رسالة إلى كل أبناء آدم

> د. هدى علي علوي:

> «المرأة لمسة حنان أو لسعة أفعى .. ذلك يتوقف على الزمان والمكان وعليكم أنتم»

غادة السمان

إن ظاهرة العنف ضد النساء تثير جدلا مستمرا في أوساط المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني، رغم ذلك فالحملات المناهضة للعنف لا سيما العائلي أو المنزلي محدودة للغاية في بلدان تتفشى فيها هذه الظاهرة خلف الجدران ووراء الحواجز حيث لا يتم الإبلاغ عنها في العادة وتبقى حبيسة واقع المعنفات اللواتي يحكمهن الحياء ويأسرهن الخوف، إذ يروج المجتمع لثقافة التسامح فيما يتعلق بحقوق المرأة.

والمؤكد أن العنف المنزلي أياً كان أسلوبه أو أسبابه يبقى سلوكا متهورا ينم عن قصور في فهم أحكام الشرع وعجز عن توظيف البدائل الأكثر انسجاماً مع المبادئ الإنسانية، فينظر إليه باعتباره فضيحة على صعيد احترام حقوق الإنسان.

إن إخفاء العنف الموجه ضد المرأة والتستر عليه من قبل المعنفة ذاتها أو المجتمع الذي يدفعها نحو الاستسلام لمنطق الأمر من خلال تعبئتها بلوازم الخنوع، وتلقينها مفاهيم مذلة عن مكافأة الصبر وأثره، إنما هو تكريس للممارسات التمييزية التي تسهم في إضفاء نوع من القبول الاجتماعي على كل مظاهر القسوة الواقعة عليها.

لقد تضمن الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة الصادر في عام 1993م مفهوماً للعنف، باعتباره أي فعل مبني على التمييز النوعي يسبب إيذاء أو معاناة بدنية أو جنسية أو نفسية، وقد فندت هذه المعايير على أن المرأة معنفة إذا ما تعرضت لأي اعتداء أو تصرف ينتج عنه إصابة جسدية أو قهر نفسي أو إجبار أو إساءة شفوية، أو حرمان قسري من الحرية.

إذا كان الفقه المستنير قد اقتضى في تفسير بعض الأحكام منح الرجل حق التأديب وبيّن علته وسببه وشروطه من حيث إنه إصلاح وتهذيب للمرأة لا يقصد منه الإضرار بسلامة بدنها أو نفسها، حتى أن أي ضرب يفترض أن يكون خفيفا وفي غير الأماكن الحساسة، وبمعنى آخر أن لا يكسر عظماً ولا يدمي جسماً، ولا يسود جلداً، وأن يتبع التدرج في وسائل التأديب، إلا أن هذا التفسير لا يبدو كافياً لإعادة استشفاف مدلول النص لدى أنصار حقوق الإنسان أو لدى المؤسسات المعنية بالدفاع عن المرأة، التي لا ترى فيه إلا صورة ماسة بالكرامة ومن ثم تستنكر أي معنى للإصلاح في سلوك أقل ما يمكن وصفه بأنه مستهجن باعتبار أن خطورة العنف أياً كان حجمه أو غايته تكمن في كونه مساساً باحترام آدمية الإنسان، على أن فكرة التأديب لا تنشأ إلا في ظل صلة قهرية وعلاقة غير ندية، كما تنعكس في جو من اللا تكافؤ بين الطرفين.

إن إباحة أي من صور العنف وتبريره يخلق سبباً كافياً للتورط فيه، لا سيما أن حالة الجهل بأصل الأحكام وغاياتها واردة في كل زمن، إذ إنه من غير المنطق أن يسيطر الإنسان على انفعالاته حين الغضب بحيث يحجمه إلى مستوى يتطابق فيه مع القدر المشروع له.

وإذا كان ذلك يشرع لعلو مكانة الرجل فإن تلك حقيقة لا يمكن إنكارها أو الإفلات من مترتباتها، كما يوظف الفكر التقليدي قراءات من التاريخ لتعزيز السطوة على المرأة حتى صارت الثقافة التمييزية علامة من علامات المجتمعات العربية. ومن هنا كانت أهمية التصدي الثقافي كمتطلب حيوي يستشرف انتصار مشروع الفكر الحداثي ويحرض على تبني خيار التغيير المجتمعي، باتجاه رؤية أكثر إنسانية في التعاطي مع المرأة بداية من خلال إعادة صياغة المفاهيم لا سيما تلك التي كانت ومازالت تفسر خروج آدم من الجنة على أنه اللعنة الأبدية بجنس النساء، ووفق هذا المنظور شطحت التأويلات وهدرت الأساطير التي اختلقت صورة «تشطين المرأة» حتى حولها هذا الموروث إلى شر لا نهائي ورمز لفتنة أزلية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى