المدينة الفاضلة

> عبدالقوي الأشول:

>
عبدالقوي الأشول
عبدالقوي الأشول
حقا لقد بلغ السيل الزُّبى، وعندما لا توجد الإرادة باتجاه الإصلاح فإن كافة الحلول تبدو ترقيعية لا طائل منها.

الزميل الصحفي المحامي علي هيثم الغريب، من منطلق حسه الوطني باتجاه الإصلاح والعدالة الاجتماعية عبر صيانة الحقوق والممتلكات، اقترح في موضوعه الذي نشرته «الأيام» في عددها 5037 خلق إدارة وطنية في المحافظات الجنوبية وبناء مجتمع يوجد فيه على قدم المساواة نظام إداري وقضائي وأمني يخدم أبناء المحافظات ويحافظ على أملاكهم ويدافع عن حقوقهم، ويكون فيه تعدد الآراء وحرية النشر والقول والاعتصام والتجمعات وغيرها.. ضمانا للوحدة والتعددية السياسية دون تمييز ولا امتيازات..إلخ.

مثل هذه المدينة الفاضلة أيها الزميل العزيز تبدو مستحيلة مع آلية النظام الراهن، الذي لا يبدو أنه يستوعب متطلبات الوضع الراهن ولا يبدو أنه يستجيب لأي تفكير جدي لمعالجة قضايا الواقع المتفاقمة.. حتى إن مثل دعوتك هذه لا أظنها تسلم من التجيير باعتبارها تتحدث عن قضايا الظلم واغتصاب الحقوق في المحافظات الجنوبية، رغم أن مثل هذه الممارسات حقيقة ثابتة تتكشف نتائجها السلبية بعدد من المعطيات على الواقع، أولها ما ظهر من فشل ذريع في إمكانية تنمية عدن كمدينة شاطئية كانت قادرة على استيعاب مشاريع استثمارية واسعة وتنشيط مطارها ومينائها عبر تفعيل منطقتها الحرة.

مثل هذه الأمنية لم تحدث بقدر ما اختلط الحابل بالنابل إثر ما بدت من شراهة غير مسبوقة في تقطيع أوصال عقارات عدن وتداخل الأمور والعشوائية والبسط الذي داهم أراضي مطارها وسواحلها ومينائها، ومثل هذا السلوك العبثي امتد إلى محيط المدينة لتداهم الخطوب سكان ضواحي عدن حين يمسون على حال ويصبحون على واقع مختلف عندما تكتنف مواقعهم أسوار أراضي المتنفذين والمشايخ والأعيان الزاحفين مع أرتال حراساتهم المتمنطقة بأنواع السلاح لمجابهة من يعترض مواكبهم العتيدة للحصول على قدر من كعكة عدن التي أعدت بلا قبيلة في زمن مارد القبيلة، الذي باغت أهلها الحضريين وجعلهم في حيرة من أمرهم.

زميلي المحامي الصحفي علي هيثم، أدرك نبل مقصدك فأنت تعني ضمنا تحقيق ولو قدر من العدل والمساواة ورفع الظلم عن سكان المحافظات المغلوبة على أمرها، ونرى في هذا المسلك دفاعا عن الوحدة وصيانة لها لأن الخطر من ممارسات إذلال الآخرين واستباحة حقوقهم وزيادة وطأة الظلم بحقهم لا يخدم بأي حال وحدة الوطن، وهي سلوكيات من اعتبروا الوحدة تحقيقا لأطماعهم.

نعم توجيهات فخامة الأخ الرئيس خففت في أحيان كثيرة من شدة تمادي هؤلاء، ومع ذلك فهناك تجاوز لتوجيهاته بدليل أن التوجيه أو القرار بشأن التعويض عن الممتلكات المؤممة لم يتم الأخذ به ما ولد حالة خلط لن تتعافى منها محافظات الجنوب لا على المدى القريب و لا البعيد، بعد أن تداخلت مساوئ التأميم بفضائح الوضع الراهن الذي أجهض مقومات عدن الاستثمارية وأتى على كامل عقاراتها دون أن يشكل ذلك أدنى فائدة للاقتصاد العام والتنمية، أما حين تتحدث عن فكرة كشف الجرائم والأخطاء وحرية النشر والتناول فإن مثل هذه الأمور هي من صلب أي نظام ديمقرطي تعددي مؤمن بالحقوق المتساوية والعدل الذي هو أساس الملك.

ولا أظن أن من أمعنوا في إطلاق التهديدات بالتصفية الجسدية على بعض المحامين والقضاة في هذه المحافظات بسبب وقوفهم إلى جانب إحقاق الحقوق والمطالبة بالعدالة، لا أعتقد أن هؤلاء يمنحون إدارة وطنية إمكانية الوقوف تجاه كافة الأمور والقضايا المتعلقة بالواقع.. لأن هذا الواقع هو الذي يسهم في تنمية أملاكهم على حساب البسطاء ممن عُدوا غنيمة لا ترحم، ولا يحق لها أن تستنجد، حتى لا تخرج عن مقاسات ثوب المواطنة المفصل على هذا النحو المريب.

نعم قناعات القطاع الأوسع ممن يقع عليهم الظلم والاستلاب أن الأمور ليست طبيعة، ولكننا نعتقد أيضا أن استمرار آلية الظلم والفساد يبدو مستحيلا، لأن الفشل أخذ يكتنف الجميع خصوصا وكافة المؤشرات على الصعيد الاقتصادي تبين استحالة العمل والتنمية وسط بؤر فساد ماحقة وذوات شريرة لا تؤمن إلا بمصالحها، مثل هذه السلوكيات الخرقاء هي التي أضاعت منا إمكانية تنمية مدينة عدن اقتصاديا، وهي التي بسطت شراهتها على أصحاب النعجة الواحدة من أراضي بئر فضل ونحوها، والسؤال: هل اقتنعنا وأيقنّا أن آلية الدولة غير قادرة على وضع حد لكل ما سلف، حتى نبحث عن ما يمكنه أن يجسد القيم والفضيلة في محيط لا يكثرت لكل هذا وذاك؟ ولعل من استساغوا خرق قوانين الدولة وأعراف المجتمع، واستحلوا لأنفسهم نهش كل ما يمكن من مقدرات الوطن ومواطنيه لا يتورعون في الذود عن مصالحهم بشتى السبل والوقوف تجاه أي إرادة تريد الذهاب باتجاه مصالح الوطن.

حال ربما يدعونا من خلاله للعودة إلى عهد مشايخ وسلطنات الجنوب حتى نحمي حقوقنا وأراضينا وديارنا.

فهل هذا هو المجتمع العصري الذي بُذل من أجله الكثير!؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى