دعوة للاهتمام بالتاريخ الشفوي

> أ.د. رعد الموسوي:

> يتزايد الاهتمام يوماً بعد يوم بالرواية الشفوية، كمصدر تاريخي مهم. وقد بدأ هذا الاهتمام يتزايد في عدد كبير من الدراسات والبحوث. إذ إن التاريخ الشفوي كما يعرفه رواده هو «تاريخ الحياة» مروي على ألسنة الشعوب التي عاشت هذه الأحداث.

وعلى أساس هذا التعريف فإن التاريخ الشفوي هو التاريخ الحي الذي عاشه أو خبّر عنه أو رواه الراوي أو الشاهد أو المعاصر للحدث التاريخي. والرواية الشفوية بهذا التعريف هي ذاكرة الشعوب الحقيقية، كما عاشوها دون أن يدونوها، وهذه الذاكرة تطال مختلف مظاهر الحياة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية.

وعلى الرغم من هذه الأهمية مازالت هذه القضية تشوب موقف بعض الأكاديميين والمؤرخين، بدءا من الشك في مصداقية الرواية الشفوية، وانتهاءً بعدم قدرتها على تقديم ما سموه بـ«الحقائق» ومن ثم استبعادها وعدم جواز الاعتماد عليها، إلا في حالة انعدام المصدر المدون والمكتوب.

وفي وطننا العربي وعالمنا الإسلامي، شكلت الرواية الشفوية إحدى الدعائم الأساسية في منظومة حضارتنا واستمراريتها عبر الأجيال. وفي ظل الثورة التي أحدثها الإسلام أصابت المعرفة التاريخية تطورات مهمة. ولعل أبرزها نقل الرواية الشفوية المتناقلة من الشفاه وتدوينها، فظهر جيل الإخباريين.

ومثل التطور التكنولوجي في أيامنا دوراً في تسهيل التسجيل السمعي والبصري للأشخاص والأحداث، للاهتمام بالتاريخ الشفوي. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية تبنت جامعة كولومبيا مشروعاً للتاريخ الشفوي. وفي وسط هذا الاهتمام تبنى المؤرخ (بول طومسون) إنشاء الجمعية البريطانية للتاريخ الشفوي وألف كتابه الشهيرThe voice of the past (صوت الماضي) وأثار بهذا الكتاب اهتمام مؤرخي التاريخ الشفوي وكان هذا الكتاب قد أكد على أن التاريخ هو «التاريخ من القاع» وليس «التاريخ الذي يرصده الصفوة».

واستعر الجدل حول قيمة التاريخ الشفوي ووصل إلى المهتمين بالفنون الشعبية والفولكلور من خلال دراسة الموروث الشعبي الشفوي.

ونحن بهذا المقال لا ندعو إلى اعتبار التاريخ الشفوي بديلاً عن التاريخ المدون أو منعزلا عنه لكنهما مصدران لا غنى عنهما في التوثيق، وينبغي أن يعملا مجتمعين لا متنافرين، حيث يساهم التاريخ الشفوي بعمق في حفظ تلك الذاكرة.

وقد قال فولتير في عام 1774: «لم يكتب التاريخ إلا بشكل سرد قصصي».

وفي إطار هذا الاهتمام العالمي القديم والحديث بالراوية الشفوية يأتي اهتمام الجمعية اليمنية للتاريخ والآثار - عدن، مؤكداً دور الرواية الشفوية في الكتابة التاريخية.

خاصة وأن القائمين على أمر الجمعية وأعضاءها كافة هم من ذوي الاختصاص بعلم التاريخ، فقد دشنت هذه الجمعية في نوفمبر 2005 (ملتقى الذاكرة الوطنية) لتسجيل شهادات المعاصرين للأحداث اليمنية.

وتتواصل فعاليات هذا الملتقى في برنامج عام 2007م والأمر معقود على الجهات والأفراد ذوي الشأن والدراية والاختصاص للاهتمام بالرواية الشفوية وترجمة هذا الاهتمام في برامجنا ومناهجنا الدراسية في جامعة عدن.

وينبغي أن نعي تماماً أن الرواية الشفوية هي مصدر تاريخي يصون التاريخ ويسهل مهمة البحث العلمي التاريخي، متى ما أحطنا التوثيق الشفوي للرواية بأسس ومضامين وتقنيات مناسبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى