القافلة الأدبية

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> كنا قد وصلنا في الحلقة السابقة إلى وادي الضباب، هذا الوادي المسقوف بالأشجار، المفروش بالخضرة، المتفجر بالمياه .. لم نودعه إلا إلى رواب وجبال أشد اخضراراً وأطيب هواءً منه .

كانت القافلة في طريقها إلى قرية (يفرس) حيث مقام أحمد بن علوان الرجل الصالح المصلح الشاعر الصوفي المعروف، يا ترى كيف أصف لكم قرية (يفرس) ومسجدها العتيق ومقام وليها والقائمين عليه .. ما أصعب أن يتحول الواقع إلى لغة موازية له فكثيراً ما يكون الوصف في جهة والواقع في جهة أخرى وهذه هي اللعبة الأزلية بين الواقع والصورة الفنية الأدبية له، فالأدب لا يصف الواقع كما هو وصفاً محايداً ولكنه يصف الواقع من خلال نفسية الأديب وخياله وعاطفته بحيث ينتج واقعاً آخر جديداً بديلاً .

يا ابن علوان !! طالما سمعت بهذا الاسم منذ كنت طفلاً، فإذا ما تعثرت في طريقي هتفت أمي من خلفي : يا ابن علوان !! حتى صارت المسألة تلقائية تقليدية متوارثة، وكانت هناك أيضاً قطع من الأرض الزراعية: (أحوال) و(جرب) لأنها قد نذرت له، ها نحن اليوم وجهاً لوجه مع ابن علوان الواقع والأسطورة، السني والصوفي. ثمة أطفال مهلهلون استقبلونا وهم يشحذون، أعطيت بعضهم ما كان لدي من عصائر وحلوى لأجد نفسي محاصراً بينهم كلهم يريدون - ولم يبقى شيء - مساكين آخرون في الطريق، وفي ممرات المسجد وداخله رجال ونساء متهالكون يدعون للقادمين وهم أنفسهم أحق بالدعاء ولكن يبدو أن الدعاء ها هنا صار حرفة يقتاتون منها .. رائحة متميزة تسيطر على المكان كله ليست زكية ولكنني لم أجدها كريهة .. ماذا أفعل ياترى ؟ كنت حذراً من أن يبدر مني فعل أو قول يقربانني من الشرك، مع أنني في طبعي روحاني أحب الخوارق والكرامات ولكنني لا أعطي هذا الحب فرصة في التمادي على حساب قواعد الدين والعقل .. رأيت الكثير يبتهلون حول القبر بخشوع لم أجارهم، سلمت على القبر كأي قبر، ودعوت لصاحبه، ثم دخلت المسجد وصليت ركعتين ودعوت ثم قفلت راجعاً.. لم أكن صوفياً متهافتاً يشتط ويؤمن بالخزعبلات، ولم أكن سلفياً متشدداً يرفض الأمر كله وينفر منه نفوراً شديداً مثلما لم أكن محايداً كل المحايدة وغير مكترث وكأن الأمر لا يعنيني بشيء مثل السياح الأجانب أو العلمانيين معتبراً المكان معلماً سياحياً أثريا فحسب ! عسى أن يكون ما قمت به واقتنعت به صحيحاً مقبولاً.

الحمد لله خرجت من (يفرس) ومن ورطة الحديث عن الصوفية والسلفية والعلمانية مثلما خرجت القافلة متجهة صوب وادي البركاني.

يتبع

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى