ترشيحات مجلس الشورى لعضوية هيئة مكافحة الفساد .. مجلس النواب بإمكانه رفضها

> د. محمد علي السقاف:

>
د. محمد علي السقاف
د. محمد علي السقاف
أثارت قائمة ترشيحات مجلس الشورى لعضوية الهيئة العليا لمكافحة الفساد التي تضم 30 شخصاً خيبة أمل وردود فعل في مجملها سلبية بما في ذلك من جانب بعض قيادة الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم.

فقد رأى البعض في أسماء الـ30 شخصية لعضوية الهيئة التي أرسلها مجلس الشورى إلى مجلس النواب ليختار من بينها 11 شخصاً هم قوام الهيئة ليسوا على مستويات المهام الجسيمة التي خولها لهم القانون في مكافحة الفساد لأن عدداً منهم هم أنفسهم ضالعون في الفساد ويصعب بالتالي تصور إمكان محاربتهم حقيقة للفساد وهم جزء منه، فالمتهمون في الفساد حين تسعى الهيئة إحالتهم للقضاء يسهل عليهم القول انه من المفترض أن لا يمثلوا وحدهم أمام القضاء بل يجب ايضاً أن يكون معهم بعض أعضاء الهيئة المعروفين بالفساد وهذا دون شك سيحد من عمل وفعالية الهيئة وفي نزاهة بعض أعضائها.

ما العمل اذن إزاء ذلك؟ هل مجلس النواب ملزم بقبول قائمة الاسماء لعضوية الهيئة المرسلة له من مجلس الشورى، أم بإمكانه رفض القائمة وإلزام مجلس الشورى بإعادة النظر فيها؟ وعلى أي أساس قانوني يمكن لمجلس النواب أن يبني رفضه للقائمة، وما هو موقف قانون مكافحة الفساد بهذا الصدد؟

للاجابة عن هذه التساؤلات يتوجب علينا أولاً القاء نظرة سريعة في شروط تشكيل واختيار أعضاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، وفق نصوص القانون رقم (39) لسنة 2006م بشأن مكافحة الفساد. فقد قضت المادة (9) من القانون في الفقرة (أ) بأن تشكل الهيئة من أحد عشر عضواً ممن تتوفر فيهم الخبرة والنزاهة والكفاءة على أن تمثل في الهيئة منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وقطاع المرأة، وحددت الفقرة (ب) من المادة نفسها الشروط الواجب توفرها في مرشح عضوية الهيئة وهي:

- أن يكون يمني الجنسية .

- ان لا يقل عمره عن 40 عاماً.

- أن يكون حاصلاً على مؤهل جامعي على الأقل.

- أن لا يكون قد صدر بحقه حكم قضائي بات في قضية من قضايا الفساد أو في قضية مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.

الفقرة (ج) يقدم مجلس الشورى إلى مجلس النواب قائمة مرشحين تتضمن 30 شخصاً ممن تتوفر فيهم الشروط الواردة في الفقرتين (أ.ب) من هذه المادة.

وفي ضوء ذلك أفادت صحيفة «الثورة» الرسمية بتاريخ 31 مارس 2007م أن مجلس الشورى تلقى ترشيحات 300 اسم «وقام بغربلتها ومراجعتها وفقاً للمحددات والشروط القانونية». ولم توضح الصحيفة الأسس التي اعتمدها مجلس الشورى في غربلة ومراجعة أسماء المرشحين ليختار من بين الـ300 مرشح، ثلاثين اسماً أي ما يمثل 10% من اجمالي عدد المرشحين وفق نص القانون، وبغياب هذه التفاصيل سنقف أمام عدد المرشحين الـ300 الذي أشارت إليه «الصحيفة» كمعلومة محددة. فإذا كان من السهل افتراض توفر الشروط الواردة في الفقرة (ب) من المادة التاسعة من القانون، يصعب تصور أن يتقدم أشخاص من غير اليمنيين لعضوية الهيئة، وأن تقل أعمارهم عن 40 عاماً، وأن لا يكونوا قد حصلوا على مؤهل جامعي، ومن المحكوم عليهم في قضايا الفساد، مما يجعلنا نفترض أن غالبية المرشحين الـ 300 تم تقييمهم في مدى توافر شروط الفقرة (أ) من المادة (9) في ملفاتهم من امتلاكهم الخبرة والكفاءة، أما شرط «النزاهة» فهي مبنية على معايير غير موضوعية للأشخاص غير المعروفين، بينما على سمعة بعض «الشخصيات» المعروفة بالفساد أو التي تحوم حولها شبهات الفساد، وطالما لم يصدر بحقها أحكام قضائية تدينها بالفساد اعتبرت أنها تلبي شرط النزاهة؟ اذن في الغالب معيارا الخبرة والكفاءة مع وجود تمثيل لمنظمات المجتمعات المدني والقطاع الخاص وقطاع المرأة هي الشروط الأساسية التي قد يكون مجلس الشورى قد اعتمدها، والسؤال المطروح هنا كيف اختار المجلس الـ30 شخصية المطلوبة قانوناً من الـ300 من المتقدمين. فإذا افترضنا أن اختيار الـ 30 شخصاً تم في حده الأدنى من بين 60 شخصاً من أصل 300 من المرشحين تتوفر فيهم معايير الخبرة والكفاءة والنزاهة، كيف تمت المفاضلة بينهم، هل تم ذلك وفق ما يحدث في أكثر الدول المتقدمة حين يبلغ عدد من يتوفر فيهم الشروط ضعف أو أضعاف العد المطلوب عادة ما يفصل بينهم في الاختيار عبر نظام القرعة كحل عملي يساوي بين المرشحين. فهل اعتمد مجلس الشورى ذلك أم لجأ إلى خيار آخر، أم خضع لاعتبارات أخرى غير قانونية؟ هنا على مجلس النواب برفضه للقائمة المعروضة عليه التي تحوم الشكوك على بعض الشخصيات فيها أن يطلب من مجلس الشورى اعادة النظر في القائمة، والسؤال هنا الذي يفرض نفسه هل يحق لمجلس النواب رفض القائمة لعضوية الهيئة، والطلب من مجلس الشورى اعادة النظر فيها؟ وما هي الأسس القانونية التي يمكن لمجلس النواب أن يبني عليها قرار رفضه؟

تكمن الإجابة عن هذه التساؤلات في النقاط التالية:

ان مجلس النواب هو مصدر التشريع لقانون مكافحة الفساد رقم (39) لسنة 2006م، وهو الذي صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ولم يكن لمجلس الشورى أي دور في كليهما لعدم امتلاكه اختصاصي التشريع والتصديق على مثل هذه الاتفاقيات الدولية ومن ثم فإن مجلس النواب كمشرع للقانون بإمكانه تقييم مدى توافق قائمة المرشحين المعروضة عليه مع الشروط التي وضعها في اختيار أعضاء الهيئة وقدرتهم على تنفيذ أهداف القانون والاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد.

مجلس النواب وفق نص المادة (4) من الدستور يجسد الارادة الشعبية، ممثلاً عن الشعب مالك السلطة ومصدرها، بعكس مجلس الشورى المعين الذي لم يرد ضمن الهيئات الدستورية التي نصت عليها المادة (4) من الدستور وبالتالي فإن اختلاف مصدر الشرعية بينهما يجعل من موقف مجلس النواب في رفض القائمة تعبيراً عن الارادة الشعبية في مكافحة الفساد الذي يشكل أحد العوائق الرئيسية في تنمية قدراته الاقتصادية والتنموية وفي استقطاب الاستثمارات المعززة لنموه الاقتصادي.

انطلاقاً من ذلك وبالنظر لاختلاف طبيعة مصدر شرعية المجلسين واختلاف الاختصاصات والسلطات التي وزعها عليهما الدستور فإن لمجلس النواب وحده حق التزكية عن طريق الاقتراع السري في اختيار الأحد عشر شخصاً من أعضاء الهيئة بينما قصر القانون دور مجلس الشورى على عرض قائمة المرشحين الثلاثين على مجلس النواب، فإذا لم يحق لمجلس النواب رفض القائمة المعروضة عليه سيعني عملياً أن مجلس الشورى خول لنفسه سلطة التزكية دون أن ينص القانون على ذلك ضمن اختصاصاته حيث إن الـ(11) شخصا قوام الهيئة من بين قائمة الـ30 في حال خلو مكان أي عضو من أعضاء الهيئة يعطي القانون رئيس الجمهورية سلطة تعيين المرشح الذي يلي الأحد عشر الفائزين في عدد الاصوات لبقية المدة وبذلك لا يقتصر دور مجلس الشورى على عرض أسماء 30 شخصية بل يشارك عملياً في اختيارهم مع مجلس النواب دون ان ينطبق عليه في هذا الاختيار الشروط المفروضة على مجلس النواب عبر الاقتراع السري. ومن أجل أن يثبت مجلس النواب اختصاصه المطلق في حصر اختياره هو وحده لأعضاء الهيئة، وحصر دور مجلس الشورى في عرض أسماء المرشحين، عليه أن يؤكد ذلك برفض القائمة وإلا كان مجلس الشورى شريكه في اختيار أعضاء الهيئة، بعكس ما رمى إليه القانون. ومن المثير بهذا الصدد المقارنة بما نص عليه الدستور بخصوص الترشيحات لرئاسة الجمهورية في المادة (108) حيث تنص الفقرة ب على فحص الترشيحات للتأكد من انطباق الشروط الدستورية على المرشحين في اجتماع مشترك لهيئتي رئاسة مجلس النواب ومجلس الشورى، وتقضى الفقرة(ج) بعرض أسماء المرشحين للتزكية على اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشورى، ويعتبر مرشحاً من يحصل على تزكية نسبة 5%. هنا أوجد الدستور شراكة صريحة للمجلسين. في قانون مكافحة الفساد أعطى النص ظاهرياً مركزاً متميزاً لمجلس النواب، بينما عملياً يكون مجلس الشورى هو في الاساس الذي يسبق مجلس النواب بنوع من التزكية غير المباشرة، ان لم تكن مباشرة، لأنه اختار من بين 300 مرشح 30 مرشحاً ومجلس النواب عليه الاقتراع المحصور على الـ30 شخصاً واختيار أحد عشر منهم وفق عدد الاصوات من بين الـ30 ، وفي حالة غياب واحد أو أكثر يعين رئيس الجمهورية من العدد المتبقي من الـ30 وفق الاصوات التي حصل عليها الاشخاص التالية أسماؤهم بعد الـ11شخصاً. لإثبات نص وروح القانون بوجود صلاحيات أكبر لمجلس النواب عليه تأكيد رفض حصره في إطار القائمة المقدمة له من مجلس الشورى بطلب اعادة تشكيلها. فهل يقوم أعضاء مجلس النواب بهذه الخطوة أم لا؟ هذا ما سيتبين في الأيام القادمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى