رغيف الخبز

> عبدالقوي الأشول:

> ما أنس إلا أنس خبازاً مررت به **يدحو الرقاقة وشك اللمح والبصر ** ما بين رؤيتها في كفه كرة ** وبين رؤيتها قوراء كالقمر ..ابن الرومي.

إنه الجبز بنفاذ رائحته التي لا تضاهى عند من ينشدون الكفاية منه ولا أصدق من السؤال عنه بحسب حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: إن أصدق الطلب الطلب إلى الطعام.

فلا معنى للحياة دون توفر الحد الضروري منه، و الشعوب التي لا تجد صعوبة في تأمين حاجتها من الغذاء لا تعد فقيرة بمقاييس الفقر المعروفة في الكثير من البلدان.

أما حين تنشب المجاعات فلا نجد معها معنى للحديث عن الأمن والاستقرار فالصورة تعتبر عن أبلغ فصول المأساة وأشدها إيلاماً.

ولعل الارتفاعات العالمية غير المسبوقة قد فاجأت بلداننا العربية أو معظم بلداننا العربية ووضعتها أمام أشد الأعباء خطورة وحساسية.

إذ إن مثل تلك الارتفاعات غير المسبوقة تجعل من المستحيل مجابهتها أو امتصاصها من قبل العامة نظراً لتدني المداخيل التي تجعل من غير الممكن تقبل مثل هذه الزيادات المفاجئة في أسعار أهم المواد الغذائية.. ما يدعو الحكومات إلى دعم أسعار تلك المواد وتأمين وصولها للمواطن بأسعار مقبولة تجنباً لحالات الخلط وربما الفوضى التي يصعب احتواؤها بسبب معاناة السكان وضيق العيش الذي بات يحاصر السواد الأعم منهم.

ومعطيات الواقع الراهن بالنسبة لليمن تعد معضلة تأمين وصول المواد الغذائية للسكان بأسعار مدعومة قضية لا تهاون في أمرها.. نظراً لطبيعة التراكمات السعرية التي سبقت طفرة الأسعار الأخيرة. وكل تلك الجرعات السعرية يبدو أنها غير مدروسة لاستهدافها الأسعار.. وعدم الأخذ بما في الوضع من آثار وتداعيات. فالخبز دون شك قضية ليست كبقية القضايا الحياتية الأخرى وظهور نذر التظاهرات التي يحمل أصحابها أقراص الخبز شديدة الضآلة ويطالبون بقطرات الماء ينبغي ألا تعدها السلطات في سياق ما تراه مماحكات سياسية.. ومثل هؤلاء عندما تشتد حاجتهم للضروريات تكون صرخاتهم مدوية، إرادتهم لا تحركها رغبات السلطة أو المعارضة.. ومن يوفر الحد الأدنى والضروري لحياتهم يكون الأقدر على كسب ودهم.

واليمن بوضعها الراهن وبما تعاني من شح شديد في المياه بنسبة تجعلها من بين أفقر البلدان مائياً.. لا يمكنها الحديث عن اتجاهات ناجعة نحو توفير أو تأمين الحد الأدنى من إنتاجها محلياً.. ذلك أمر غير ممكن بحكم ما نعاني من ندرة شديدة في المياه وعلى نطاق واسع وما يصاحب ذلك من تدهور في مستوى الأرض الزراعية خصوصاً في المناطق الريفية التي تحتوي على ثلث السكان فمثل هذه البيئات الفقيرة لا يمكنها ولو على المدى البعيد سد الاحتياجات المحلية من المواد الأساسية التي يتم الاعتماد بصورة شبه كلية على استيرادها من الخارج ولا نعني بذلك العزوف عن خيار بعث الاهتمامات بزراعة الحبوب وتشجيعها على اعتبار أن مثل هذه الحلول تجنب شعوبنا المعاناة في واحد من أهم الجوانب الحياتية.

ومع كل ما تقدم تظل قضية دعم أسعار هذه المواد من قبل الدولة شرطاً للمحافظة على أهم عوامل الاستقرار أو هي تحفظ ماء وجه السلطة ذاتها. وقضية الخبز والماء التي تعلن عن نفسها في مدن وريف بلادنا ليست قضايا هينة أو أزمات عابرة إن لم تقابل بتنمية حقيقية تستوعب الأعداد المتزايدة من طوابير البطالة فلا شك أن تداعيات الوضع وربما خروجه عن السيطرة أمر لا مناص منه فأجراس الخطر جدية وداهمة ورغيف الخبز عنوان تحد للمرحلة القادمة.. فهل نمتلك استراتيجيات واقعية ومستقبلية للكيفية التي بها تدار مثل هذه الأزمات الحادة في أسعار الحبوب تحديداً؟ ومع ما يشهده واقع الحال من انفجار سكاني بكل ما له من تبعات على مجمل الصعد الحياتية.. نتمنى ألا تذهب بنا الأوضاع الراهنة إلى ماهو أشد وأمضى على النفس مما هو قائم من معاناة وأن تدرك السلطات أن واقع الحال المأزوم لم يعد مطمئناً ودروب الجوع كافرة بحسب تعبير السلف والسلطة تتضاءل في هيبتها وثقلها مع الخبز وأوزانه التي شهدت تدنياً غير مسبوق في سنوات العقد الأخير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى