قصة قصيرة بعنوان (وللصورة وجه آخر)

> «الأيام» قادري علي محمد:

> بينما كان يتصفح مجلة ( العربي) الكويتية وقعت عيناه على صورة لفتاة تشبهها تماماً ... تماماً . زال عنه النعاس وركز بكل حواسه.

عاد يطوي شريط ذكريات الطفولة، ارتسمت أمامه الشجرة التي كانا يجلسان تحتها والأغنام، وظل النخيل الذي تعكسه أشعه الشمس على بقايا السيول مكوناً منظراً جميلاً وساحراً وأخاذاً يوحي بجمال الطبيعة الخلابة التي يمتاز بها الريف، وتلك الفراشات التي تطير محلقة ثم تعود تلامس سطح الماء محدثة تياراً على شكل دوائر متتالية الحركة تشبه إلى حد ما أمواج البحر، وأصوات الفلاحين وهم يهمون بري أراضيهم، وهرولة الأطفال البريئة في مجموعات متفرقة منتشرة هنا وهناك على طول وعرض المكان.

مازالت المجلة في يده، يهمس في نفسه:

ما أجملك يا حبيبتي. كان يتخيّل أنها تبتسم فيبادلها الابتسامة.

لم يغب عن ذاكرته لحظة واحدة ذلك اللقاء الأخير قبل عامين وهي تكلمه عن مدى صعوبة الامتحان النهائي للكلية. كانت تومئ وتلمح له بأنه لم يتبق سوى أيام قليلة ويودعان الكلية، فتتباعد المسافات وتنقطع العلاقات بين الطلاب بعضهم ببعض ، ويبقى ربما القليلون .. القليلون جداً هم الذين سيحالفهم الحظ في الحفاظ على التواصل. حفظ حديثها كلمة .. كلمة، يهمس في نفسه ويكرر ما قالته وحركة شفتيها الورديتين اللتين كانتا تتراقصان أمامه، وأناملها الرفيعة التي ترتفع تارة وتنخفض تارة أخرى، والتواءات يديها الناعمتين في حركه أنثوية، وتجوال عينيها السوداوين الساحرتين المصاحب بابتسامات رقيقة وآسرة، ومداعبتها الخفيفة الظل...فأجاته أمه وهي تهم كعادتها بإيقاظه للذهاب إلى العمل . استغربت عندما رأته مستيقظاً. دنت منه فلم يشعر بحركتها، ولم ينتبه إلا وهي واقفة خلف رأسه، وقعت عيناها على الصورة فأخذت منه المجلة وراحت تتفحص صاحبة الصورة فإذا بها تنظر إلى ابنها بنظرات حزينة تكاد تتساقط الدموع من عينيها. وبكلمات موجعة ينفطر لها القلب ويهتز لها الوجدان اختتمتها قائلة: الله يرحمها .. الله يرحمها.لم يستطع الابن الصمود طويلاً أمام سماعه تلك الكلمات فانفجر باكياً مرتمياً على حضن أمهوراحا يبكيان بحسرة و ألم على رحيلها المبكر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى