الشعر الجاهلي والطعن فيه

> «الأيام» عبدالناصر النخعي:

> قضية انتحال الشعر قضية قديمة قدم الشعر العربي، وتعد من القضايا الشائكة في تراثنا، والناس منقسمون فيها، ما بين منكرها، ومقرّ بها، وفي هذا الصدد يقول الناقد الأكبر في الأدب العربي محمد بن سلام الجمحي:

«وفي الشعر مصنوع مفتعل، وموضوع كثير، لا خير فيه، وقد تداوله قوم من كتاب إلى كتاب، لم يأخدوه عن أهل البادية، ولم يعرضوه على العلماء، وقد اختلف العلماء بعد في بعض الشعر... فأما ما اتفقوا عليه فليس لأحد أن يخرج عنه».

وقد تمادى الرواة في رواية الشعر ونسبته حتى أن محمد بن إسحاق قد روى بعض الأشعار ونسبها إلى أقوام لم يقل أحد منهم الشعر قط!

بل نسب بعض الأشعار إلى قوم عاد وثمود، دون مراعاة إلى إحساس المستمع والمتلقي، إذ له أن يسأل كيف وصل إلينا ما قالته أقوام عاد وثمود، والله سبحانه وتعالى يقول فيهم وهو أصدق القائلين:?)?فقطع دابر القوم الذين ظلموا?(?.

والناقد البصير المحقق المدقق هو من يستطيع أن يمحص الشعر وينقد، وليس يشكل على أهل العلم زيادة الرواة وما وضعوه.

وإذا كان انتحال الشعر واصطناعه ثابتاً في تراثنا الإسلامي، وواقعاً في أشعار العرب فإن هذا لا يعني أن يرقى هذا الأمر، ليكون حجة لطمس الشعر الجاهلي وإنكاره، والتشدق بأن كل ما قيل من أشعار إنما وقعت بعد الإسلام، ودليلهم في ذلك أن كثيراً من الأشعار الجاهلية تحس فيها نفساً إسلامياً.

وكل ذلك لا يتخذ ذريعة باطلة وحجة عاطلة لإنكار الشعر الجاهلي، كما أسس لذلك بعض المستشرقين أمثال: نولدكه، وليم آلورد، مرجليوث.

والعجب أن الدكتور طه حسين تمثل هذا الرأي في فترة شبابه الأولى وفجر قنبلة آنذاك مازلنا نسمع صداها إلى الآن، على الرغم من أن كتاباً كثر ونقاداً حاذقين قد ردوا عليه مقالته هذه أشهرهم آنذاك زعيم الأمة سعد زغلول إذ قال:«هبوا أن رجلاً مجنوناً يهذي في الطريق، فهل يضير العقلاء شيء من ذلك، فليشك من يشاء، وماذا علينا إذا لم تفهم البقر؟».

وشيء آخر يذكر في هذه المسألة أن طه حسين نفسه قد تراجع فيما بعد عما كتبه في (الشعر الجاهلي).

وعلى الجملة، فالنحل واصطناع الشعر واقع في تراثنا، وأدت إليه أسباب عديدة منها: السياسية، والدينية، والشعوبية، والقصص والرواة.

ومهما يكن من أمر، فقد وضعت الحرب أوزارها عن تلك المعركة الأدبية وأيقن جميع من شارك فيها وراقبها عن بعد أن ما نملكه الآن من الأدب الجاهلي موثق النسبة إلى أصحابه.

وعلينا أبناء هذا الزمن أن نوليه جل الرعاية والاهتمام، ونذود عنه من كيد الكائدين، وهذه الحماية لا تتأتى لنا إلا بدراسته والبحث في أمهات الكتب التي تحتويه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى