رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> البيضاء: ورد في «الموسوعة اليمنية»(الصادرة عن مؤسسة العفيف الثقافية المجلد 1 - ص 575) أن البيضاء هي مدينة ومحافظة تقع إلى الجنوب الشرقي من صنعاء وترتفع عن سطح البر بـ 1800م تقريباً ويقول عنها حسين بن محمد الهدار:«تقع مدينة البيضاء في واد منخفض من الأرض وهي محاطة بجبال من الجهات الأربع.

فمن الشرق يحدها جبل الفريد ومن الغرب جبل حربي ومن الشمال جبل القلعة ومن الجنوب جبل العظيمية...».

كما ورد في الموسوعة المذكورة:«تمتعت البيضاء بوضع سياسي خاص جعلها تبدو شبه مستقلة عن سلطات الاحتلال البريطاني في الجنوب وعن نظام الإمام يحيى في صنعاء. كان يحكمها السلاطين من آل الرصاص بالإضافة إلى نفوذ المشايخ من ال حميقان وآل عزان وآل دبان وآل مظفر وآل عوض وغيرهم».

«كانت محافظة البيضاء حتى منتصف السبعينات تضم ما يعرف الآن بمحافظة مأرب. وكانت مدينة رداع تقع ضمن لواء رداع، الذي كانت مدينة ذمار مركزاً له. وفي تقسيم إداري لاحق أضيفت رداع إلى البيضاء التي أصبحت الآن إحدى محافظات الجمهورية اليمنية الـ22 وتنقسم إداريا إلى 13 مديرية وهي البيضاء مركز المحافظة ورداع والسوادية وآل عوض والصومعة وجبن والطفة والزاهر وذو ناعم ونعمان وحرضة وناطع ومسور».

بالإضافة إلى من ذكرت أسماؤهم من العائلات المعروفة في البيضاء هناك أيضاً آل الشيبة وآل الرماح وآل القربي وآل عماية وآل عشيش وآل العاقل وآل العرجي وآل المشدلي والقائمة طويلة.

الميلاد والنشاة:

الدكتور أحمد سالم الشيبة من مواليد عام 1943م في مدينة أسمرة لأبوين يمنيين من لواء البيضاء وسبق أن تطرقنا إلى ذكر عدد من الأسر التي تنتمي لمحافظة البيضاء ومنها أسرة الشيبة أو آل الشيبة، الذين ينتسب لهم الدكتور أحمد الشيبة، الذي عاش في كنف الده المهاجر إلى مدينة أسمرة، التي كانت خاضعة قبل الحرب العالمية الثانية لإيطاليا وكانت إحدى دول المحور الحليفة لأدولف هتلر في سنوات الحرب وبعد هزيمتها آلت أسمرة إلى الإدارة البريطانية ثم وضعت تحت الانتداب الأثيوبي، إلا أن إمبراطور أثيوبيا هيلاسلاسي ضمها إلى إمبراطوريته قسراً في نهاية خمسينات القرن الماضي.

مارس والد الدكتور أحمد الشيبة التجارة في أسمرة إلا أنه آثر الاستقرار في مصر عام 1948م وكان أحمدالشيبة في الخامسة من عمره فالتحق بالمدارس المصرية وأكمل دراسته بنجاح في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية.

أولى معرفة الشيبة بالمجر واليمن الديمقراطية

أبدى أحمدالشيبة رغبته في دراسة الطب البشري في جمهورية المجر قبل انتصاف ستينات القرن الماضي وحصل على درجة البكالوريوس وحصل بعد ذلك على درجة الماجستير، حيث تخصص في طب الأطفال، وفي العام 1971م عاد الدكتور أحمد الشيبة إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وكانت أولى معرفته بالأرض اليمنية فحل فيها أهلاً ونزل فيها سهلاً.

صدر قرار إداري بتعيين الدكتور أحمد الشيبة طبيباً في وزارة الصحة العامة وعمل في مستشفى الجمهورية بمدينة خورمكسر ونقل بعد فترة قصيرة إلى المحافظة الرابعة (محافظة شبوة حالياً)، حيث عمل في أحد مراكز الأمومة والطفولة بمنطقة عزان وهناك بدأ الدكتور الشيبة تكريس حياته بالعمل الخيري في التنقل بين المناطق الريفية لنشر الوعي الصحي.

كما كان ينتقل بين المساجد لإلقاء المحاضرات وتوعية الناس بالجوانب الصحية التي حث عليها القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة. (راجع مجلة »الصحة والناس» اليمنية العدد 24 -يناير 2006م- سمير حسن : عبقرية تداوي وقلم يثقف - ص 46).

الدكتور الشيبة في عدن ومهام متعددة ومتنوعة:

عاد الدكتور أحمد الشيبة إلى عدن وصدر قرار إداري بتعيينه مديراً للأمومة والطفولة إلى جانب عمله في الطب الوقائي والصحة المدرسية .

وأخيراً مديراً للثقفيف الصحي، واستخدم الدكتور الشيبة كل الوسائل المتاحة لنشر رسالته ومن ضمن تلك الوسائل «الصحافة» فكتب عدداً كبيراً من المقالات في مجال التوعية الصحية منها «مرض التيتانوس» و«معانٍ إسلامية» و«الصوم يهدئ الأعصاب» و«حق الجنين على أمه».

أفاد بعض جيران الدكتور الشيبة بمدينة المعلا بأنه كان ينقل المرضى من الجيران بعد إعطائهم الإسعاف الاولي إلى مستشفى الجمهورية التعليمي بمدينة خورمكسر وكان يرحمه الله يضع ملصق «الهلال الأحمر» على سيارته في أكثر من مكان وكان يقوم بتلك المهمة مجاناً في حب الله باعتباره أجراً يدخل في ميزان حسناته.

الدكتور الشيبة في ذاكرة السفير عبدالوكيل السروري:

الأخ والصديق السفير عبدالوكيل السروري، الذي يعد واحداً من خيرة الكوادر التمريضية في الستينات والسبعينات وجزءاً من ثمانينات القرن الماضي وأحد الناشطين في الحركة الوطنية والذي التقيته في إحدى فعاليات جامعة عدن مؤخرا قال لي:

«كان الدكتور الشيبة رحمه الله في السبعينات من القرن الماضي عضواً في اللجنة الثقافية الصحية (صحة المجتمع) برئاسة د. عبدالقادر الكاف وسكرتيرها عبدالوكيل السروري ود. محمد غرامة الراعي وفوزية حسن.

لعبت اللجنة الثقافية دوراً كبيراً في إدارة الثقافة الصحية وفي أعمال النزول الميداني فيما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية».

«كما كان هناك برنامج تلفزيوني وهو برنامج (صحة المجتمع) وكان يقدمه العبد لله عبدالوكيل السروري وكان مهمة البرنامج قائمة على نشر الوعي الصحي باستضافة شخصيات متخصصة وكان مخرج البرنامج، الطيب الذكر محمد الضالعي المقيم مع أسرته حاليا في الدنمارك. لقد نشط الفقيد الدكتور أحمد الشيبة في العملية الصحية عبر مختلف مجالات التنوير وتولى إدارة الصحة المدرسية».

يختتم السفير السروري شهادته للتاريخ:«كان رحمه الله رجلاً مخلصاً ووفياً ومتواضعاً وخدوماً ومتفانياً في عمله وبسيطاً في حياته».

«الأيام» في الذكرى الثالثة لوفاة الشيبة:

ما من تجمع للناس إلا وظفر به الدكتور أحمد الشيبة فحجرات الدراسة في المدارس أو المعاهد ومنابر المساجد وأعمدة الصحف وقاعات الجمعيات الثقافية أو الخيرية استثمرها ووظفها الدكتور الشيبة برأسماله المعرفي الغزير الذي لا توجد فيه أدنى درجة من المخاطرة والذي ضمن فيه الدكتور الشيبة أرباحاً مجزية، لن يدفعها له بشر ولكن سيدفعها له رافع السماء بلا عمد.

كان الدكتور أحمد الشيبة يطوف بكل مساجد المحافظة، وبينما كان خارجاً من أحد مساجد الشيخ عثمان بعد صلاة العشاء، حيث استغل رحمه الله الفسحة بين صلاتي المغرب والعشاء وألقى محاضرة قيمة في سياق محاضراته في الربط بين العلم والقرآن والسنة النبوية أو إعطاء روشتات في التغذية والوقاية من الأمراض باستخدام النباتات .

أو غيرها من الوسائل ويشير إلى مرجعياتها من الكتاب والسنة أو آخر الأبحاث العلمية وكان رحمه الله موسوعة في قضايا العلم وكان يلقي محاضراته أو دروسه العلمية في بعض الأحيان بعد صلاة الظه.

وبعد خروجه من المسجد في الليلة المشار إليها سلفاً صدمته إحدى السيارات المارة ونشرت «الأيام» الخبر التالي في عددها الصادر يوم 29 أكتوبر 2003م:

«في غرة رمضان المبارك وتحديداً في الثانية من فجر يوم الأحد الموافق 26 أكتوبر 2003م توقف قلب الطبيب الاختصاصي المعروف أحمد الشيبة عن الخفقان عن عمر ناهز الستين عاماً بعد معاناة لم يلتفت إليه أحد ورحل دون ضجيج أو نعي من جهة رسمية وفي مقدمتها وزارة الصحة العامة وهو الذي قدم سنين عمره في خدمة المجتمع وفي مقدمتهم فلذات الأكباد وفي المدارس والمراكز الصحية وقد استحق لقب صديق الأطفال.

المغفور له من مواليد 1943م متزوج وله ابنتان».كما نشرت «الأيام» في عددها 4928 بتاريخ 30 أكتوبر 2006م موضوعاً موسوماً «الشيبة الطبيب.. مثال افتقدناه» للزميل عبدالقادر باراس وموضوعاً قيماً آخر للدكتور سعيد جيرع أشارا فيه إلى مناقب الفقيد التي عايشاها عن كثب أيام طفولتهما وشبابهما وهي مناقب لا تتكرر إلا في النادر والنادر لا حكم له.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى