معهد المعاقين في أبين .. شمعة أمل في مواجهة الألم

> «الأيام» شكري حسين:

>
فتيات لم تمنعهن الإعاقة من تعلم الخياطة وفنونها
فتيات لم تمنعهن الإعاقة من تعلم الخياطة وفنونها
كثيرا ما ينظر المعاق إلى الحياة بمنظار أسود، إذ يعتقد أن كل ما يحيط به يصيبه بالإحباط ويلبسه ثياب اليأس .. وقد ساهم في ذلك وإلى حد بعيد النظرة القاصرة من الأصحاء تجاه هذه الشريحة الكبيرة على أساس أن التعاطي معها يخضع للارتجالية والمبادرات الفردية.

وبالنظر إلى أحوال المعاقين سنجد أنها (علاقة) أزلية مع التهميش دفعت معظمهم إلى الانغلاق حول نفسه مبديا سخطه وتذمره حتى ممن هم حوله .. شاكيا ومتبرما لعدم امتداد الأيادي الحانية إليه والتي تساعده على الخروج من عزلته فيتقطع قلبـه ألما وحسرة.. وأخيرا جاءت (دور المعاقين) التي تفضلت الدولة ببنائها في عدد من المحافظات لتمنحهم شيئا من الحياة والشعور بالسعادة، وفتحت أمامهم أبوابا كانت موصدة فتبدل الحال عند أكثرهم إلى دفء ومسرات.

«الأيام» حرصت على زيارة معهد المعاقين في محافظة أبين الذي أنشئ مؤخرا واطلعت على مجمل الخدمات التي يقدمها لمنتسبيه .. وكم كانت سعادتنا كبيرة ونحن نطوف بين أقسامه ونقرأ السعادة في عيون مرتاديه الذين تملكتهم الفرحة عندما عرفوا أننا من «الأيام»، حضنهم الدافئ.

في البدء كان الحوار مع الأخت أشواق محمد سيلان، مديرة المعهد، حيث قالت: «شكراً أولا لـ «الأيام» على زيارتها للمعهد. تأسس المعهد في 7 ديسمبر 2005م في يوم المعاق وكان بحق هدية كبيرة قدمتها الدولة لهذه الشريحة التي تحتاج بالفعل إلى الدعم والرعاية ..أما بخصوص ما يقدمه المعهد للمعاقين فهناك الكثير من الخبرات والمعارف، ولدينا ورش متعددة لتدريب المعاق وتأهيله بحسب رغباته وميوله مع الاخذ بعين الاعتبار العمل الذي يناسبه ويناسب إعاقته.. فمثلا المعاق ذهنيا أو الصم والبكم نحرص على تعليمهم مهارة الحياكة أو النجارة وبالنسبة للبنات ندخلهن قسم الخياطة، أما المصابون بالإعاقات جسديا في اليد أو في الرجل الذين لا يعانون من مشكلة في الفهم والاستيعاب فنحرص على إدخالهم قسم الحاسب الآلي وهكذا».

وعن أهم ما يتعلمه المعاق في المعهد قالت الأخت أشواق:«طبعا يتعلم أشياء كثيرة فعندنا قسم للخياطة وأيضا للحياكة بالإضافة إلى ورش النجارة وقسم للكمبيوتر، وعندنا ايضا قسم خاص للصم والبكم يتعلمون فيه لغة الإشارة قبل دخولهم للأقسام الأخرى، وأيضا قسم الصناعات الجلدية، ناهيك عن بعض المناشط الرياضية والترفيهية».

وعن مدى الاستيعاب والاستفادة قالت: «الاستفادة كبيرة وأهمها أن المعاقين أو ذوي الاحتياجات الخاصة يشعرون بوجودهم في الحياة ويندمجون تلقائيا مع الأصحاء، وهذا الأهم بالنسبة لنا والمتمثل في إخراج المعاق من عزلته وإدماجه في المجتمع».

وعن أهم المشاكل التي تواجههم في المعهد .. قالت:«طبعا المشاكل تتمحور في ضيق سعة المعهد، حيث إنه لا يتسع للأعداد المتزايدة التي ترغب في الدراسة، وحاليا لدينا (179) متدربا ومتدربة ونضطر إلى تأخير بعض القادمين إلينا للدورات القادمة .. وأعتقد أنه إذا تسهلت أمور المواصلات من وإلى المعهد فإن العدد سيتزايد بشكل أكبر وحينها لن نستطيع استيعاب كل المعاقين، لأجل ذلك أطالب بتوسعة المعهد وفتح ورش أخرى مع ضرورة العمل على دعم المعاقين وتلمس همومهم بشكل أكبر ومنحهم مستحقاتهم في الوظيفة، خصوصا وأن فيهم من لديه مهارات وذكاء أفضل بكثير من الأصحاء».

وفي قسم الخياطة كان لنا لقاء مع الأخ عبدالجليل عبدالله السروري، المدرس في القسم، حيث قال: «شكرا لـ «الأيام» على هذه اللفتة الكريمة، وبالنسبة لما نقوم به في قسم الخياطة .. فنحن وقبل كل شيء يهمنا إخراج هذه الشريحة من عزلتها. وعند استقبالنا للفتيات المتدربات نحرص على تقسيمهن إلى مستويات، ذوات الخبرة العالية نعطيهن دورة في تفصيل وخياطة الفساتين، وصاحبات الخبرة المتوسطة تكون الدورة في تفصيل الدروع والجلابيات والمعاوز، أما اللاتي لا خبرة لهن فنحاول تعليمهن خياطة بعض القطع الصغيرة حتى يكتسبن الخبرة المطلوبة». وعن مدى الاستفادة قال: «لا شك أن الاستفادة تكون كبيرة حيث إن بعض المتدربات تستطيع أن تفصل أي فستان أو جلابية بسهولة». وعن كيفية التفاهم مع الصم والبكم خصوصا والقسم يضم مجموعة من الفتيات .. قال: «التفاهم معهن يكون عبر لغة الإشارة أو من خلال النظر والتطبيقات، والحمد لله عندهن استيعاب كبير ومنهن من تستطيع أن تستخدم ماكنة الخياطة وتفصل الملابس دون عناء».

الأخت ريشة محمد أبوبكر (متدربة) قالت: «أنا سعيدة بانخراطي في المعهد وقد ساعدني هذا الأمر على اكتساب المزيد من الخبرات وتعلمت خلال فترة وجودي الكثير من المهارات، وعلى فكرة أنا من أول الفتيات الملتحقات بالمعهد ولي حوالي سنة كاملة تعلمت فيها تفصيل الملابس (الشمزان والمعاطف والفساتين) وغيرها .. وأتمنى بعد خروجي من المعهد أن أساعد نفسي وأساعد أسرتي في توفير لقمة العيش».

الأخت سيناء حسن كباس (متدربة) قالت: «لي إلى الآن سنة كاملة، والحمد لله استفدت أشياء كثيرة منها تفصيل الملابس والتطريز وأيضا الحياكة، وأريد عقب تخرجي الحصول على عمل حتى أتمكن من مساعدة أسرتي».

الشقيقتان دينا ومايسة كابس هادي (متدربتان) من الصم والبكم قالتا بعد أن قام الأستاذ سميح ناجي سالم بالترجمة عن طريق الإشارة .. قالتا: «نحن من شقرة ونتحمل مشاق المجيء يوميا إلى زنجبار، ومع ذلك نشعر بسعادة كبيرة لأننا تعلمنا بعض الأشياء المفيدة مثل تفصيل الجلابيات وبعض الشمزان وأيضا التطريز، ونتمنى أن نخرج من المعهد بشهادة نجاح نتمكن من خلالها من الحصول على عمل وحينها ستكون سعادتنا أكبر».

في ورشة النجارة قال المتدرب ياسر صالح عبادي معرج، من الصم والبكم، إنه سعيد جدا بدخوله المعهد ويشكر كل المدرسين والعاملين. وعن استفادته قال: «الحمد لله تعلمت لغة الإشارة بالإضافة إلى بعض المهارات الخاصة في النجارة».. ويتمنى عقب خروجه أن تكون لديه ورشة خاصة به حتى يتمكن من مساعدة نفسه وأسرته.

المتدربون من المعاقين في قسم الحياكة
المتدربون من المعاقين في قسم الحياكة
وفي قسم الكمبيوتر قال المتدرب شفيق عمر محمد (معاق) إن سعادته كبيرة جدا بوجوده في المعهد ويشكر القائمين عليه الذين أتاحوا له فرصة التعليم على الكمبيوتر ومعرفة الكثير من أسراره التي لا يعرفها الكثير من الأصحاء .. وتمنى أن تتاح له بعد خروجه فرصة العمل في أي مرفق حكومي.

في قسم الحياكة التقينا بمهاجم نادي شقرة اللاعب أحمد صالح عميران، وهو بالمناسبة من فئة الصم والبكم، فقال والسعادة بادية على وجهه :«أنا هنا أتعلم الحياكة وبمقدوري الآن عمل الكثير من المعاوز». سألته كيف تلعب الكرة وأنت على هذا الحال؟. قال: «لا توجد أي مشكلة، ألعب الكرة مع زملائي لأنني أمتلك المهارة ونظري سليم والسمع عندي خفيف، إلا أن ذلك لم يمنعني من مواصلة هوايتي (كرة القدم) وحتى التعليم أيضاً، علما أنني درست في كلية التربية بزنجبار وعندما تخرجت لم أجد عملا والتحقت بالمعهد لعل وعسى أن أحظى بعمل يساعدني في توفير لقمة العيش».

تقاطيع مهمة
> على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها إدارة المعهد إلا أنه بحاجة ملحة خاصة في الجوانب الترفيهية التي أكثر ما يحتاج إليها مثل هؤلاء من ذوي الاحتياجات الخاصة.

> معظم المتدربين في المعهد يتمنون بعد خروجهم إتاحة الفرصة أمامهم للعمل ومعاملتهم كباقي أفراد المجتمع.. وهي مهمة مشتركة بين المسؤولين في المحافظة وأيضا أسرهم.

> طموح المعاق لا يتوقف عند حد تعلم بعض المهارات، فهناك كثيرون تحدوا ظروف الإعاقة وقهروا المعاناة وطرقوا أبواب العمل الخاص واجتازوها بنجاح.

نماذج من مثل هؤلاء سيكونون في استطلاع قادم بإذن الله تعإلى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى