«غونو» وشارع الملايين

> محمد سالم قطن:

> حمدت الله كثيراً على لطفه بأهلنا في الباطنة وما حولها ومسقط وما علاها، إذ سارع الإعصار الجارف إلى الانحراف شرقاً بعد ليلتين نحستين دمر فيهما ما دمر وقتل من قتل وأرعب من أرعب. وإذا كان علماء الأرصاد الجوية قد حفظوا لزميلهم «غونو» حقه المعنوي، فأسموا هذا الإعصار باسمه، تقديراً لدوره في كشف تشكل هذه الظاهرة الجيولوجية منذ أول يوم وتنبؤه بالمسار الذي سوف يتبعه في حركته الجارفة من أعالي المحيط الهندي وحتى شواطئ بحر العرب فمن الأوجب علينا نحن القاطنين على هذه الشواطئ، أن نتنبه للنصائح السديدة التي أعلن عنها علماء الأرصاد والجيولوجيا، و«غونو» من بينهم: بأن شواطئ جزيرة العرب ستتعرض طيلة العقد القادم من السنين إلى سلسلة متواصلة من الأعاصير والأمطار الرعدية والرياح القوية، ترتفع من جرائها أمواج البحر أمتاراً عدة فوق ارتفاعها المعهود لتكتسح الشواطئ واليابسة متجاوزة كل الحواجز وتدمر ما شاء الله لها أن تدمره من عمران حتى يصبح خراباً بلقعاً وهشيماً تذروه الرياح.

يقول هؤلاء العلماء: إن مناخ العالم قد تغير، فالحرارة ترتفع في مثل هذه الأيام من الصيف في هذا الجزء من العالم بأكثر مما كان يحدث من ارتفاع في العقود الماضية. ويضيف بعضهم عوامل التلوث الذي تشهده الأرض في السنوات الأخيرة. وطبعاً هم يقصدون التلوث الحراري الناتج عن الصناعات الثقيلة والآلات النافثة لملايين الأطنان من الغازات العادمة، لكن علماء آخرين يضيفون عوامل أخرى لا علاقة لها بالصناعة وتلويثها للبيئة، وإن كان التلوث يظل عاملاً مشتركاً. إذ يعتقد الأخيرون أن الفساد الذي استشرى في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس هو أحد العوامل الأساسية التي ساهمت وتساهم في تفعيل هذه الظواهر الجيولوجية ومنحها هذا المدى الكارثي الرهيب في التخريب والتدمير والقتل والترويع.

ما بالك بما حدث ويحدث بفعل التخطيط غير السليم وقرب مجاري السيول ومسارب الأمطار!! وتحت مسميات بهلوانية مقرفة على غرار (البرتقالة) و(البيت الأبيض) و(الجوهرة) وحتى (الجرادة) أدخلوها عندما حل علينا موسم الجراد في هذه الأيام. وتحت مبررات التعويضات المفترى عليها والدعاوى المنتنة والكاذبة والتوجيهات العمياء وربما المزيفة التي تفوح منها وحواليها روائح (المحسوبية) و(الرشوة) و(السحت) و(سرقة المال العام الحرام) جرى ويجري في كل مدننا وبلداتنا الساحلية منها والداخلية الحجز العشوائي ووضع الأيدي الغليظة على كثير من المساحات وإدخالها عنوة في مخططات البيع والشراء لصالح فئات من المتنفذين والمستثمرين المزيفين والمحتالين والعاملين عليها ممن تم ائتمانهم على مرافق الدولة المعنية بهذا الشأن. ولما كانت المساحات المطلة على البحر والمجاورة لخطوط الاسفلت هي من أكثر المواقع إسالة للعاب وإدراراً للمال فقد أجهز هؤلاء وأولئك عليها تقطيعاً وفتكاً.. لقد كان هذا هو الشغل الشاغل وبيت القصيد لمجمل ما تحدثوا عنه آنفاً وما زالوا يتحدثون به عن وحدات الجوار والتخطيط الحضري والكورنيشات والقرى السياحية والسكني التجاري، وغيرها من المصطلحات التي لم تعرفها الهندسة المدنية إلا على يد هؤلاء الأشاوس. لقد ظلت أرضنا بكراً دهراً طويلاً وكنا نستمتع صيفاً بنسيم البحر بعد أن ينقطع نسيم البر، واليوم غاب النسيمان معاً، بعد أن حجزتهما هذه التهاويل الحديدية منها والخرسانية.

ندعو الله أن ينجينا جميعاً من كوارث الطبيعة ومفاجآتها، ولكن عندما يقسو المناخ وتتشكل الأعاصير ويزداد التلوث تصبح الفرصة سانحة أمام (غونو) وأشباهه للتدمير والقتل. يومها تصبح الملايين المطروحة على ناصية شارع الملايين (وما أكثرها) في مدننا الساحلية طعماً لخسارة المليارات، بل والأخطر من ذلك، أن تصبح سبباً لخسارة أرواح وأنفس بريئة من أهالينا ومواطنينا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى