قصة قصيرة ابن زبيبة

> «الأيام» مختار مقطري:

> ترجيت ابن زبيبة يعلمني كيف أصبح سمساراً.. فقال: يجب أن تبدأ دلالاً صغيراً..رحمني، ثم قال بجدية وأنا أصغي اليه باهتمام: تعرف على المسؤولين الكبار ولا تفكر في البداية بالفائدة.

الله يرحمك يا خالة زبيبة، الزوج مات و(اتمكلفت) الأرملة الشابة على ابنها الوحيد، باعت (المقصقص) وطحنت (البسباس) على مطحنة حجر (موقرة) ليكبر ابن زبيبة ويصير (قاري سبعة أبواك)، لكنه خيب أملها وخاب في الدراسة وأكمل الإعدادية بصعوبة، وفي زمن التوظيف الإلزامي والوظائف المجانية (المطعفرة) حصل ابن زبيبة على وظيفة فني كهرباء ونجارة و(دريول) و(شوكي دار) و(حُرّابي) على الموظفين في شركة كبيرة وناجحة خصخصوها اليوم، لكن زبيبة ماتت قبل أن يتسلّم ابن زبيبة أول مرتب في حياته.

بعد الحرب، طلق ابن زبيبة الوظيفة.. طلقها بالثلاثة، وتمسكنا نحن بها.. نحن عيال الجامعة وأحفاد المدارس، صار ابن زبيبة سمساراً ناجحاً في أراضي وعقارات الدولة وغير الدولة، ونحن جوّعتنا الوظيفة.. وصرنا نتمنى لو كان لنا فهلوة وشطارة وقلة حياء ابن زبيبة.

ارتبكت وخفت أن تضيع مني الفرصة الأولى عندما أبلغني ابن زبيبة أن معالي الوزير فلان الفلاني دعاه (ليخزن) عنده في بيته، لكنه أعاد لي الأمل حيث قال:

- ولا تهتم.. القات كثير في بيت الوزير.

ديوان مستطيل.. طويل وعريض.. مفروش بالسجاد الأحمر (أبو ريش).. على السقف نقوش وزخارف (بالجبس) مطلية بالأزرق والابيض والوردي الفاتح.. وعلى الجدران لوحات كبيرة لمقتطفات من سور قرآنية ومناظر طبيعية وثلاث ساعات حائط فخمة ومكيفان لا يرشحان ومسبحة كبيرة زرقاء من الأحجار الكريمة، وجلد نمر ورأس وعلى ونخلة طويلة منحوتة يحيط بها سيفان عربيان، وفي الصدارة بأعلى الجدار صورة كبيرة لرئيس الجمهورية داخل برواز لونه ذهبي.

انضم لنا خمسة حيتان كبار، ودخل علينا شباب مليح يحمل كومة كبيرة من القات (المطول جداً) أعطى لكل واحد منا (شكلاً)، قات الوزير دخل ملفوفاً (بمشدة) بيضاء يحملها كهل أعرج.

تكلموا كلهم وأنا لم أتكلم.. تكلموا في السياسة أولاً.. أدانوا المعارضة، ثم فندوا أسباب ارتفاع أسعار العقارات والأراضي، اختلفوا في قومية عبدالناصر وثقافة الإمام أحمد يحيى بن حميد الدين، ناقشوا قضية فلسطين، دعوا الله أن يبعد عنهم وعن أهلهم وذويهم السكري والإيدز وفيروس الكبد البائي، ذكروا الدولار ثرثروا بعبارات واحتجوا على نهب أغاني التراث، سعل معالي الوزير فأنصتوا جميعاً، (اشترغ) معالي الوزير فهبوا إليه جميعاً بالماء والسكر والدعوات، أطلق معالي الوزير نكته بايخة (فسكروا من الضحك)، شعرت بالحرج لكني اكتفيت بابتسامة فاترة.

جهازا التكييف جعلا الديوان أقرب إلى الثلاجة، فامتلأت مثانتي بالبول، أرشدني ابن زبيبة كيف أصل إلى الحمام، كل شيء داخل الحمام لونه أخضر حتى دلو القمامة البلاستيكي، تقيأت في المرحاض الأخضر، (قتلنا الشجن) لأعرف ماذا في دلو قمامة معالي الوزير، قلم حبر ناشف.. فوطة حيض ملوثة بالدم.. شريط مضاد حيوي فيه حبتان.. شعر عانة تخللته شعيرات بيض، قرطاس (فياجرا) فاضي.. (لخاخيم) صفراء.. نصف علبة جبن.. وردة حمراء بلاستيك.. أمواس بالية.. سي دي.. دبلة فالصو.. (سارق ولد) خروف.. (باكت ند) فارغ.. نصف صفحة من جريدة رسمية.. واق ذكري مستعمل.. فرشاة أسنان.. كرة (تخزينة) بارحي.. وصورة شخصية لابن زبيبة.

تقيأت مرة أخرى في المرحاض الأخضر وخرجت من الحمام.. لكني لم أعد إلى الديوان، خرجت من فيلا معالي الوزير وأنا ألعن ابن زبيبة واترحم على خالة زبيبة (أم المقصقص وصاحبة المطحنة الحجر الموقرة)..!!

أغسطس 2007م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى