لتبقَ حواء امرأة

> د. هدى علي علوي:

> «الحضارة أنثى وكل ما هو حضاري أنثوي» ..الطيب صالح .. لقد تعاطت الحركة النسائية المعاصرة مع مصطلح (النوع الاجتماعي) - (الجندر) بمرونة لا حد لها، وحاولت توظيفه لمصلحة قضية المرأة وتقدمها من خلال رؤية أكثر اتزاناً للهوية الأنثوية، وتفعيل عناصرها الإيجابية على أساس «كنّ نساء.. ابقين نساء» في اتجاه التسليم بلغة أكثر تحضرا لحقيقة الفروق القائمة بين الرجل والمرأة بعد أن خاضت تلك الحركات في وقت سابق صدامات محمومة بسبب انزلاقها في هوة التحررية الهوجاء، حيث نادت بثورة حواء الجارية ضد ظلم آدم وبطش ما يسمى بثقافته الذكورية، كما افتعلت الأسباب لتأجيج الصراع مع الرجل وارتكبت الحماقات ضد العلاقات التكاملية بين الرجال والنساء محاولة بث شعار التماثل لا التكامل وشتان ما بين الاثنين، فأماطت اللثام عن حرية تنفستها برئة مثقوبة، وعن مساواة غابت عنها العدالة وانجرفت الكثيرات خلف موجة الاسترجال، إذ أخذن يغالين في التشبه بالرجال في اللبس والكلام ونمط السلوك، واستمرت المؤسسات السياسية والإعلامية في إحياء نموذج المرأة- الرجل، كدلالة على القوة والحكمة، بينما يتندر المجتمع بسخرية من هذه الصورة.

فحيث اختلطت الأوراق فقدت المفاهيم كياستها وسقطت قضية المرأة صريعة مثخنة بجراح التطرف منذ أن شنت بعض تلك الحركات حملة حقيقية لاغتيال الأنوثة باعتبارها علامة ظاهرة لعبودية النساء، فانتقدت بلهجة شديدة الإعلانات التجارية التي لا تكف عن مخاطبة احتياجات المرأة الاستهلاكية، كما تروج لها كسلعة، وعلت أصوات منادية بمقاطعة عروض الديفيليه والشركات المصنعة لمواد التجميل لكونها تكرس المكانة الدونية للمرأة تمشيا مع تأثير ثقافة التماثل وانتشار الهوس المجنون في إنكار جمال الاختلاف بين الرجل والمرأة باعتباره ملمحاً كونياً رائعاً وحكمة إلهية عظيمة.

وعلى غير ذلك تتنافس اليوم المرأة الموظفة وربة المنزل والسفيرة وكل نساء النخبة في تمثل الأناقة التقليدية أو الراقية أو الصارخة كل وفق ثقافتها وإمكاناتها المادية والإسراف هكذا في إعادة الاعتبار للهوية الأنثوية، حتى أنه لا مناص من أن تجد المجلات الصفراء ضالتها برصد كاميرات الديجتال في دار شانيل أوسان لوران لالتقاط صورة للمستشارة الألمانية أو لأية وزيرة أو حتى للمرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة وهي تقتطع وقتا من مواعيدها الرسمية لتشتري قلم روچ أو حقيبة يد جلدية.

لقد تجاوزت الحركة النسائية تدريجيا إرهاصاتها وخرجت قضية المرأة من مرحلتها الميتافيزقية لتضعها في إطارها التاريخي والاجتماعي والطبقي وأصبح الوعي بهذه القضية يتجاوز فلسفة البحث في الفروق بين الرجل والمرأة، على أساس أن المنطق لن يتوقف عند الاعتراف عبثيا بنقص النساء فلكل منهما مقدراته الوظيفية التي تكمّل الآخر واستعدادته الفطرية التي تخدم أدواره، أما مساحة التمييز بينهما فإنها تضيق وتتسع حتماً ارتباطاً بتكالب العوامل الاقتصادية والاجتماعية.

وهذا يعني أن تبني مطلب المساواة، كتكتيك لا كاستراتيجية، يفترض إعادة التحديد لمدى المساواة التي تتطلع لها النساء اليوم وصياغة مضمون جديد لهذا المطلب بحيث يحتمل البعد الإنساني المعاصر ويحترم الرؤية الشرعية المستنيرة دون حاجة لقياس قيمة المساواة من زاوية النظر إليها كنموذج تطابقي بينهما.. على أن تبقى حواء امرأة ويبقى آدم رجلاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى