ابن قتيبة وابن عدن.. حضرٌ ووطنٌ حافل بالمحن

> نجيب محمد يابلي:

>
نجيب محمد يابلي
نجيب محمد يابلي
يريدون أن أمص نزيفي/لا جدار أنا ولا ببغاءُ/ أنا حريتي فإن سرقوها/ تسقط الأرض كلها والسماءُ .. نزار قباني: إفادة في محكمة الشعر

ابن قتيبة، أبو محمد عبدالله (828/889م) الخراساني الأصل والكوفي المولد، أديب ومحدث وفقيه كبير ذاع صيته بأعماله «الشعر والشعراء» و«أدب الكاتب» و«عيون الأخبار» و «كتاب المعارف».

وردت حكاية جميلة في «عيون الأخبار» هذا نصها:

قالت جارية من العرب لبنات عم لها:

السعيدة: التي يتزوجها ابن عمها.. فمهرها بتيسين وكلبين وعيرين. فينب التيسان وينبح الكلبان وينهق العيران .

والشقية: التي يتزوجها الحضري، فيطعمها الخمير ويلبسها الحرير ويحملها ليلة الزفاف على سرير.

مادمنا في دائرة الحضر والحضرية فإن عدن لغة هي اسم وفعل بمعنى «السكن»، و«العدني» لغة هو الكريم الأخلاق (وهو كذلك) وقد ثبت «عدن» ككيان شاعر الأحرار محمد محمود الزبيري رحمه الله، وثبت «العدني» الشيخ المجاهد الأستاذ أحمد محمد نعمان رحمه الله، وهذا تاريخ موثق لا يمكن لأي مهترئ أن يطمسه لأن «عدن» كمركز حضري ثبتت كحقيقة منذ الأزمان الغابرة حيث ورد ذكرها في سفر (حزقيال - التوراة) قبل أكثر من 3000 عام.

لو قدر لابن قتيبة أن يبعثه سبحانه وتعالى من جديد لرأى عجبا وهولاً في هذه المدينة الطيبة (عدن).. لرأى غياب الخمير والحرير والزفاف على سرير.. ولرأى الأرض منهوبة و(كوتة) فرص العمل مسلوبة، وسيرى أن آلاف الطلاب الدارسين في جامعات أوروبا وأمريكا وماليزيا سوادهم الأعظم إن لم يكونوا كلهم من محافظات شمالية.

سيرى ابن قتيبة أن آلافا من السكان يساقون إلى التقاعد المبكر ويشمل ذلك المدنيين والعسكريين ومن ضمنهم أساتذة جامعة عدن.. سيرى ابن قتيبة أن فخامة رئيس الجمهورية منح الرائد ناصر محمد علي الشحيري رتبة (مقدم) في العام 2001م، إلا أن المقدم أحمد الوادعي نائب رئيس شعبة إنهاء الخدمة، دائرة شؤون الضباط ألغى الترفيع في يناير من هذا العام وأعاد المقدم الشحيري إلى رتبته السابقة وأحاله إلى التقاعد دون أن ترفع وحدته اسمه في كشف المحالين إلى التقاعد، وأكد هذه الحقيقة قائد المنطقة العسكرية الجنوبية وطالب بإلغاء قرار التقاعد.

سيرى ابن قتيبة أن أراضي بمساحات كبيرة ومشفوعة بعقود تمليك مجانا تمنح لمن هب ودب من خارج المحافظة وكأن سكانها قد هاجروا إلى أرض الله الواسعة، وأجزم بأن ذلك يجري وفق مخطط منظم يهدف إلى تهجير السكان الشرعيين في هذه المدينة الطيبة، التي أكدت المسوحات الاجتماعية أن كثيرا من الأسر المقيمة فيها من نمط الأسرة المركبة (أي أن تقيم أكثر من أسرة واحدة في مسكن واحد)، وهي ظاهرة غير حضرية وغير حضارية، وليل إلى متى؟!

وأخبرني صديق أن دبلوماسي غربي رفيع، كان يعمل في سفارة بلاده باليمن قال له عندما زار مدينة عدن قبل حوالي 15 سنة أن استمرار الأمور في مدينة عدن على ذلك النحو سيغير ديمغرافية المدينة على المدى البعيد.

سيرى ابن قتيبة أن فرص العمل والتعيينات في الوظائف الدنيا والوسطى والقيادية تمنح لأشخاص من خارج هذه المدينة الطيبة، التي يحرم أبناؤها حتى من وظيفة (حارس) أو (مراسل) في ظل صمت المكتب التنفيذي والمجلس المحلي وذلك إما لأن أعضاءهما من خارج هذه المدينة أو لأنهم من المغلوبين على أمرهم. سيرى ابن قتيبة أن أبناء هذه المدينة نعموا بكامل حرياتهم وكرامتهم في ظل الإدارة البريطانية أو كما يقال «المستعمر البريطاني» وأن تلك الحريات والكرامة قد سلبت تماما في ظل الثورة أو الوحدة، وبصورة مغلظة بعد السابع من يوليو 1994م.

خاب ظن الجارية يا ابن قتيبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى