واحد من عمالقة الفن اليمني القديم .. الأستاذ عمر محفوظ غابة

> «الأيام» إسكندر عبده قاسم:

> يعتبر الفنان عمر محفوظ غابة من مشاهير المغنين المحترفين القدامى في جنوب اليمن والجزيرة العربية، وكان من الحافظين لكل ألوان الغناء اليمني القديم ،إلا أنه حين دخل مجال الاحتراف الغنائي بعد أن ترك مهنة «الدلالة» في عدن أحس بمنافسة قوية من معاصرية المطربين المقتدرين في الغناء الكلاسيكي اليمني والذي لم يكن الأستاذ غابة من أساطينه الميامين، ولذلك عندما نفتش في تسجيلاته (الأسطوانية) لن تجد من ذلك شيئاً وكان على الأستاذ عمر والحالة هذه أن يفكر في أسلوب جديد في الغناء يتلاءم وطبيعته ومواهبه حتى يستطيع أن يجد له مكاناً مميزاً بين أساطين الغناء التقليدي، فاتجه إلى اللون الشعبي في جنوب اليمن بصورة عامة والمنلوجات الناقدة لبعض مظاهر الحياة في المجتمع، والغريب في الأمر أن الاستاذ عمر لم يكن هو نفسه يدرك أن هذا اللون من الفن يسمى«منلوج» التي لا تحمل أي معنى ولا تخدم أو تعالج أي نوع من القضايا وهي أغاني «الفرانكو، هندي، صومالي، عربي» اللهم إلا أنها ضاحكة وكلها من تأليفه وتلحينه وفي الأسلوب الأخير الضاحك نذكر هذا النموذج:

تعال ياعزيز (كمون دير) إنكليزي

مرحباً سيدي (يَس سَر) إنكليزي

تعال يا صديقي (بيتودوس) هندي

أجلس يا أخي (فريسو ولال) صومالي

والأستاذ غابة بدخوله مضطراً عالماً جديداً في الغناء للاعتبارات التي أوردناها كان دون شك في البداية مغامراً بحياته في مجال الاحتراف الغنائي، ولكنه في الحقيقة وجد نفسه حين فكر في هذه المغامرة، لأن العم عمر كما كنت أناديه كان لا يصلح إلا مضحكاً والواحد منا يحس بملكته في الإضحاك عندما يقابله، ولذلك لاقى تجاوباً سريعاً من الناس البسطاء ومن قطاع النساء في المدينة والريف بصورة خاصة، اللاتي إذا ما سمعن بوجوده في حفلة زواج هرعن بحماس يزغردن للفنان الضاحك من وراء حجاب ويضحكن من أعماق قلوبهن لترقيص حواجبه والابتسامة تملأ مساحة وجهه الوسيم.وكان من عادته إذا ما أراد أن يلهب حماس النساء بالزغاريد التي لا تنقطع، يضع العود جانباً ويتناول الكمنجة، وأثناء عزفه عليها يرعش القوس ويزغرد بإتقان فيخيل للنساء اللاتي يرقبنه من فتحات ضيقة في السقيفة أن رعشة القوس على الكمنجة هي التي أحدثت الزغرودة ويتم التجاوب منهن بالزغاريد التي تشق عنان السماء، ويكرر العملية على الكمنجة أكثر من مرة حتى انتهاء الأغنية. والجدير بالإشارة أن إعجاب النساء أدى به مرغماً إلى الدخول في مغامرات عاطفية خطيرة على حياته مع نساء البيوتات الكبيرة ويعود هذا الإعجاب الخاص إلى شخصيته الظريفة وفنه الظريف ووسامته، وكان أول مطرب يهتم بشؤونهن وأزيائهن وبعضنا لا يزال يتذكر هذا المنلوج الذي يقول فيه:

- قد كان أول لبس «الكرت»

واليوم لباسه قد بلَتْ

والناس شوف أتمدًّنت

للحرية والخشِّي

على لباس آخر زمان

شَننْ خلوا الأصلي

في البَّز فيصل ابن الشريف

والكويتي عبداللطيف

وأنت تشتري لي يا سخيف

وإلا باروح بيت أهلي

على لباس آخر زمان

شَننْ خلوا الأصلي

وبمناسبة شراء السيارات بالتقسيط، أو قل هذا اللون من البيع الذي كان لم يألفه الناس بتلك الطريقة والذي يخيل للمرء انها تدخل بلادنا للمرة الأولى في تاريخها، تلك المناسبة لم تكن لتستهوي «القمندان» وحده بل أنها استهوت غيره، استهوت المطرب عمر محفوظ غابة الذي ألف ولحن منلوجاً في هذا الموضوع أولعت به الناس وغنته طويلاً وهو منلوج يسجل الحدث بشكل فيه من النقد وفيه من السخرية ما يسجل لهذا اللون من التعامل الاقتصادي مكانه في تاريخ بلادنا وإليكم الأبيات التالية:

مواتر أشكال وألوان

ولكن أجوا بآخر الزمان

تودّي رأس مالك كله

تقول يا قهوجي شلُّه

تجيب له ضمين لما محلُّه

يقول لك وفّي بالجِران ْ

شهرين منه تكسب

لوما الدريول يلعبْ

ثالث شهر اتعجب

عند الإجنير قده خربانْ

وفي هذا المنلوج كشف لي الأستاذ حسين الصافي مدير الإذاعة والتلفزيون الأسبق في عدن عن معلومة جديدة عندما قال إن استيراد السيارات في ذلك الوقت كان من نصيب أحد التجار الوطنيين من آل بازرعة في عدن وبدخول التاجر قهوجي الهندي الأصل هذا المجال وفكرة التقسيط الرائجة التي جاء بها في بيع السيارات أصيبت سيارات البازرعة بالكساد التجاري الأمر الذي أثار عمر غابة فألف ولحن هذا المنلوج لينصر التاجر الوطني البازرعة على منافسه الأجنبي.والمطرب عمر محفوظ غابة وبجهده الشخصي قام بنشاطات فنية واسعة في أنحاء الخليج العربي وفي بعض البلاد العربية ومن بينها سوريا، حيث قام والمطرب عبدالرب تكرير بتسجيل بعض أغانيه على اسطوانات يصاحبهما المطرب (نوري الملاح) من سوريا وإلى جانب ذلك قام برحلات فنية عديدة إلى كثير من البلدان الأفريقيةويعتبر الفنان عمر محفوظ غابة من المطربين القدامى الذي لحن أغانيه وخاصة المنلوحات، وكان له لونه الخاص به، وشهرته في جنوب بلاد اليمن والجزيرة تنطلق من هذا اللون الذي اتخذه مسلكاً فنياً في حياته الفنية وقد توفي عام 1965 . وشكرنا الجزيل للفنان الكبير محمد مرشد ناجي الذي أغنانا بالكثير من هذه المعلومات القيمة التي لا تقدر بثمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى