التربية والتعليم إمكانات وسنوات مهدورة وتحصيل علمي بائس

> د. عبده يحيى الدباني:

>
د. عبده يحيى الدباني
د. عبده يحيى الدباني
الحديث عن التربية والتعليم في بلادنا أو في غيرها حديث شائك وذو شجون، فما أصعب أن يختزل في مقالة كهذه، ولكننا سنذكر لعل الذكرى تنفع ذوي الشأن على كثرتهم إنهم المجتمع كله من دون استثناء ولعل التفاوت يأتي في حجم الأمانة التي يتحملها هذا أو ذاك فيما يخص هذه القضية.

إمكانات مهدورة حكومية وأهلية في سبيل التعليم لكنها لا تنسجم مع مخرجاته اليوم، فمع تقديرنا لكل ما يبذل في هذا الحقل إلا أن النتائج تبدو مخيبة للآمال وبائسة وتثير الخوف والقلق على مستقبل الأمة، ولسنا محتاجين إلى نسب وأرقام فقد باتت الظاهرة حقيقة مرة يعرفها القاصي قبل الداني والمواطن العادي قبل المسئول أو المختص.

لقد جاء الكم على حساب النوع كما يجيء الغثاء على حساب الماء الذي يمكث في الأرض وينفع الناس، وليس إمكانات الأهالي والدولة هي التي تهدر فقط ولكن الأعمار أيضا تحترق أعواما وراء أعوام في سبيل التحصيل التربوي والعلمي المنشود دونما نتائج مشرفة تكون جزاء وعزاء مقابل هذه الأعمار المنذورة التي هي أغلى من أي رأس مال. ولا داعي هنا أن نحصي الشهور والسنين العديدة التي نجد الطالب بعدها لا يستطيع أن يكتب جملة صحيحة أو يقرأها فضلا عن أن يركبها أو يحللها، كيف مرت هذه السنوات العجاف على مثل هذا الطالب؟ وهل كان التعليم خلالها أحلاما أم كوابيس؟ بل هل كان داخل المدرسة أو خارجها؟ وكيف تجاوز مثل هذا الطالب كل هذه السنين بنجاح وحمل في يمينه الشهادات التي تثبت نجاحه وأحيانا تفوقه مشفوعة بمباركات المديرين والمربين؟ وعما قليل سيغدو هذا معلما يعلم الأجيال الجهل وينسج الليل في عيون التلاميذ وتجده يطمح إلى ما هو أرفـع من هذا بعـد أن استسهـل الأمر ووجد الطريق ممـهدا وعرف كيف يشق طريقه في زمن اللا مـبالاة واللا مسئولية واللا محاسبة.. زمن الغفـلة والفساد والغـش.

مع الملاحظ أن أجيال اليوم تتمتع بذكاء كبير من حيث الملكة والاستعداد في النفوس، لكن المشكلة تكمن في التعليم نفسه من حيث مناهجه وطرائقه ومفرداته وشروطه ومتطلباته، ومن حيث وضع المتعلم نفسه اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا.

تسهر الأم وتحرم نفسها ويكدح الأب ويتشرد في سبيل تعليم ابنه أو بنته خلال أعوام طويلة ليكتشفا في الأخير أنهما كانا يحرثان في البحر لا سيما والأسعار لا ترحم والحكومة تسحب يدها رويدا رويدا من الخدمات الضرورية ومنها التعليم، وكثيرا ما تجد الأم ابنها النظيف الذي ودعته صباحا إلى المدرسة يعود آخر النهار وهو ملبد بالطين والماء، لأن معلميه قد أمروه هو وزملاءه أن يكنسوا الصفوف، ومع هذا يطالبها بالرسوم وبأجر الباص وبحق ورق الامتحان وبغير ذلك من البدع التربوية التي ما أنزل الله بها من سلطان.

ولا أبرئ الجامعات مما آل إليه الوضع التربوي والعلمي في البلاد، فهي تحمل أوزارها وأوزارا مع أوزارها، فدورة التعليم مثل دورة المياه، فطلاب الجامعات قدموا من الثانويات ومدرسو الثانويات والتعليم الأساسي هم من خريجي الجامعات، فالقضية ذات جوانب كثر ولكن الحكومة ممثلة بوزارة التربية والتعليم تتحمل الجزء الأكبر من وزر هذه القضية أمام الله والتاريخ والوطن بوصفها الجهة المسئولة التنفيذية المباشرة، ولا أنسى أن أشير إلى أن الجامعات تتحمل مسئولية قبول الأعداد الهائلة من الطلاب حسب إملاءات السياسة مع أن أكثر هذه الأعداد ليسوا جديرين بالدراسة الجامعية ولا يرتقون إلى مستواها، لأنها عادة تكون للصفوة من الطلاب، فليست المسألة مسألة نقل آلي من مرحلة إلى أخرى وصولا إلى الدراسات العليا. على أن الذين لا يصلحون للدراسة الجامعية يصلحون في مجالات الحياة الأخـرى، ومـا أكثرها، لـو أن هـناك تخطيطا وتنمية ورخاء اقتصاديا وفرص عمل.

لقد ساعد الإحباط واليأس من إمكانية وجود عمل بعد التخرج في صناعة هذا المستوى الرديء الذي وصل إليه التعليم اليوم ولقد صدق الشاعر عبدالكريم الرازحي حين قال: «أعطونا المدارس والجامعات وأخذوا الوظائف، أعطونا العلامات الممتازة في الامتحانات وأخذوا المنح والامتيازات».

إننا نودع أطفالنا صباح كل يوم إلى مدارسهم تشيّعهم نظراتنا وحبنا وخوفنا ودعواتنا وكلنا ثقة بقداسة الرسالة التي تنهض بها المدرسة وبجدارتها على ذلك، فالخوف كل الخوف أن تهتز هذه الثقة أو أن تنكسر كما ينكسر الزجاج فليس بعد هذا إلا الطوفان. اللهم احفظ وافتح وسدد وبارك إنك سميع مجيب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى