> «الأيام» أحمد عمر بن فريد:
في مقالة الاسبوعي وتحديداً في عدد جريدة (الوسط) رقم 150 الصادر يوم الأربعاء 30/5/2007م كتب الدكتور/ عبدالله الفقيه، بمنطقية ومسؤولية مقالا هاماً جاء بعنوان (المسكوت عنه في الوحدة اليمنية!) وفي هذا المقال تحدث الكاتب بوضوح شديد ومضمون عميق عما نسميه نحن ب(القضية الجنوبية) وهي القضية الوطنية التي تصر السلطة على نفي وجودها - شكلاً ومضموناً - في حين تحرص المعارضة على تجاهلها تجاهلاً متعمداً (أعمى) لا ينسجم مع المسؤولية الوطنية التي تستوجب الوقوف أمامها، بما تستحقه هذه القضية وبما تعنيه ولو حتى من باب طرحها للحوار العام أمامها، بما تستحقه هذه القضية وبما تعنيه. ولو حتى من باب طرحها للحوار العام المفتوح على أقل تقدير، وفي الحقيقة، وعلى الرغم من اكتمال مقومات وعناصر هذه القضية. وما ترمز إليه من اهمية بالغة فيما يخص مسألة (الوحدة اليمنية) إلا أن التعامل معها من قبل هاتين الفئتين (السلطة والمعارضة) يتم في أغلب الأحيان، وفقاً لعقليات ضيقه الأفق.
أما بالنسبة للنخب السياسية والمثقفة “المستقلة” على الصعيد الوطني فلم تتقدم خطوة واحدة نحو هذه القضية الجوهرية، بل إنها جاهدت هي الأخرى- لعدة أسباب- في سبيل أن تبقى المسافة الفاصلة ما بينها وبين هذه القضية مسافة بعيدة “محترمة” تجعلها غير قادرة ولا حتى مؤهله للخوض في تفاصيلها وقراءة مضامينها بروية وهدوء..ولعل بهد تلك النخب من حيث “المكان” ومن عليه من أبناء الجنوب جعل من مسألة الخوض في قشور هذه القضية ولبها لدى هؤلاء شيئاً أقرب ما يكون إلى الترف السياسي الذي لا لزمه له، في حين استسلمت النخب والقيادات السياسية الجنوبية “الكبيرة” ذات التاريخ الطويل، إلى مجمل النتائج التي أفرزتها آلة الحرب الطاحنة عام 94م. وما انتجته من واقع مرير في المحافظات الجنوبية حتى أنها باتت تراه - من وجهة نظرها -”نتيجة حرب” ينبغي تقبلها والارتهان لها كيفما كانت النتيجة والظروف!!.. أن هذه النظرة (الأنهزامية - المستسلمة) جعلت من تلك النخب الجنوبية لدى أبناء الجنوب- في أحسن الأحوال - مجرد رموز وطنية كانت لها مكانة ومقام ذات يوم مضى.. فآثرت التخلي عنه بإرادتها المحضة ومن أجل أن تحصل لها على كراسي مهترئة الأركان في زوايا مظلمة من منظومة الحكم!! بينما بقيت قيادات جنوبية أخر تتقدم خطوة نوعيى للأمام فيما يتعلق بالنظر لهذه القضية، وأن كانت من الناحية العملية لاتتجاوز في تعاملها حدود تعامل الطفل الصغير مع البيضة الساخنة.
وفي المقابل فقد عمدت جهات مسؤولة في السلطة على مغالطة نفسها، وحينما يكون الحديث مواتيا عن الوحدة اليمنية في مناسبتها الوطنية السنوية، وذلك بتنظيمها للكثير من الندوات السياسية المفتوحة، التي تحشد فيها رجالات يمتلكون (الذمة الواسعة) و(الضمير المرن) و(الفهلوة المفرطة) للحديث عن الوحدة اليمنية، في أرهاصاتها الماضية وحاضرها ومستقبلها، وحينما تستمع إلى هؤلاء جميعاً تشعر، وكأنما المحفد وبقية المديريات والمحافظات في الجنوب ومن عليها تعيش بين جنتين قطوفها دانية وأنهارها جارية بينما الواقع يحدثك بشيء مخالف تماماً لكل تلك الهرطقة والنفاق المبتذل.
أن هذا البعد (المكاني)و (الفكري) عن مكمن الخلل، والحرص على عدم الاقتراب منه، وقد شكل حاجزاً مانعاً لدى المعنيين بالأمر, جعل من فهم مكونات (القضية الجنوبية) امراً بعيداً المنال، في حين تبدد هذا الواقع لدة الدى الدكتور الفقيه بنزوله الميداني إلى الجنوب الأمر الذي جعل من ملامسة (الهم الجنوبي) ومعاناة الجنوبيين أمراص ممكنا فكان الاستماع إلى حديثهم اليوم الحالي عن الوحدة اليمنية أفضل وسيلة ممكنة لفهم ولتفهم معاني القضية الجنوبية التي تحدث عنها الكاتب في مقالة الاخير.. أو هكذا فهمت.
في هذا المقال تحدث الفقيه عن أربع خصائص تميز ما أسماه بالشعور العدائي لدى الجنوبيين تجاه الوحدة اليمنية ويحذر الكاتب من تجاهل هذه الخصائص ويحمل في نفس الوقت بنيه النظام والمعارضة معاً..وحتى المجتمع اليمني ككل مسؤولية السكوت عن هذه القضية التي تؤدي إلى تنامي شعور عدائي مستمر وسريع في أوساط الجنوبين تجاه الوحدة، ويتمنى الوقوف الجاد أمام ذلك قبل أن يخرج الأمر عن السيطرة ومن هذه الخصائص التي ذكرها الفقيه ونتفق معه في معظمها مايلي:
الخاصة الأولى:”بتركز الشعور السلبي تجاه الوحدة بين أبناء المحافظات الجنوبية على نحو خاص تحديداً بين مواطني ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”.. والسؤال الذي اطرحه “من عندي” فيما يخص هذه الخاصية هو: ترى لماذا لا يوجد شعور سلبي تجاه الوحدة اليمنية لدى أي مواطن من المحافظات الشمالية” وحدوديين” الوحدة “ذات النفس الشطري” ويقول: أن جميع أبناء المحافظات الشمالية”وحدوديين” بينما جميع أبناء الجنوب “انفصاليين”.. أن المسألة بكل تأكيد ليست بهذه (الخفة) في التنازل. وإنما هي أعمق من ذلك بكثير، وكما أن إمكانية الوصول إلى هذا العمق مسألة ممكنة وفي متناول اليد. ولكنها تتطلب قليل من الجراة وكثير من الحس الوطني المسؤول.
الخاصية الثانية:
برغم اختلاف حدة المشاعر المعادية للوحدة من فة اجتماعية إلى أخرى الا أن الملاحظ أن ذلك الشعور يشمل جميع الفئات الاجتماعية بما في ذلك نشطاء الحزب الحاكم”.. ونود أن نضيف تأكيداً لهذه الخاصية دلائل من قبلنا من حيث أن جميع العناصر الجنوبية التي قاتلت إلى جانب القوات الشمالية في حرب 94م تتفق اليوم في معظمها على وجود “خلل” ما في الوحدة اليمنية، يلامس وبشكل مباشرة حياة الجنوبيين ومستقبلهم وتستوي هذه المشاعر من حيث النوع لدى هؤلاء جميعاً وأن كانت تختلف من حيث الكم فقط من جهة ومن حيث التعبير عنها من جهة أخرى.. فمن خروج قائد البحرية السابق/ احمد عبدالله الحسني إلى لندن(معارضاً جنوبيا) إلى ذلك الذي تسلق جداراً يرتفع عن الارض أكثر من خمسة أمتار بسرعة فائقة، هروباً من مشاركة “قوات السلام الخاصة” الجنوبية بتبوك السعودية في حرب 94م، ومن ثم هروبه إلى اليمن لمشاركة القوات الشمالية في ضرب الاشتراكي نكاية بماضيه، فأصبح اليوم يتحدث عن “الجنوب” ومعاناته في الوحدة اليمنية، والتي لم تستطع تأمين حقه في أرضه الزراعية التي اشتراها بحر ماله، وفي الوقت الذي أمنت فيه هذه الوحدة لمن قاتل إلى جانبهم من القادة العسكريين الشماليين (الآف الأفدنة) بكل راحة بال.. ما بين هذين النموذجين تكثر النماذج المماثلة وتتنوع.
الخاصية الثالثة: “تعاني مشاعر الجنوبيين تجاه الوحدة التي تبنت خط الدفاع عن المصالح الجنوبية في المرحلة التالية لحرب 94م سرعان ما وجدت في ذهب المعز خير العزاء. وتحولت إلى معبر عن مصالح السلطة مه الاحتفاظ بحيز معين تدافع من خلال عن مصالح مناطقية وسلالية ضيقة وهو الأمر الذي لا تجد فيه السلطة باعثا على القلق”.
في هذه الخاصية تحديداً نختلف مع الدكتور/ الفقيه فيما يخص حديثه عن “الصحيفة” التي أفهم - وكما فهم غيري - أيضاً أن المقصود بها صحيفة “الأيام” على أساس أن صحيفة “الأيام” كانت ولازالت تمثل الصوت المسموع لمختلف قضايا أبناء الجنوب. وقد لعبت ولازالت تلعب الدور ذاته منذ أن وضع قادة الحرب اسلحتهم عام 94م بل أن “الأيام” قد ذهبت بعيداً في هذا الشأن حينما نشرت مقالاً جريئاً للمفكر الكبير الدكتور/ ابوبكر السقاف عام 1995م جاء تحت عنوان مثير “فتح الجنوب.. والاستعمار الداخلي” في زمن كان فيها دخان القنابل المبعثرة في الجبال والوديان لا يزال يتصاعد في سماء الوحدة الطرية العود بفعل الحرب الهوجاء في الأهداف والممارسة, وفي هذا المجال يعتقد معي الجنوبيين أن ناشري صحيفة “الأيام” وعلى الرغم من مختلف الضغوط الكبيرة التي كانت ولا زالت تمارس ضدهما. قد وجها (أشرعة) سفينة “الأيام” باتجاه “الجنوب” وهو اتجاه معاكس تماماً لاتجاهات الريح التي كانت تحتم عليهما توجيهها في أتجاه آخر ووفقاً لحسابات المصالح البحتة، ولا أظن الكاتب العزيز يغفل عن حقيقة وقوف الزميل الأستاذ/ هشام باشراحيل في قفص الاتهام عطفاً على “قضية نشر” مع الاستاذ/ علي هيثم الغريب تتعلق بمقال يصب في اتجاه الحديث عن التمييز في الوظيفة ما بين الشماليين والجنوبيين في لحج وعدن، وأما “ذهب المعز” الذي قال الدكتور أن “الأيام” قد تحصلت عليه فنود إفادته أن هذا الذهب لم يضمن للناشرين وأولادهم الحصول على متر مربع واحد للسكن في عدن.. كما أنني لا أعتقد أن أحداً ما سيكون أكثر رافة وتعاطفاً مع الجنوب والجنوبيين أكثر من صحيفة “الأيام” وأهلها.
الخاصية الرابعة:”برغم أت استمرار الوحدة مرهون برضا الجنوبيين عليها، الا أن السلطة لا تلتفت إلى اتجاهات الرأي العام في أوساط الجنوبيين، وفي الحالات التي تظهر فيها صيحات الجنوبيين هنا وهناك، فان السلطة تتعامل مع هذه الصيحات بفجاجة حيث تتهم كل من انتقد الممارسات وضع مطلب معينة بالانفصال، وهو بالتأكيد شكل من أشكال الإرهاب الذي يحول الجنوبيين إلى معارضة صامتة تعمل تحت الرماد ليس للنظام فقط ولكن للوحدة ذاتها”.
نود من جاتبنا أن نضيف إلى هذه الخاصية التي تتعلق بالكيفية التي تتعامل بها السلطة مع “صيحات الجنوبيين” مضامين اسطوانة مكررة يتم تشغيلها كلما على صوت جنوبي بستنكر الممارسات “غير الوحدوية” التي تحدث في الجنوب، حيث تتحدث هذه الاسطوانة المشروخة على عاملين رئيسيين ترى إنهما السبب الأول والأخير وراء هذا الصراخ الجنولي أن جاز التعبير، اذ يقول العامل الأول: أن هؤلاء الذين يصرخون من الجنوبيين أنما هم “فئة صغيرة” فقدت مصالحها التي كانت تنعم بها في مرحلة ما قبل الوحدة!! وفي الواقع أن هذه “الفئة الصغيرة” كما يقولون تتسع مساحتها ورقعتها يوماً عن يوم، حتى بأتت “فئة كبيرة” تسكن كل المساحة الجغرافية للجنوب سابقاً، فان كام سكان الجنوب قد فقدوا مصالحهم جميعاً ويتم الحديث عنهم بهذه السطحية فتلك مشكلة كبيرة.
وأما العامل الثاني في الاسطوانة الرسمية، وفيقول أن هناك جيل جديد هو “جيل الوحدة” الذي بدأ في الظهور على مسرح الحياة، وأن هذا الجيل لا يعلم عن أمور التشطير شيئاً ولا يحمل في قلبه- كما يقال- ضغينة أو حقد أو شعور عدائي تجاه الوحدة ! وفي الحقيقة أن هذا الجيل الذي يتم الحديث عنه - بالنيابة- هو جيل لم يهبط على الارض اليمنية من كوكب آخر يوم ولادته, ولم ينشأ أو يترعرع في قصور وحدوية. وإنما نشا وترعرع في بيوت، تصرف على قيامها وسترها وبقائها ضمن حيز الكرامة وعزة النفس قيادات وكوارد عسكرية ومدنية جنوبية تم إبعادها- قسراً وظلماً وعدونا - من وظائفها- فكيف يمكن للنشء هذا الذي يتربى في أجواء ومنازل يسكنها الشعور بالظلم والمهانة أن يكون؟ سؤال منطقي نطرحه لأصحاب هذه الاسطوانة المكررة.
سياسات خاطئة أعقبت الحرب:
في جانب آخر من مقال الدكتور/ الفقيه يقول:” أن ما حدث عقب الحرب هو سلسلة من السياسات الخاطئة التي عمقت الجرح الذي خلفته الحرب وعبرت عن فهم سيئ لقاعدة ابتلاع الأكبر للأصغر كما حدث في الوحدة الألمانية مثلا, وأدت تلك السياسات إلى تحويل الجنوبيين سياسياً إلى مجرد قوة هامشية، وتم تخفيض تمثيلهم السياسي في المواقع الرئيسية والمؤسسات السياسية المختلفة وبالتدريج، وتم تسليط سيف التقاعد على الكثير من القيادات الجنوبية في القوات المسلحة والأمن، وأما أراضي الجنوب فقد تم توزيعها على المؤلفة قلبوهم من النافذين في السلطة وتحول الجنوبيين في الكثير من المدن والمراكز الحضرية إلى غرباء في بلادهم” أن ما نطرحه نحن تعقيباً على كلام الدكتور الفقيه،هو محاولة تهدف إلى مطابقة الكلام النظري بالواقع الفعلي الذي يحدث على الارض من جانب، كما أن تأكيد للمعاناة وشرحاً للقضية التي نؤمن بها من جانب آخر، وفي هذا الإطار الذي سبق، ونتحدث بقلب مجروح يعصره الألم عن تصريح وزير الدفاع مؤخراً فيما يخص قضية المتقاعدين العسكريين، الذين تفضل معالي الوزير” زميل سلاحهم السابق” بإضفاء صفة الانفصالية على أعتصاماتهم وفعاليتاهم التي يطالبون عبرها عن حقوقهم المسلوبة، والتي يعلم وزير الدفاع شخصياً إنها كذلك.. ولازلت أتذكر اللحظة التي قدم فيها إلى اثناء الاعتصام أحد قادة البحرية الذي عرفني بنفسه قائلاً، بأنني أبن عم وزير الدفاع الحالي وانه يعلم تماماً أنني وعدد (500) من القوات البحرية من الجنوبيين قد أحلنا على التقاعد مؤخراً.. وهو يعلم أيضاً، بأننا قد قاتلنا إلى جانبه في حرب 94م ويعلم كذلك أننا الآن نقود (عربات الهايس) لنقل الركاب حتى نسد بما نتحصل عليه رمق أبنائنا وأهلنا.. فمن هو الانفصالي في هذه الحالة؟!!
ربما أن وزير الدفاع يعلم أن مالا يقل عن عدد (85) قائد عسكري ما بين وزير دفاع وقائد لواء وقائد محور وقائد سلاح مدرعات وأركان حرب ومدير دائرة ومدير استطلاع قد أحيلوا جميعاً إلى التقاعد القسري بفعل الحرب ناهيك عن الآلاف من الضباط والجنوب وهذه حقيقة مؤكدة لا تقبل الجدل.
كما أن تصريح وزير الدفاع فيما يخص قضية المتقاعدين العسكريين، يشير بوضوح تام إلى دلالة”تهميش الجنوبيين” سياسياً وتحويلهم إلى قوة هامشية غير مؤثرة لا تمتلك من عناصر التأثير في مواقعها سوى إمكانية “التوقيع والإمضاء” على ما يطلب منها التوقيع عليه، أو ما يفرض عليها التصريح به.. حتى غدت بمثل هذا “التمثيل الهامشي” محطاً للسخرية والتندر في أوساط الجنوبيين والشماليين معاً بما فيهم رؤسائهم.
التمثيل السياسي للجنوب.. مصدر الخلل؟
نصت المادة الثالثة من اتفاقية الوحدة اليمنية،على أن مجلس النواب لدولة الوحدة يتألف من كامل أعضاء مجلس الشعب الأعلي في جمهورية اليمن الديمقراطيو الشعبية وعددهم (111) عضواً وكامل أعضاء مجلس الشورى في الجمهورية اليمنية وعددهم (159) عضواً يضاف لهم عدد (31) يصدر بهم قرار من مجلس الرئاسة.. وقد كان.
غير أن هذا التمثيل السياسي في مجلس النواب تبدل حالة، وانقلبت موازينه رأساً على عقب حينما قررت أول لجنة عليا للانتخابات بعد الوحدة أعتماد نسبة عدد السكان فقط في تقسيم الدوائر الانتخابية مابين المحافظات، فانخفضت حصة “التمثيل السياسي للجنوب “من111 عضواً إلى عدد (56) عضو فقط!! في حين ذهب الفارق في التمثيل إلى المحافظات الشمالية، فأصبح الجنوب وفقاً لهذا الواقع الجديد يشكل “أقلية” لا يمكن لها تحت أي ظرف كان أن تستطيع الدفاع عن مصالح الجنوبيين الذين باتوا وفقاً لهذا التمثيل أقلية قليلة “وسط أكثرية عارمة”.
المناصب العامة في المحافظات الجنوبية
يتحدث الدكتور/ عبدالله في مقالة فيما يخص المناصب العامة فيقول”أما المناصب العامة في المحافظات الجنوبية فقد أوكلت بشكل عام إلى شماليين ولو أنه تم تعيين الجنوبيين في مواقع عامة في الشمال لكان ذلك مقبولاً لكن المشكلة أن تمثيل الجنوبيين في السلطة بكل فروعها ظل يتدهور عاما بعد آخر, وقد أرسل أحدهم إلى الكاتب برسالة تحوي أسماء سفراء اليمن في مختلف دول العالم، وكان واضحاً أن السفراء الجنوبيين يعيشون حالة انقراض مستمر”.
في شأن الوظيفة في المناصب العامة الكبير، وقبل الحديث عن حال السفراء الجنوبييم أود التأكد للدكتور عبدالله ومن يهمه الأمر، أن أخذ ثلاث محافظات جنوبية كعينة فقط. سيعكس “نفسا شطرياً” لا غبار عليه في هذا الجانب، اذ يشير المسح الوظيفي الأولى في محافظة لحج على سبيل المثال إلى أن عدد (35) وظيفة بدرجة محافظة أو مدير عام أو قاضي استئناف أو قائد لواء أو أمن هي وظائف يشغلها مدراء من الشمال. في حين تحتفظ محافظة أبين أيضاً بنسبة مقاربة لهذه النسبة بينما تنخفض هذه النسبة (قليلاً في محافظة عدن!
وفيما يخص السفراء.. فيبدو أن ذات الرسالة التي تحدث عنها الفقيه،قد وصلت هي الأخرى إلى بريدي الالكتروني، وهي رسالة تضم قائمة بالسفراء المعتمدين في عدد 23 دولة أجنبية (كعينة) فقط جاءت أسماء السفراء فيها جمعيهم من الشمال، ولدي شخصياً قائمة بعدد (94) سفير جنوبي تضم من بينهم ما نسبته الـ80% منهم بدرجة (سفير عامل)... وجميعهم تمت إحالتهم إلى التقاعد واستبدلوا بسفراء آخرين!
أن الجنوب وأهل الجنوب ودولة الجنوب, ونخب الجنوب “السياسية - الوطنية الثقافية - الاجتماعية - القبيلة” كان لها الدور التاريخي الريادي في إنجاز الوحدة اليمنية في يومها المعلوم، وكان لها الفضل الكبير في جعلها حقيقة تاريخية، ونقطة تحول استراتيجية في حياة الشعب اليمني، وتكمن هذه المساهمة وهذا الدور الريادي في تجرد “الجنوب” بكل مكوناته السكانية من عوامل “الانانية والذاتية” وإثياره عوضاً عن ذلك العمل على اتساع رقعة الوطن ومعناه العظيم وتقديم في سبيل الغالي والنفيس، فكان له الدور الأكبر والمساهمة الأهم في صناعة دولة الوحدة.
لقد تنازل الجنوب عن دولة كاملة ذات سيادة، وقد بتلك المساهمة لدولة الوحدة مساحة جغرافية تعادل (338 الف كيلو متر مربع) وهي مساحة توازي (68%) من مساحة دولة الجديدة، وكما قدم الجنوب لهذه الدولة شريط ساحلي زاخر بالثروات السمكية والنفطية الواعدة يعادل (الفين كم) تقريباً وهي تقدم حالياً ما يقارب (80%) من الانتاج النفطي لدولة الوحدة، كما يقدم نسبة مماثلة من ثروة (الغاز الطبيعي) والذهب. كما أن الجنوب لم يشكل أي عبئ سكاني على دولة الوحدة على اعتبار أن تعداده السكاني لم يكن ليتجاوز (3 مليون) عشية إعلان الوحدة، وفي مقابل تحقيق هذا الانجاز أيضاً تنازلت القيادات السياسية الجنوبية عن أهم مواقعها ومناصبها، ولم تشترط لانجاز الوحدة شكلاً آخر من أشكال التوحد كالكنفدرالية أو حتى الفدرالية، ولم تضع أي شروط كانت ضمن اتفاقية الوحدة الاندماجية.
ولكن الجنوب وبالرغم من كل هذه المساهمات الكبير والتنازلات الكثيرة والعطاءات اللامحدودة لدولة الوحدة، لم يجد في المقابل إلا كل جحود ونكران وتهميش متعمد ومنظم وتم التعامل معه بلغة الحرب في عام 1994م، وصولاً إلى ضمة والحاقه وفقاً لمنطقة” عودة الفرع إلى الأصل”مما الغى كل اتفاقيات الوحدة التي تمت بطرق سلمية، ومما الغى أيضاً وبشكل مطلق أي دور ولو ثانوي للجنوب في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني والثقافي.. الخ وهو ما ولد لدى الجنوب وأبناء الجنوب شعوراً بالمهانة والمذلة والاقصاء المطلق من الواقع والحياة السياسية والابعاد الكامل عن مواقع صناعة والمذلة والإقصاء المطلق من الواقع والحياة السياسية والإبعاد الكامل عن مواقع صناعة القرار،في وقت كان فيه الجنوب وأهل الجنوب ينتظرون “العزة” و”الكرامة” من دولة الوحدة.
أن هذا الإلغاء المتعمد وهذا التهميش المفروض الذي طال الجنوب الشريك الأساسي في صناعة الوحدة اليمنية، لهو عامل منافي لكل شروط الوحدة ومقتصايات بقاءها، وهو عامل ذو تأثيرات سلبية على استقرار هذه المنجز التاريخي، وهو مصنع لتوليد الكثير من الاحتقانات والأحقاد والضغائن ما بين أبناء الوطن الواحد، ولا نرى أنه من الحكمة التعامل مع هذا الحال السيء وفقاً لمفهوم ولغة”الأمر الواقع” الذي انتجته الحرب ووسائل القوة المحضة، لأن الحروب حتى وأن سادت نتائجها لمرحلة مؤقتة، فإنها لم تكن في يوم من الأيام وعلى مدى التاريخ عامل استقرار وسلام وسكون اجتماعي في أي مكان في العالم وفي أي دولة على الارض.
أحمد عمر بن فريد
[email protected]
أما بالنسبة للنخب السياسية والمثقفة “المستقلة” على الصعيد الوطني فلم تتقدم خطوة واحدة نحو هذه القضية الجوهرية، بل إنها جاهدت هي الأخرى- لعدة أسباب- في سبيل أن تبقى المسافة الفاصلة ما بينها وبين هذه القضية مسافة بعيدة “محترمة” تجعلها غير قادرة ولا حتى مؤهله للخوض في تفاصيلها وقراءة مضامينها بروية وهدوء..ولعل بهد تلك النخب من حيث “المكان” ومن عليه من أبناء الجنوب جعل من مسألة الخوض في قشور هذه القضية ولبها لدى هؤلاء شيئاً أقرب ما يكون إلى الترف السياسي الذي لا لزمه له، في حين استسلمت النخب والقيادات السياسية الجنوبية “الكبيرة” ذات التاريخ الطويل، إلى مجمل النتائج التي أفرزتها آلة الحرب الطاحنة عام 94م. وما انتجته من واقع مرير في المحافظات الجنوبية حتى أنها باتت تراه - من وجهة نظرها -”نتيجة حرب” ينبغي تقبلها والارتهان لها كيفما كانت النتيجة والظروف!!.. أن هذه النظرة (الأنهزامية - المستسلمة) جعلت من تلك النخب الجنوبية لدى أبناء الجنوب- في أحسن الأحوال - مجرد رموز وطنية كانت لها مكانة ومقام ذات يوم مضى.. فآثرت التخلي عنه بإرادتها المحضة ومن أجل أن تحصل لها على كراسي مهترئة الأركان في زوايا مظلمة من منظومة الحكم!! بينما بقيت قيادات جنوبية أخر تتقدم خطوة نوعيى للأمام فيما يتعلق بالنظر لهذه القضية، وأن كانت من الناحية العملية لاتتجاوز في تعاملها حدود تعامل الطفل الصغير مع البيضة الساخنة.
وفي المقابل فقد عمدت جهات مسؤولة في السلطة على مغالطة نفسها، وحينما يكون الحديث مواتيا عن الوحدة اليمنية في مناسبتها الوطنية السنوية، وذلك بتنظيمها للكثير من الندوات السياسية المفتوحة، التي تحشد فيها رجالات يمتلكون (الذمة الواسعة) و(الضمير المرن) و(الفهلوة المفرطة) للحديث عن الوحدة اليمنية، في أرهاصاتها الماضية وحاضرها ومستقبلها، وحينما تستمع إلى هؤلاء جميعاً تشعر، وكأنما المحفد وبقية المديريات والمحافظات في الجنوب ومن عليها تعيش بين جنتين قطوفها دانية وأنهارها جارية بينما الواقع يحدثك بشيء مخالف تماماً لكل تلك الهرطقة والنفاق المبتذل.
أن هذا البعد (المكاني)و (الفكري) عن مكمن الخلل، والحرص على عدم الاقتراب منه، وقد شكل حاجزاً مانعاً لدى المعنيين بالأمر, جعل من فهم مكونات (القضية الجنوبية) امراً بعيداً المنال، في حين تبدد هذا الواقع لدة الدى الدكتور الفقيه بنزوله الميداني إلى الجنوب الأمر الذي جعل من ملامسة (الهم الجنوبي) ومعاناة الجنوبيين أمراص ممكنا فكان الاستماع إلى حديثهم اليوم الحالي عن الوحدة اليمنية أفضل وسيلة ممكنة لفهم ولتفهم معاني القضية الجنوبية التي تحدث عنها الكاتب في مقالة الاخير.. أو هكذا فهمت.
في هذا المقال تحدث الفقيه عن أربع خصائص تميز ما أسماه بالشعور العدائي لدى الجنوبيين تجاه الوحدة اليمنية ويحذر الكاتب من تجاهل هذه الخصائص ويحمل في نفس الوقت بنيه النظام والمعارضة معاً..وحتى المجتمع اليمني ككل مسؤولية السكوت عن هذه القضية التي تؤدي إلى تنامي شعور عدائي مستمر وسريع في أوساط الجنوبين تجاه الوحدة، ويتمنى الوقوف الجاد أمام ذلك قبل أن يخرج الأمر عن السيطرة ومن هذه الخصائص التي ذكرها الفقيه ونتفق معه في معظمها مايلي:
الخاصة الأولى:”بتركز الشعور السلبي تجاه الوحدة بين أبناء المحافظات الجنوبية على نحو خاص تحديداً بين مواطني ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”.. والسؤال الذي اطرحه “من عندي” فيما يخص هذه الخاصية هو: ترى لماذا لا يوجد شعور سلبي تجاه الوحدة اليمنية لدى أي مواطن من المحافظات الشمالية” وحدوديين” الوحدة “ذات النفس الشطري” ويقول: أن جميع أبناء المحافظات الشمالية”وحدوديين” بينما جميع أبناء الجنوب “انفصاليين”.. أن المسألة بكل تأكيد ليست بهذه (الخفة) في التنازل. وإنما هي أعمق من ذلك بكثير، وكما أن إمكانية الوصول إلى هذا العمق مسألة ممكنة وفي متناول اليد. ولكنها تتطلب قليل من الجراة وكثير من الحس الوطني المسؤول.
الخاصية الثانية:
برغم اختلاف حدة المشاعر المعادية للوحدة من فة اجتماعية إلى أخرى الا أن الملاحظ أن ذلك الشعور يشمل جميع الفئات الاجتماعية بما في ذلك نشطاء الحزب الحاكم”.. ونود أن نضيف تأكيداً لهذه الخاصية دلائل من قبلنا من حيث أن جميع العناصر الجنوبية التي قاتلت إلى جانب القوات الشمالية في حرب 94م تتفق اليوم في معظمها على وجود “خلل” ما في الوحدة اليمنية، يلامس وبشكل مباشرة حياة الجنوبيين ومستقبلهم وتستوي هذه المشاعر من حيث النوع لدى هؤلاء جميعاً وأن كانت تختلف من حيث الكم فقط من جهة ومن حيث التعبير عنها من جهة أخرى.. فمن خروج قائد البحرية السابق/ احمد عبدالله الحسني إلى لندن(معارضاً جنوبيا) إلى ذلك الذي تسلق جداراً يرتفع عن الارض أكثر من خمسة أمتار بسرعة فائقة، هروباً من مشاركة “قوات السلام الخاصة” الجنوبية بتبوك السعودية في حرب 94م، ومن ثم هروبه إلى اليمن لمشاركة القوات الشمالية في ضرب الاشتراكي نكاية بماضيه، فأصبح اليوم يتحدث عن “الجنوب” ومعاناته في الوحدة اليمنية، والتي لم تستطع تأمين حقه في أرضه الزراعية التي اشتراها بحر ماله، وفي الوقت الذي أمنت فيه هذه الوحدة لمن قاتل إلى جانبهم من القادة العسكريين الشماليين (الآف الأفدنة) بكل راحة بال.. ما بين هذين النموذجين تكثر النماذج المماثلة وتتنوع.
الخاصية الثالثة: “تعاني مشاعر الجنوبيين تجاه الوحدة التي تبنت خط الدفاع عن المصالح الجنوبية في المرحلة التالية لحرب 94م سرعان ما وجدت في ذهب المعز خير العزاء. وتحولت إلى معبر عن مصالح السلطة مه الاحتفاظ بحيز معين تدافع من خلال عن مصالح مناطقية وسلالية ضيقة وهو الأمر الذي لا تجد فيه السلطة باعثا على القلق”.
في هذه الخاصية تحديداً نختلف مع الدكتور/ الفقيه فيما يخص حديثه عن “الصحيفة” التي أفهم - وكما فهم غيري - أيضاً أن المقصود بها صحيفة “الأيام” على أساس أن صحيفة “الأيام” كانت ولازالت تمثل الصوت المسموع لمختلف قضايا أبناء الجنوب. وقد لعبت ولازالت تلعب الدور ذاته منذ أن وضع قادة الحرب اسلحتهم عام 94م بل أن “الأيام” قد ذهبت بعيداً في هذا الشأن حينما نشرت مقالاً جريئاً للمفكر الكبير الدكتور/ ابوبكر السقاف عام 1995م جاء تحت عنوان مثير “فتح الجنوب.. والاستعمار الداخلي” في زمن كان فيها دخان القنابل المبعثرة في الجبال والوديان لا يزال يتصاعد في سماء الوحدة الطرية العود بفعل الحرب الهوجاء في الأهداف والممارسة, وفي هذا المجال يعتقد معي الجنوبيين أن ناشري صحيفة “الأيام” وعلى الرغم من مختلف الضغوط الكبيرة التي كانت ولا زالت تمارس ضدهما. قد وجها (أشرعة) سفينة “الأيام” باتجاه “الجنوب” وهو اتجاه معاكس تماماً لاتجاهات الريح التي كانت تحتم عليهما توجيهها في أتجاه آخر ووفقاً لحسابات المصالح البحتة، ولا أظن الكاتب العزيز يغفل عن حقيقة وقوف الزميل الأستاذ/ هشام باشراحيل في قفص الاتهام عطفاً على “قضية نشر” مع الاستاذ/ علي هيثم الغريب تتعلق بمقال يصب في اتجاه الحديث عن التمييز في الوظيفة ما بين الشماليين والجنوبيين في لحج وعدن، وأما “ذهب المعز” الذي قال الدكتور أن “الأيام” قد تحصلت عليه فنود إفادته أن هذا الذهب لم يضمن للناشرين وأولادهم الحصول على متر مربع واحد للسكن في عدن.. كما أنني لا أعتقد أن أحداً ما سيكون أكثر رافة وتعاطفاً مع الجنوب والجنوبيين أكثر من صحيفة “الأيام” وأهلها.
الخاصية الرابعة:”برغم أت استمرار الوحدة مرهون برضا الجنوبيين عليها، الا أن السلطة لا تلتفت إلى اتجاهات الرأي العام في أوساط الجنوبيين، وفي الحالات التي تظهر فيها صيحات الجنوبيين هنا وهناك، فان السلطة تتعامل مع هذه الصيحات بفجاجة حيث تتهم كل من انتقد الممارسات وضع مطلب معينة بالانفصال، وهو بالتأكيد شكل من أشكال الإرهاب الذي يحول الجنوبيين إلى معارضة صامتة تعمل تحت الرماد ليس للنظام فقط ولكن للوحدة ذاتها”.
نود من جاتبنا أن نضيف إلى هذه الخاصية التي تتعلق بالكيفية التي تتعامل بها السلطة مع “صيحات الجنوبيين” مضامين اسطوانة مكررة يتم تشغيلها كلما على صوت جنوبي بستنكر الممارسات “غير الوحدوية” التي تحدث في الجنوب، حيث تتحدث هذه الاسطوانة المشروخة على عاملين رئيسيين ترى إنهما السبب الأول والأخير وراء هذا الصراخ الجنولي أن جاز التعبير، اذ يقول العامل الأول: أن هؤلاء الذين يصرخون من الجنوبيين أنما هم “فئة صغيرة” فقدت مصالحها التي كانت تنعم بها في مرحلة ما قبل الوحدة!! وفي الواقع أن هذه “الفئة الصغيرة” كما يقولون تتسع مساحتها ورقعتها يوماً عن يوم، حتى بأتت “فئة كبيرة” تسكن كل المساحة الجغرافية للجنوب سابقاً، فان كام سكان الجنوب قد فقدوا مصالحهم جميعاً ويتم الحديث عنهم بهذه السطحية فتلك مشكلة كبيرة.
وأما العامل الثاني في الاسطوانة الرسمية، وفيقول أن هناك جيل جديد هو “جيل الوحدة” الذي بدأ في الظهور على مسرح الحياة، وأن هذا الجيل لا يعلم عن أمور التشطير شيئاً ولا يحمل في قلبه- كما يقال- ضغينة أو حقد أو شعور عدائي تجاه الوحدة ! وفي الحقيقة أن هذا الجيل الذي يتم الحديث عنه - بالنيابة- هو جيل لم يهبط على الارض اليمنية من كوكب آخر يوم ولادته, ولم ينشأ أو يترعرع في قصور وحدوية. وإنما نشا وترعرع في بيوت، تصرف على قيامها وسترها وبقائها ضمن حيز الكرامة وعزة النفس قيادات وكوارد عسكرية ومدنية جنوبية تم إبعادها- قسراً وظلماً وعدونا - من وظائفها- فكيف يمكن للنشء هذا الذي يتربى في أجواء ومنازل يسكنها الشعور بالظلم والمهانة أن يكون؟ سؤال منطقي نطرحه لأصحاب هذه الاسطوانة المكررة.
سياسات خاطئة أعقبت الحرب:
في جانب آخر من مقال الدكتور/ الفقيه يقول:” أن ما حدث عقب الحرب هو سلسلة من السياسات الخاطئة التي عمقت الجرح الذي خلفته الحرب وعبرت عن فهم سيئ لقاعدة ابتلاع الأكبر للأصغر كما حدث في الوحدة الألمانية مثلا, وأدت تلك السياسات إلى تحويل الجنوبيين سياسياً إلى مجرد قوة هامشية، وتم تخفيض تمثيلهم السياسي في المواقع الرئيسية والمؤسسات السياسية المختلفة وبالتدريج، وتم تسليط سيف التقاعد على الكثير من القيادات الجنوبية في القوات المسلحة والأمن، وأما أراضي الجنوب فقد تم توزيعها على المؤلفة قلبوهم من النافذين في السلطة وتحول الجنوبيين في الكثير من المدن والمراكز الحضرية إلى غرباء في بلادهم” أن ما نطرحه نحن تعقيباً على كلام الدكتور الفقيه،هو محاولة تهدف إلى مطابقة الكلام النظري بالواقع الفعلي الذي يحدث على الارض من جانب، كما أن تأكيد للمعاناة وشرحاً للقضية التي نؤمن بها من جانب آخر، وفي هذا الإطار الذي سبق، ونتحدث بقلب مجروح يعصره الألم عن تصريح وزير الدفاع مؤخراً فيما يخص قضية المتقاعدين العسكريين، الذين تفضل معالي الوزير” زميل سلاحهم السابق” بإضفاء صفة الانفصالية على أعتصاماتهم وفعاليتاهم التي يطالبون عبرها عن حقوقهم المسلوبة، والتي يعلم وزير الدفاع شخصياً إنها كذلك.. ولازلت أتذكر اللحظة التي قدم فيها إلى اثناء الاعتصام أحد قادة البحرية الذي عرفني بنفسه قائلاً، بأنني أبن عم وزير الدفاع الحالي وانه يعلم تماماً أنني وعدد (500) من القوات البحرية من الجنوبيين قد أحلنا على التقاعد مؤخراً.. وهو يعلم أيضاً، بأننا قد قاتلنا إلى جانبه في حرب 94م ويعلم كذلك أننا الآن نقود (عربات الهايس) لنقل الركاب حتى نسد بما نتحصل عليه رمق أبنائنا وأهلنا.. فمن هو الانفصالي في هذه الحالة؟!!
ربما أن وزير الدفاع يعلم أن مالا يقل عن عدد (85) قائد عسكري ما بين وزير دفاع وقائد لواء وقائد محور وقائد سلاح مدرعات وأركان حرب ومدير دائرة ومدير استطلاع قد أحيلوا جميعاً إلى التقاعد القسري بفعل الحرب ناهيك عن الآلاف من الضباط والجنوب وهذه حقيقة مؤكدة لا تقبل الجدل.
كما أن تصريح وزير الدفاع فيما يخص قضية المتقاعدين العسكريين، يشير بوضوح تام إلى دلالة”تهميش الجنوبيين” سياسياً وتحويلهم إلى قوة هامشية غير مؤثرة لا تمتلك من عناصر التأثير في مواقعها سوى إمكانية “التوقيع والإمضاء” على ما يطلب منها التوقيع عليه، أو ما يفرض عليها التصريح به.. حتى غدت بمثل هذا “التمثيل الهامشي” محطاً للسخرية والتندر في أوساط الجنوبيين والشماليين معاً بما فيهم رؤسائهم.
التمثيل السياسي للجنوب.. مصدر الخلل؟
نصت المادة الثالثة من اتفاقية الوحدة اليمنية،على أن مجلس النواب لدولة الوحدة يتألف من كامل أعضاء مجلس الشعب الأعلي في جمهورية اليمن الديمقراطيو الشعبية وعددهم (111) عضواً وكامل أعضاء مجلس الشورى في الجمهورية اليمنية وعددهم (159) عضواً يضاف لهم عدد (31) يصدر بهم قرار من مجلس الرئاسة.. وقد كان.
غير أن هذا التمثيل السياسي في مجلس النواب تبدل حالة، وانقلبت موازينه رأساً على عقب حينما قررت أول لجنة عليا للانتخابات بعد الوحدة أعتماد نسبة عدد السكان فقط في تقسيم الدوائر الانتخابية مابين المحافظات، فانخفضت حصة “التمثيل السياسي للجنوب “من111 عضواً إلى عدد (56) عضو فقط!! في حين ذهب الفارق في التمثيل إلى المحافظات الشمالية، فأصبح الجنوب وفقاً لهذا الواقع الجديد يشكل “أقلية” لا يمكن لها تحت أي ظرف كان أن تستطيع الدفاع عن مصالح الجنوبيين الذين باتوا وفقاً لهذا التمثيل أقلية قليلة “وسط أكثرية عارمة”.
المناصب العامة في المحافظات الجنوبية
يتحدث الدكتور/ عبدالله في مقالة فيما يخص المناصب العامة فيقول”أما المناصب العامة في المحافظات الجنوبية فقد أوكلت بشكل عام إلى شماليين ولو أنه تم تعيين الجنوبيين في مواقع عامة في الشمال لكان ذلك مقبولاً لكن المشكلة أن تمثيل الجنوبيين في السلطة بكل فروعها ظل يتدهور عاما بعد آخر, وقد أرسل أحدهم إلى الكاتب برسالة تحوي أسماء سفراء اليمن في مختلف دول العالم، وكان واضحاً أن السفراء الجنوبيين يعيشون حالة انقراض مستمر”.
في شأن الوظيفة في المناصب العامة الكبير، وقبل الحديث عن حال السفراء الجنوبييم أود التأكد للدكتور عبدالله ومن يهمه الأمر، أن أخذ ثلاث محافظات جنوبية كعينة فقط. سيعكس “نفسا شطرياً” لا غبار عليه في هذا الجانب، اذ يشير المسح الوظيفي الأولى في محافظة لحج على سبيل المثال إلى أن عدد (35) وظيفة بدرجة محافظة أو مدير عام أو قاضي استئناف أو قائد لواء أو أمن هي وظائف يشغلها مدراء من الشمال. في حين تحتفظ محافظة أبين أيضاً بنسبة مقاربة لهذه النسبة بينما تنخفض هذه النسبة (قليلاً في محافظة عدن!
وفيما يخص السفراء.. فيبدو أن ذات الرسالة التي تحدث عنها الفقيه،قد وصلت هي الأخرى إلى بريدي الالكتروني، وهي رسالة تضم قائمة بالسفراء المعتمدين في عدد 23 دولة أجنبية (كعينة) فقط جاءت أسماء السفراء فيها جمعيهم من الشمال، ولدي شخصياً قائمة بعدد (94) سفير جنوبي تضم من بينهم ما نسبته الـ80% منهم بدرجة (سفير عامل)... وجميعهم تمت إحالتهم إلى التقاعد واستبدلوا بسفراء آخرين!
أن الجنوب وأهل الجنوب ودولة الجنوب, ونخب الجنوب “السياسية - الوطنية الثقافية - الاجتماعية - القبيلة” كان لها الدور التاريخي الريادي في إنجاز الوحدة اليمنية في يومها المعلوم، وكان لها الفضل الكبير في جعلها حقيقة تاريخية، ونقطة تحول استراتيجية في حياة الشعب اليمني، وتكمن هذه المساهمة وهذا الدور الريادي في تجرد “الجنوب” بكل مكوناته السكانية من عوامل “الانانية والذاتية” وإثياره عوضاً عن ذلك العمل على اتساع رقعة الوطن ومعناه العظيم وتقديم في سبيل الغالي والنفيس، فكان له الدور الأكبر والمساهمة الأهم في صناعة دولة الوحدة.
لقد تنازل الجنوب عن دولة كاملة ذات سيادة، وقد بتلك المساهمة لدولة الوحدة مساحة جغرافية تعادل (338 الف كيلو متر مربع) وهي مساحة توازي (68%) من مساحة دولة الجديدة، وكما قدم الجنوب لهذه الدولة شريط ساحلي زاخر بالثروات السمكية والنفطية الواعدة يعادل (الفين كم) تقريباً وهي تقدم حالياً ما يقارب (80%) من الانتاج النفطي لدولة الوحدة، كما يقدم نسبة مماثلة من ثروة (الغاز الطبيعي) والذهب. كما أن الجنوب لم يشكل أي عبئ سكاني على دولة الوحدة على اعتبار أن تعداده السكاني لم يكن ليتجاوز (3 مليون) عشية إعلان الوحدة، وفي مقابل تحقيق هذا الانجاز أيضاً تنازلت القيادات السياسية الجنوبية عن أهم مواقعها ومناصبها، ولم تشترط لانجاز الوحدة شكلاً آخر من أشكال التوحد كالكنفدرالية أو حتى الفدرالية، ولم تضع أي شروط كانت ضمن اتفاقية الوحدة الاندماجية.
ولكن الجنوب وبالرغم من كل هذه المساهمات الكبير والتنازلات الكثيرة والعطاءات اللامحدودة لدولة الوحدة، لم يجد في المقابل إلا كل جحود ونكران وتهميش متعمد ومنظم وتم التعامل معه بلغة الحرب في عام 1994م، وصولاً إلى ضمة والحاقه وفقاً لمنطقة” عودة الفرع إلى الأصل”مما الغى كل اتفاقيات الوحدة التي تمت بطرق سلمية، ومما الغى أيضاً وبشكل مطلق أي دور ولو ثانوي للجنوب في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني والثقافي.. الخ وهو ما ولد لدى الجنوب وأبناء الجنوب شعوراً بالمهانة والمذلة والاقصاء المطلق من الواقع والحياة السياسية والابعاد الكامل عن مواقع صناعة والمذلة والإقصاء المطلق من الواقع والحياة السياسية والإبعاد الكامل عن مواقع صناعة القرار،في وقت كان فيه الجنوب وأهل الجنوب ينتظرون “العزة” و”الكرامة” من دولة الوحدة.
أن هذا الإلغاء المتعمد وهذا التهميش المفروض الذي طال الجنوب الشريك الأساسي في صناعة الوحدة اليمنية، لهو عامل منافي لكل شروط الوحدة ومقتصايات بقاءها، وهو عامل ذو تأثيرات سلبية على استقرار هذه المنجز التاريخي، وهو مصنع لتوليد الكثير من الاحتقانات والأحقاد والضغائن ما بين أبناء الوطن الواحد، ولا نرى أنه من الحكمة التعامل مع هذا الحال السيء وفقاً لمفهوم ولغة”الأمر الواقع” الذي انتجته الحرب ووسائل القوة المحضة، لأن الحروب حتى وأن سادت نتائجها لمرحلة مؤقتة، فإنها لم تكن في يوم من الأيام وعلى مدى التاريخ عامل استقرار وسلام وسكون اجتماعي في أي مكان في العالم وفي أي دولة على الارض.
أحمد عمر بن فريد
[email protected]