الديون المصرفية المتعثرة وطرق معالجتها

> «الأيام» هشام عبدالفتاح بازرعة:

>
دعني الجهاز المصرفي بوضع معايير وقواعد مستقرة لضمان سلامة الائتمان ومتابعته وكذا الشروط الواجب توافرها في الضمانات المقدمة وعلى المستوى الدولي قامت لجنة بازل بإصدار معايير تحديد ملاءمة رأس المال للبنوك بهدف تحقيق سلامة مراكزها المالية وحماية حقوق المودعين والمساهمين والحد من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها البنوك عند توظيف مواردها، حيث ترتبط متطلبات ملاءمة رأسمال البنك وفقاً لتوصيات لجنة بازل 1988م وتعديلاتها (1993- 1995) بالمخاطر التي تتعرض لها أصول البنك ومن ضمنها المخاطر الائتمانية.

ومع ذلك يظل تعثر العملاء المقترضين في سداد ديوانهم مشكلة هامة تواجه البنوك التي تقوم بدورها باقتطاع جزء هام من إيراداتها في صورة مخصصات لمواجهة تعثر الديون المصرفية وذلك درءاً لهذه المخاطر وحفاظاً على أموال المودعين.

لذلك فإننا في هذا الموضوع سنحاول إلقاء الضوء على تعريف وماهية الديون المصرفية، ومسبباتها، وكيفية تفادي تعثر الديون المصرفية وكيفية معالجة مشكلة تعثر الديون.

أولاً: تعريف وماهية الديون المتعثرة

هي تلك التسهيلات الائتمانية بكافة أنواعها (سحب على المكشوف، اعتمادات مستندية، خطابات ضمان...إلخ) والتي حصل عليها العميل من البنك ولم يقم بسدادها في مواعيد استحقاقها، لذلك يتحول الدين من تسهيلات ائتمانية جارية إلى ارصدة مدينة راكدةNon performing lons) ) وبمرور الوقت عليها تصبح ديناً متعثراً، ويكون العميل متعثراً.

العميل المتعثر

هو الذي يواجه مشاكل مالية أو إدارية أو تسويقية يترتب عليها دربكة أعماله وتخلفه عن الوفاء بالتزاماته تجاه الدائنين في المواعيد والآجال المتفق عليها، وقد يتحول هذا العميل إلى معسر.

العسر المالي

العسر المالي في المفهوم الواسع هو عدم قدرة العميل على الدفع والوفاء بالتزاماته تجاه الغير، ويكون العسر المالي على شكلين.

أ- عسر مالي فني Technical insolvency

ب- عسر مالي قانوني Legal insolvency العسر المالي الفني

هو عدم قدرة العميل على الوفاء بالتزاماته الجارية القصيرة الأجل أي أنه لا يستطيع توليد فائض نقدي من خلال النشاط الذي يمارسه بالشكل الذي يكفي لمواجهة أعباء والتزامات هذا النشاط، ومن ثم تنخفض القدرة الذاتية للعميل على سداد التزاماته وتأمين احتياجاته اليومية من مستلزمات وإيجارات ومرتبات وأقساط مستحقة لذلك يتآكل رأسماله تدريجياً حتى يصل إلى مرحلة التوقف النهائي عن العمل.

العسر المالي القانوني

هو عدم قدرة العميل على تغطية كافة التزاماته المستحقة عليه وبمعنى أدق هو الحد الذي تكون عنده أصول العميل أقل من التزاماته مما يؤثر سلباً على حقوق الملكية أي أصوله لا تغطي التزاماته الطويلة والقصيرة الأجل بسبب تحقيق العميل لخسائر متلاحقة تؤثر على رأسماله مما يجعله عاجزاً عن الوفاء بالتزاماته التعاقدية مع الغير.

ثانياً: أسباب التعثر

ليس من السهل تحديد أسباب للتعثر حيث إنه لكل دين ظروفه والأسباب التي أدت إلى تعثره، الا أنه يمكن إيجاز بعض الأسباب الشائعة التي تلعب دوراً أساسياً في تعثر عملاء البنوك ومن هذه الأسباب:

أ- أسباب ترجع إلى العميل المقترض.

ب- أسباب ترجع إلى البنك المقرض.

أ- الأسباب التي ترجع إلى العميل

1- نقص الخبرات الإدارية والفنية للعميل.

2- غياب الإدارة المالية السليمة ويدخل ضمنها الخلل في إعداد دراسات الجدوى وعدم تقديم بيانات ومعلومات صحيحة للبنك.

3- استخدام العميل المبالغ المنوحة له في أغراض غير التي منحت من أجلها.

4- عدم قيام العميل بدارسة جيدة لاحتياجات السوق.

5- غياب الإدارة التسويقية الكفؤة والمؤهلة في مجال المبيعات والتسويق.

6- سوء نية العميل عند طلب الحصول على تمويل أو تسهيل بتقديمه بيانات خاطئة -عمداً- أو إعلان العميل إفلاسه أو دخوله في منازعات قضائية بهدف إعاقة البنك فيما يتعلق باسترداد حقوقه قبل هذا العميل.

ب - الأسباب التي ترجع إلى البنك:

1- عدم توافر الخبرات والكوادر البشرية القادرة على القيام بالعمل بكفاءة وضعف إدارة البنك وافتقارها إلى نظم داخلية سليمة للتشغيل والرقابة (poor ban management lock of controls)

2- النمو السريع لنشاط البنك Rapid Growth وبشكل غير متدرج ومحسوب ويترتب على ذلك اهتزاز أداء البنك وتعثره في مواجهة أي ضغوط تنافسية أو مواقف طارئة وعدم قدرة البنك على امتصاص هذه المواقف.

3- القصور في إجراء الدراسات الائتمانية والتي تتمثل في القصور في الاستعلام عن العملاء وعدم التعمق في دراسة التسهيل المطلوب وفقاً للأسس الائتمانية المتعارف عليها، وعدم التحقق من سلامة المستندات التي يتقدم بها العميل للبنك.

4- عدم كفاية الضمانات المقدمة وعدم استكمال الشكل القانوني للضمانات المقدمة بمعنى أنه يتم قبول ضمانات غير مغطية للمبلغ المطلوب أو المغالاة في تقدير قيمتها وكذلك عدم استكمال الشكل القانوني من حيث التصديق على عقود رهن هذه الضمانات أمام الجهات الرسمية والقضائية .

والتي بموجبها يعطى الحق للبنك الحجز عليها وإجراء التنفيذ على هذه الضمانات بواسطة القنوات القانونية المتعارف عليها.

5- عدم كفاية أساليب المتابعة والتواصل المستمر مع العميل المتأخر عن السداد.

6- عدم وجود سياسات ائتمانية واضحة لدى البنك للاقراض وعدم إصدار لوائح قانونية منظمة لهذه السياسات (اللائحة الائتمانية).

7- تغطية المديونية القائمة بمديونية جديدة وقبل سداد المديونية القائمة عليه حيث يقوم بسداد المديونية القائمة من خلال تسهيل جديد يمنح له ويظل الدين قائما ويتحول إلى دين دائم ثابت لا يتم سداده.

ثالثاً: الآثار السلبية للتعثر الائتماني

تؤدي الديون المتعثرة إلى مجموعة من الآثار والنتائج السلبية التي تلقي بظلالها على كل من البنوك والسوق والعملاء وبالتالي على اساليب تخطيط وإدارة الأموال في البنوك وتمتد هذه الآثار والنتائج السلبية بالتبعية إلى الاقتصاد القومي.

وفيما يلي نستعرض أهم الآثار السلبية للديون المتعثرة التي تتمثل في الآتي:

1- تجميد جانب مؤثر من موارد البنك المالية داخل قروض متعثرة لا يستطيع البنك استردادها سواءً كانت هذه الموارد متمثلة في الموارد الذاتية للبنك من رأس المال المدفوع، أو متمثله في أموال المودعين والمتعاملين مع البنك من أفراد وهيئات وبنوك.

2- عدم تحقيق البنك لإيرادات عن القروض المتعثرة حيث يتم تجنيب وتهميش الإيرادات الخاصة بهذه القروض وعدم اعتبارها إيرادات حقيقية محققة ومن ثم تنخفض ايرادات البنك على المستوى العام كما تنخفض نسبها مقارنة بحجم الاستثمارات.

3- ارتفاع تكلفة الحصول على الأموال داخل البنك نتيجة حاجته لتدبير موارد إضافية تمثل استعاضة للموارد التي خمدت في شكل قروض متعثرة وتؤثر التكلفة المرتفعة للأموال على القدرة التنافسية للبنك نتيجة رفع تكلفة تقديم خدمات البنك لعملائه وعلى رأسها تقديم القروض والتسهيلات.

4- انخفاض صافي ربح التشغيل نتيجة انخفاض إيرادات البنك بتأثير تجنيب وتهميش العوائد المدينة للقروض المتعثرة، كذلك بتأثير ارتفاع تكلفة الحصول على الأموال وتدعيم المخصصات.

5- ارتباك موقف التدفقات النقدية بنوعيها وهو أمر قد يؤثر على قدرة البنك على مقابلة التزاماته تجاه المودعين والبنوك الأخرى.

6- ارتفاع المخصصات التي يتم تكوينها لمقابلة الديون المتعثرة داخل المحفظة وتمثل المخصصات عبئاً على الإيرادات ومن ثم يؤثر ذلك في النهاية على قدرة البنك في تحقيق الارباح.

7- عدم قدرة البنك على تدعيم احتياطاته نتيجة تأثر صافي الربح بانخفاض الإيرادات وارتفاع حجم المخصصات.

8- انخفاض صافي أرباح البنك أو تحقيقه لخسائر نتيجة لما تقدم.

9- تراجع درجة تقييم البنك وتصنيفه ائتمانياً نتيجة حجم الديون المتعثرة وتأثيره السلبي على جودة المحفظة وانخفاض الإيرادات وارتفاع المخصصات وانخفاض صافي الربح.

رابعاً: طرق معالجة الديون المتعثرة

تختلف طرق علاج الديون المتعثرة تبعاً لاختلاف الظروف والمواقف الخاصة بالمتعثرين والأسباب التي أدت إلى تعثرها والإجراءات المطلوب اتخاذها تجاههم.

ويمكن حصر طرق المعالجة والتعامل مع الديون المتعثرة في اتجاهين رئيسيين ويتم تقسيم كل اتجاه إلى مراحل معينة يتم اتخاذها والاتجاهان هما:

1- مساندة نشاط العميل.

2- تصفية نشاط العميل وبيع موجوداته ومصادرة ضماناته المحجوزة لدى البنك.

أولاً: مساندة نشاط العميل

ويتم تحقيق هذا الاتجاه من خلال المرور بثلاث مراحل أساسية هي:

1 - التعويم . 2 - الانتشال. 3- الإنعاش.

المرحلة الأولى: التعويم

ويكون ذلك عند تعرض عميل البنك لظروف طارئة وليست دائمة وهذه الظروف تؤثر سلباً على قدرة العميل على الوفاء بالتزاماته.

ويجب هنا على البنك مساعدة العميل وإنقاذه من عثرته المؤقتة ويكون محور فترة التعويم إعطاء البنك للعميل فرصة لاعادة تنظيم أعماله وذلك من خلال منحه فترة سماح يؤجل خلالها سداد الدين وفوائده وتنازل البنك عن جزء من فوائده وتخفيف معدل الفائدة على التسهيلات الممنوحة للعميل وفيما يلي نتناول بالشرح كل حالة على حدة.

أ) الجدولة

وهي منح العميل تيسيرات يتم بمقتضاها سداد الأقساط وفوائدها على فترة زمنية أطول يتفق عليها ويتم سداد الأقساط وبحسب الاتفاق بين الطرفين بشكل أقساط شهرية، أسبوعية، يومية وغيره، ويتم إفراغ ذلك الاتفاق بالجدولة في قالب قانوني (عقد جدولة مديونية) يتم التصديق عليه ليعتبر سنداً تنفيذياً يلزم الطرفين البنك والعميل.

ويراعى أن تتضمن عملية الجدولة الاعتبارات الآتية:

1- منح العميل فترة سماح ابتداء، ولا يتم خلالها أي تسديدات للفوائد أو أصل الدين.

2- احتساب فوائد مخفضة طوال فترة الجدولة أو إعفاء العميل من الفوائد شريطة انتظام العميل في السداد.

3- إقرار العميل بالمديونية وفوائدها القائمة في عقد الجدولة.

4- مدة السداد ودورية القسط المستحق.

5- أخذ الضمانات على العميل والتي تحافظ على حقوق البنك وتكون في صورة رهن عقاري أو كفالات مصرفية.

6- في حالة التوقيع على الجدولة يجب على البنك التنازل عن أي قضايا تم رفعها ضد العميل بخصوص المديونية.

حيث تعتبر الجدولة بمثابة اتفاق صلح رضائي ويعتبر من السندات التنفيذية بعد التصديق عليه أمام القضاء (المادة 328/4) مرافعات مدنية.

ب) تنازل البنك عن جزء من الفوائد:

وفي هذه الحالة لا بد من مراعاة مجموعة من القواعد التي يمكن أخذها كأسس في التنازل منها:

1- توقف نشاط العميل بصورة جزئية.

2- تحقيق العميل لخسائر بالرغم من استمرار نشاطه.

3- عدم توافر الإمكانيات المادية لدى العميل بالقدر الذي يكفي لسداد كامل المديونية.

4- إبداء العميل استعداده لسداد باقي المديونية فوراً في حالة موافقة البنك على التنازل عن الفوائد.

ج) تخفيف معدل الفائدة على التسهيلات التي حصل عليها العميل من البنك، وفي هذه الحالة يقوم البنك بتخفيض معدل أو سعر الفائدة المطبق على التسهيلات الائتمانية (اعتمادات مستندية، خطابات، ضمان.. غيرها) والتي حصل عليها العميل من البنك وبالشكل الذي يناسب ظروف العميل الجديدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى