نساء ممهورات بختم اللعنة

> د.هدى علي علوي:

> «نصف معاناتي أنني امرأة والنصف الآخر أنني اخترت المرأة التي أكونها»***لما كان أبغض الحلال عند الله الطلاق فإن خيار المرأة وحدها في التطليق يظل كالخطيئة التي لا يمكن محو أثرها بعد ارتكابها لأن ضمائر البعض مازالت محنطة في نعالهم، حيث يغفر الرجل للمرأة أخطاءها إلا خطيئتها معه، ويغفل عن هفواتها إلا خيانتها لمجده، ويسهو عن زلاتها إلا جرحها لكبريائه، فيتجاهل المجتمع أنانية الرجل الذي يطلب إبراءه ليساوم الزوجة على جميع حقوقها فتتنازل عنها كشرط للطلاق، بينما يعتبر المجتمع افتداء المرأة لنفسها بإسقاط أي حق لها مترتب على الانفصال بالإضافة إلى التزامها بتعويض الزوج فيما يعرف بالخُلع قراراً كارثياً ومؤشراً على تمرد المرأة أو حتى انحرافها لتجاوزها المألوف فيبدو الخلع أشد وأنكى من نظام الإبراء.

لقد حرك الخلع في تفسيره باباً لفقه التيسير باللجوء إلى المفردات نفسها للخطاب الديني الذي تبناه السلفيون رحمة بـ«الزوجة الكارهة» حيث يفترض فيه عدم حتمية موافقة الزوج على إنهاء الزوجية.

إن وضع المرأة في البلاد العربية يمثل محصلة تفاعل عديد من العوامل التي تتشابك بطريقة مركبة، وقد خلق الخطاب السائد الصورة الاجتماعية المشوهة للخلع ومازال يصب اللعنات على المختلعات ويضعهن في خانة المنافقات، الغادرات اللاتي لم يستعن على قضاء حوائجهن بالكتمان.

وإذا كان البعض يعارض الخلع كمبدأ أخلاقي باستحضار أنماط رجالية مثالية ومخلوقات ذكورية ملائكية لا يمكن تعميمها المطلق في الواقع والذين يتوقع أن يتعرضوا لبطش نساء مفتونات أو سريعات الإغواء بسبب سوء استغلالهن لهذا الحق الشرعي، فإن تياراً قوياً مواجهاً يرى الخلع قد أخذ مشروعيته من كتاب الله الكريم وسنة نبيه وفيه فراق الرجل عن زوجته بعوض وهو عبء على المرأة بقدر ما هو ميزة للرجل الذي يمنح مكسباً مادياً حتى فيما لو اعتاد على ممارسة عنف بدني أو نفسي أو شفوي على زوجته وعانت منه كل صنوف الظلم والقهر الاجتماعي، وهذا يعني أن المختلعة بافتدائها لنفسها تسعى للنجاة من رمضاء الزواج إلى الاحتراق بنيران الخلع الأشد لهباً.

نسائيات

لما كانت التقاليد المحافظة لا تشجع خروج المرأة وحدها في أي وقت عموماً فإنها تستنكر خروجها ليلاً مهما استفحلت الدواعي وظهرت الأسباب باعتبار الظلام أخطبوطاً لا يمكن الفكاك من أذرعه بسهولة.

لقد شددت بعض التشريعات العربية بدافع حماية النساء على تقييد حرية المرأة في العمل ليلاً إلا في أحوال اشتغالها في المشافي ودور العلاج وغيرها من المنشآت الخدمية.

وتكشف قراءة الوقائع أن فلسفة حظر تشغيل النساء في أوقات معينة كالليل لا يمكن ردها إلى الحماية الأخلاقية لهن أو الحيلولة دون تعرض المرأة العاملة العربية لأي صورة من صور التحرش الجنسي من قبل رؤسائها أو مشرفيها في العمل بسبب استخدام سلطتهم الوظيفية في الضغط عليها لتقديم تنازلات والتستر على هذه الممارسات ضمن القضايا المسكوت عنها لأن كثيراً من هذه التشريعات لم تميز بدقة في وصف الأفعال المكونة للركن المادي بين جريمة التحرش الجنسي والجرائم الأخرى الماسة بشرف المرأة كالشروع في الاغتصاب وهتك العرض والفعل الفاضح والرشوة الجنسية.

وإذا كانت بعض هذه القوانين تستثني من هذا الحظر العاملات في المستشفيات والمطارات وبعض المحلات التجارية وكذلك المؤسسات السياحية والفنية كالفنادق والمسارح التي تخضع لإشراف الوزارات المعنية بمجالات نشاطها فإن الحركة النسائية اللبنانية سجلت ما نعده إنجازاً لها بعد سلسلة مطالب طويلة انتزعت فيها الحق بعدم حرمان المرأة من العمل الليلي وتفويت فرص حصولها على امتيازات مادية جراء هذا الحظر. فأيهما يكرم المرأة ويصون حقوقها الحظر أم التمييز؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى