قارعة الريح منى باشراحيل (2)

> «الأيام» عبده يحيى الذباني:

> صورت القاصة الفتاة اليمنية وهي تعاني، ولعل بعض هذه المعاناة هي معاناة القاصة نفسها بوصفها فتاة يمنية، لكن قدرها أنها متعلمة ومبدعة فلم ترضخ لكل التقاليد الاجتماعية التي تحد من حرية المرأة ونشاطها وحقها.. تقاليد فرضت نفسها بقوة على الفتاة فخضعت لها كل الخضوع وصارت جزءا من الدين ولم ينزل الله بها من سلطان، إنها تراكم اجتماعي ونفسي وحمية جاهلية وسوء فهم وتأويل لموقف الإسلام وروحه إزاء المرأة، فإني ما قرأت قصة من هذه القصص التي بدت فيها الفتاة أو المرأة مظلومة ومنهكة الحق وميدانا للشهوة والاستمتاع الحسي فقط إلا تذكرت تلقائيا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حين أوصى المسلمين بالنساء خيرا مرارا وتكرارا حتى في آخر أيامه وكلامه.

إن رحلة خاطفة في قصص المجموعة أو في بعضها من التي صورت معاناة المرأة لاسيما اليمنية، نجد المرأة المقموعة التي تربي بناتها على القمع ونجد الفتاة المكبوتة والمسجونة بين أربعة جدران بل داخل نفسها، فيقودها ذلك إلى الهروب نحو المجهول الذي هو الضياع بعينه، بل هو أشد من السجن الذي كانت فيه، ولكن الضغط يولد الانفجار كما كان الهروب إلى الشارع في ظل مجتمع لا يرحم ولا يقدر هو الكارثة نفسها. كما نجد بطش الأخوة بأخواتهم البائسات بسبب تافه وبدونه، وكأن الأخت وصمة عار، إنه الإرهاب العائلي بعينه فبدلا أن تغدو الأخت أو البنت جسرا يؤدي إلى الجنة فإنها تغدو جسرا يؤدي بوليها أو بمن ظلمها إلى النار، فجحيمها في الدنيا يقابل جحيم ظالميها في الآخرة. إننا نجد كما وجدت القاصة أخوانا يتدربون على الرجولة من خلال التعامل الفظ مع أخواتهم مثلما يتدربون على الدعوة إلى الدين من خلال إعلان الجهاد داخل المنازل الذي تكون ضحاياه الفتيات والنساء بوجه عام، مع أن وراء ذلك كله ثقافة خاطئة وتطرفاً وقصوراً وفظاظة في معزل عن الرحمة والمحبة والنصيحة والهدوء والتفاهم والحوار واحتمال العذر والصبر وغيرها من القيم التي حث عليها الإسلام في التربية والدعوة، مع أن الكثير من الذين يمارسون العنف العائلي تشددا وتطرفا وحمية يعانون من انفصام وينطبق عليهم قول أبي الطيب المتنبي:

«إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه»

فالدين النصحية ولا شك والغيرة الدينية واجبة في حدودها وأساليبها وبواعثها، والمفرح حقا أن الكاتبة لم تقع في منزلق الدعوة إلى التحرر الذي يوازي التحلل ولا إلى التبرج والشطط والتمرد على القيم القويمة اجتماعيا ودينيا كما فعل ويفعل بعض الجاهلين المخدوعين بثقافة الآخر وحضارته من الأدباء العرب في العصر الحديث.

لقد كانت الكاتبة في قصصها مثقفة ثقافة إسلامية كافية ومتماسكة إيمانيا واقتصرت دعوتها من خلال الفن على نبذ الابتذال والجهل والعنف في التعامل مع المرأة وهو أمر تمليه الفطرة ويباركه الدين ويجسده الفن.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى