كتاب جديد يؤرخ للدول الإسلامية في المشرق: الدولة الغزنوية ودور السلطان محمود الغزنوي.. للباحث علي محمد فريد

> «الأيام» د. هشام محسن السقاف:

> في الكتابات التاريخية تتجه الأنظار نحو التأريخ السياسي للأحداث، وعلى جانب كبير من الاهتمام تنال المراكز المهمة للدولة العربية الإسلامية (المدينة، الكوفة، دمشق، بغداد) نصيب الأسد، ثم تأتي بعد ذلك الحواضر المنافسة التي أدت أدواراً لا يستهان بها في السياق السياسي والحضاري ، ومن ذلك القاهرية المعزية وحلب ونيسابور ، علاوة على مدن ساحل افريقية الشمالي وبلاد الأندلس.

وقد أثر الانحياز ذاك، وقد خرج عن سننه ونهجه ما تناوله ابن خلدون في تاريخه والمقدمة، على منهاج الدراسات التاريخية في الجامعات إلا ما يشذ عن تلك القاعدة بجهد بعض الباحثين الذين اتجهت أنظارهم إلى دول الأطراف نحو مزيد من الدرس والتمحيص لإغناء ما توافر بأيدينا، ولتنقيحه وإعادة تقديمه بسمات وبصمات جديدة، ومن ذلك الاجتهاد المحمود ما تقدم به الباحث علي محمد فريد مفتاح من بحث موسوم بـ (السلطان محمود الغزنوي: سياسته ودوره في نشر الإسلام في شبه القارة الهندية) لينال به درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي، حيث اشتمل البحث على أربعة فصول تناول في الأول منها: نشأة الدولة الغزنوية وأحوالها السياسية حتى تولي السلطان محمود العرش. وفي الفصل الثاني تناول الباحث السياسة الداخلية للسلطان محمود الغزنوي، بينما تناول في الفصل الثالث السياسة الخارجية للسلطان محمود الغزنوي، واختتم بدور السلطان محمود في نشر الإسلام في شبه القارة الهندية (الفصل الرابع). وقد عالج الباحث في كل فصل من تلك الفصول الأربعة عدداً من القضايا التاريخية ذات العلاقة بالموضوع الأساس لتكتمل للدارسين والباحثين وجبة دسمة عن واحدة من أهم الدول المشرقية في الخلافة العباسية (الدولة الغزنوية) وبالتحديد عن دور الشخصية الغزنوية المؤثرة السلطان محمود (388-421هـ). وعن أهمية هذا البحث وامتيازه بين كم البحوث المقدمة من طلاب الدراسات العليا، كتب أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة صنعاء د. عبدالرحمن عبدالواحد الشجاع ما يلي:«هذه الدراسة تنطلق من مكان بعيد عن جزيرة العرب، وتنتقل بين مدن مثل (غزنة) و(كابل) و(اصفهان) و(بخارى) و(قندهار) و(دلهي) و(لاهور) و(كشمير) وتتحرك في زمن كان تاريخ الأمة الاسلامية قد بدأ في دار الخلافة والمناطق الغربية منها ينزوي لأسباب عدة- ليس هذا مجال طرحها- وذلك في نهاية القرن الثالث ومطلع القرن الخامس الهجري حيث كان البويهيون في المشرق الإسلامي، والعبيديون (الفاطميون) في المغرب الإسلامي ، وفجأة ظهرت الدولة الغزنوية لتكون حلقة من الحلقات القوية التي شدت من أزر الخلافة الإسلامية» ويقول د. الشجاع:«إن هذه الدراسة التي بين أيدينا والتي حملت عنواناً مرتبطاً بأقوى سلاطين الدولة الغزنوية (السلطان محمود الغزنوي، سياسته ودوره في نشر الإسلام في شبه القارة الهندية) تؤكد على أن تاريخ الأمة الإسلامية لا يتوقف، وإنما هو يكمن ويظهر من جديد.. ويتشرنق ليظهر بعد زمن بصورة جديدة وتحت قيادة جديدة». ويتحدث د. الشجاع عن الفترة الزمنية للدولة الغزنوية فيقول :«أما الزمن الذي ظهرت فيه الدولة الغزنوية واستمرت حوالى مائتي سنة فإنه زمن تصارعت فيه الأفكار، وكادت أن تتغلب على دار الإسلام الرؤية الشيعية الإمامية: اثنا عشرية أو اسماعيلية.. فقد حكم العبيديون (الفاطميون) من 297-567هـ في بلاد المغرب والشام والحجاز وعاصرهم في بغداد وجنوب إيران البويهيون الذين حكموا وتحكموا بالخلافة العباسية من سنة320-447هـ . وصارت الخلافة الإسلامية بين المطرقة والسندان.. فقد ظهرت لأول مرة الحروب الصريحة بين الشيعة والسنة في ظل هاتين الدولتين الشيعيتين وحينما ظهرت الدولة الغزنوية في الشرق 351-582هـ وعاصرتها الدولة السلجوقية بدءًا من 432هـ حتى نهاية القرن السادس الهجري صار لهاتين الدولتين دور في تراجع الرؤية الشيعية عن الهيمنة والتصدر».

ولعله من المناسب أن نخلص إلى النتائج التي توصل إليها مؤلف الكتاب أو الدراسة التي بين يدي الآن ، ومنها أن ظهور الدولة الغزنوية مثل أول انتصار للعنصر التركي في صراعه الطويل مع العنصر الفارسي على السيادة النهائية في حكم بلاد المشرق إذ نجح في إسقاط الدولة السامانية (السنية) ذات الأصول الفارسية، والأهم أن الدراسة بينت الأهداف السياسية الدينية للسلطان محمود الغزنوي القائمة على نشر المذهب السني في إقليم المشرق الإسلامي، وأثبتت أن السلطان محمود كان حنفي المذهب، سعى إلى نشره والدفاع عنه في جميع أقاليم ومدن الدولة الغزنوية، كما أن فتوح السلطان محمود الغزنوي وحملاته في شبه القارة الهندية حققت للدولة الغزنوية مكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية كبيرة جداً لعل أبرزها: خضوع أقاليم الهند الشمالية والوسطى للنفوذ الغزنوي.. مما أدى إلى تحويل عقائد الكثير من الهندوس واتجاهاتهم الفكرية لصالحهم (الغزنويين) ولصالح العقيدة الإسلامية.

ويبقى أن جهد المؤلف علي محمد فريد موصول بمقدرته على طرق باب البحث العلمي من الرؤى الاستشرافية التي لا تجتر الحوادث ومعطياتها بقدر ما تحلل الوقائع بغية القراءة المغايرة لما حفلت به أمّهات الكتب من حشو كثير ، واستبصار الحقائق بعين تاريخية مجردة بعد تباعد الزمن عن الزمن الذي ظهرت فيه، وتحفيز الطلاب والدارسين والباحثين على تقديم رؤيتهم التاريخية للأحداث بمنهاج علمي حصيف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى