شخصيات مضحكة إلى درجة البكاء

> د. سمير عبدالرحمن شميري:

>
د. سمير عبدالرحمن شميري
د. سمير عبدالرحمن شميري
الرسام الكاريكاتيري أحمد يحيى له ريشة رقيقة وحاذقة في النقد ومتبصرة في التصوير الفني، في غير مرة وعلى صفحات «الأيام» يرسم لنا شخصيات مضحكة مشحونة بالغرور ومدعية العلم والثقافة والمعرفة منتفخة الجسم وضامرة العقل وهزيلة إلى درجة البكاء. فالممثل العالمي شارلي شابلن (1889-1977م)، كان مبدعاً حقيقياً أضحكنا حتى الثمالة في أفلامه الصامتة :«المهاجر» و«المتشرد» و«أضواء المدينة» و«حياة كلب» و«الدكتاتور».. وهو على حق بعبارته التي ظل يرددها قبل آخر شهقة في حياته (عندي أفكار.. عندي أفكار.. عندي أفكار)، فلم تسعفه الحياة في تفجير كامل طاقته الإبداعية المخزونة في عالمه الداخلي.

والمضحك في حياتنا أن أناساً جبلوا على الفخفخة والتمظهرات الدعائية والأوهام السرابية، ويتقمصون شخصيات المبدعين والمفكرين والعلماء بصورة شوهاء.

أو ليس من المضحك أن يقلد الفيل مشية ورشاقة الغزال، أو ليس من المضحك أن يقلد جاهل بعقلية بائسة ومتصلبة شخصيات العلماء والمثقفين وأساتذة الفكر (فمن قال: أنا عالم فهو جاهل)، حسب تعبير يحيى بن أبي كثير.

إننا أمام شخصيات معقدة مشحونة بفيروسات الجهل وفاقدة لبوصلة الحكمة والتبصر، تقتات من ثدي علمي كاذب، مهووسة بالعظمة والتفوق وطافحة بالغيرة والأنانية والشك المرضي، تتقن أساليب الخفافيش في الوشاية وتتلذذ بالعمل في حقول الغرف المظلمة.

أنا لا أسخر من بطل رواية (يموتون غرباء) للروائي اليمني محمد عبدالولي (1941-1973م)، فبطل الرواية كان أمياً، ففي آخر مسلسل من حياته كان يحلم أن يكون أحسن الناس، وتمنى أن تلهج الألسن باسمه وأن يكون ملء السمع والبصر في قريته. والطامة الكبرى فيمن يدعون الكمال بأمزجة خشنة وسلوكيات فجة وذهنيات بليدة فهؤلاء كامرأة قيصر فوق الشبهات ، يهجسون أنهم قابضون على الحقيقة المطلقة، ويريدون الصعود إلى القمة بأي ثمن حتى ولو كان ذلك على حساب القيم وآدمية الإنسان أو على حساب السنن الحميدة إلى حد من السوقية والفظاظة.

فهناك أسطورة يونانية قديمة تحكي أن ضفدعاً جاهلاً ومغروراً تهفو نفسه للقوة وللشهرة الزائفة، أراد أن يكون ثوراً فأخذ يتضخم ويتبختر ويكبر وينتفخ إلى أن انفجر وتطاير إلى شظايا.

(اعرف نفسك) قاعدة ذهبية لا يأبه بها البعض، وضعها المفكر اليوناني القديم سقراط (470-399ق.م)، تحمل في محتواها التواضع والسهولة، وتنصح الإنسان ألا يضع نفسه في مراتب أعلى من قدراته الذهنية والإبداعية والبدنية، وأن يكون قارئاً حصيفاً لمواهبه وقدراته وإبداعاته وأن يكتشف الحقيقة والوهم في تفكيره وأحاسيسه ومسلكه وأن يضبط شعوره وطموحاته الجامحة التي تتجاوز الواقع وإمكاناته المتواضعة، فسقراط كان قمة في التواضع رغم علو كعبه في العلم والمعرفة ولم تهف نفسه للنجومية، عاش حياة يسيرة حافلة بالكدح المثمر ومترعة بالمجاهدة الذهنية والعلم والنجابة فخلده التاريخ.

والذين يتركون بصمات خالدة في حياة الإنسانية لا يدّعون العظمة ولا تنتشر في دمائهم فيروسات الغرور ولا يسلكون مسلك الغواة.

فالروائي العالمي نجيب نحفوظ (1911-2006م) الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1988م كان يتجنب المكياج الدعائي ولا يميل قيد شعرة نحو التبجح والاستعلاء ولم ينجرف بجنون صوب الأضواء والصيت الكاذب، حيث يقول:

«لست بطلاً بالتأكيد، أنا شخص ما يحب الأدب، شخص ما يؤمن بعمله ويخلص له ويحبه أكثر من حبه للمال أو الشهرة، لو أتى المال وأتت الشهرة فمرحباً بهما، لكنهما لم يكونا غايتي أبداً، فأنا أحب الكتابة أكثر من أي شيء آخر».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى