلى من ذلك بكثير.

ويقول رامي سلامة رئيس جاد في العمل إنه ليس بمقدروه تشغيل عمال كبار لأداء الاعمال المتواضعة.

وقال "إذا نظرت إلى الصين تجد انها اغرقت العالم بمنتجاتها بسبب تكلفة العمالة (الرخيصة)."

لكن التكلفة النفسية تكون باهظة للغاية بالنسبة لاطفال معرضين للخطر بسبب اجبارهم على العمل منذ سن مبكرة واحيانا يتعرضون الانتهاكات جنسية ويقعون في براثن تعاطي المخدرات.

وقالت شمس لبيب وهي طبيبة نفسية تعمل لدى منظمة أطباء العالم وهي منظمة عالمية للصحة وحقوق الانسان "إنهم ايضا أكثر عرضة للاكتئاب والقلق والأرق مقارنة بالأطفال العاديين."

وأضافت "إنهم يعانون عادة من مشاكل أسرية. هؤلاء الذين يتعين عليهم محبتهم وحمايتهم يسيئون اليهم."

وتتفق أمل شكري (12 عاما) التي عملت خادمة حوالي نصف سنوات عمرها مع هذا الرأي وقالت والدمع في عينيها "الأبوان هما السبب في ذلك." رويترز

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى