مشاهدات وانطباعات من واقع الإجازة ويافع.. إن سألت عنها وعن الرجال

> «الأيام» علي صالح محمد:

>
كما ان الطرق، وهي الطرق التي بدأت تتصدع في أكثر من موقع بسبب الغش والفساد أثناء تنفيذها الذي لم يمر عليه العامان بعد، هي الأخرى لم تنج من الإساءة حيث تنتشر عليها المطبات والعوائق المشوهة والمسيئة بل والمؤذية بمواقعها وارتفاعاتها وكثرتها لتصبح سببا في الحوادث ومصدر إزعاج وأذى يهدد سلامة السائق والركاب والمركبات جراء التوقف المفاجئ في كل مرة، ومعلوم ان للطريق ضريبتها ايضا لهذا فإن الحل للحد من الحوادث المرورية المحتملة والمتبعة في كل أنحاء العالم يكمن في إدخال الإرشادات المرورية التعليمية في حياة الناس عبر وسائل التوعية بدءا من الطريق مرورا بالبيت إلى المسجد إلى المدرسة مع مساهمة المجتمع وجهات الاختصاص في نشر الوعي بصورة دائمة لدى الناس.

وإذا كان هذا هو الحال في الهضبة.. فإن مناطق يافع السفلى لم تزل تعاني من سوء وقسوة الأحوال فيها حيث لا طريق إسفلتياً بعد ولا كهرباء ولا مياه صحية وما زال الناس فيها يعانون كثيرا من سوء الأحوال وضنك العيش خصوصا وان أغلبية السكان كانوا من المنتمين للمؤسسة العسكرية ويحتلون مراتب كبيرة فيها وأصبحوا في عداد المسرحين والموقوفين مع أنهم يحتلون أعلى نسبة في التأهيل الجامعي من أبناء المنطقة عموما ومحسوبون على ابين ولا يشغل منهم احد منصب وكيل محافظة مع أنهم يشكلون نصف سكان المحافظة تقريبا.

أحاديث الناس

والشيء اللافت في أحاديث الناس عموما في المقايل واللقاءات ان موضوع الوحدة والموقف منها يتصدر كل المواضيع، حتى في تلك التي صادف حضوري فيها والواقعة في مناطق الحميقاني وكانت تعتبر ضمن المناطق الشمالية قبل الوحدة المباركة وتجمعنا بأهلها علاقات نسب وصلات قديمة، ولهم عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم التي تميزهم أيضا، وبفضل الطريق الإسفلتي أصبح التنقل من وإلى هذه المناطق سهلا ويسيرا، الأمر الذي يظهر بقوة الصورة الحقيقية لنعم الوحدة وحالة التوحد الإنساني الحقيقي للناس بصوره المختلفة.

وفي جميع هذه الأحاديث يكاد يجمع الناس في كل هذه المناطق تحديدا على أن قضية الوحدة قضية لا يجوز الجدال فيها ولا المزايدة عليها من قبل أي كان، لانها خير كبير ونعمة كبرى وحق من حقوق الناس وحلم ومشروع إنساني كبير لطالما انتظر الناس تحقيقه، وبالذات في هذه المناطق التي كانت مناطق حدودية تعرض الناس فيها لأذى الحروب الشطرية وانقطاع صلات الرحم والقربى لسكان المنطقة، ومن جانب آخر فإن الطابع الجغرافي والديمغرافي لسكان الهضبة والمناطق المجاورة يجعل من وحدة الأرض والناس على رأس قائمة مصالحهم وأولويات معيشتهم، لأن مصالحهم ومعيشتهم تقتضي موضوعيا التوسع والانتشار والتنقل داخل اليمن وخارجه لهذا يجمع الناس في أحاديثهم على أهمية الوحدة ومنافعها، وفي هذا الاتجاه تؤكد الوقائع التاريخية ان أمراء وسلاطين ومشايخ يافع في ردهم على المعاهدة التي وقعها البعض مع بريطانيا آنذاك شكلوا وفدا في عام 1916مكونا من 19 شخصية برئاسة الأمير محسن بن علي العفيفي يمثلون كل مكاتب يافع لمقابلة الإمام في صنعاء لاقناعه بضرورة الوحدة والدفاع المشترك، فكان ان اعتذر عن تحقيق الأولى بحكم الظروف القائمة آنذاك ولكنه وافقهم على الأمر الثاني. وبالمقابل يجمع الناس على أنهم ليسوا مع المساوئ الناتجة عن ممارسات وسياسات النظام تجاه الطابع الحقيقي للوحدة وما نتج عن هذه السياسات من أذى يتعرض له ويعانيه الجميع وفي كل المناطق بلا استثناء، كما يعبر الناس عن إدانتهم ونقدهم لكل مظاهر الفساد والاستخدام السيئ للسلطة، وانعدام العدل وانتشار الظلم وعدم المساواة بين الناس، ولا يخفون تذمرهم الشديد من الغلاء ومن تردي الأحوال المعيشية والأمنية في بعض المناطق ومن إجراءات القمع للحراك السلمي المدني في المناطق الجنوبية بالتحديد والشمالية أيضا، ليصبح الناس جميعا هدفا لعداء النظام بدلا من ان يصبحوا حاملا وحاضنا له.. وببساطة يمكن للقارئ ان يستشف من الزوامل التي يرددها الشعراء في هذه المناسبات ويتناقلها الناس في جلساتهم وتجمعاتهم (موضوع الساعة وحديث الناس) في عملية تلخيص مركزة لوجهة نظر الرأي العام ومزاج الناس ورؤيتهم للأوضاع، بل وأهم من ذلك رؤى وتنبؤات بعض الشعراء أو ما يسمى بزاجرهم الذي يعكس حسهم ورؤيتهم الثاقبة كقراء دقيقين للقادم السلبي أو الايجابي، لهذا قالوا عنهم انهم ضمير الشعب المتكلم، ومن ذلك مثلا قول المتزمل صالح محمد:

عله ضريره ما لها أية دواء

لا حد يفرحني ويدي لي مثال

ما شا تقع مهره وسبرة جيده

واليمنى اصتابه وماهل بالشمال

أي انه باختصار لا يمكن للمرء ان ينجز عمله في حراثة الأرض بصورة جيدة بيده اليسرى لوحدها بعد ان أصيبت يده اليمنى.. والمقصود ان اليمن لا يمكن ان يحقق نهضته المنشودة بعد ان ضربت يده اليمنى أي الجنوب.

او زاجره المخيف هذا:

وجه النكد معروف ما منه غنى

ذي لونه اقبلني على لحيه وشال

عاد البوابير باتوقف جيرها

وا نرجع آ ننقل البضاعة بالجمال

بمعنى ان القادم أسوأ حد توقف حركة السيارات يوما ما لنعود إلى ما كان عليه الحال قديما باستخدام الجمل كوسيلة للنقل. وهو أمر أرجو ان لا يتحقق ولكني اكتبه وانقله للناس كبراءة ذمة على أقل تقدير. أو قول أحدهم:

ما الوحدة قد هيه أملنا لكن أذاها من حفاها

عيال خالتها أشغلوها قد حرقوها من قفاها

أو زامل آخر :

بتخبّرك هو عاد سالم عندكم

وهل تخبّرتوه عن بعض الأمور

رعنا بري الأوضاع ما هي سابره

لا حد يسبرها وما هي شي سبور

هذا هو نبض الناس البسطاء وهذا هو نشيدهم المستمر عبر الزمان، يحمل رؤيتهم للحال بلا رتوش وبلا مبالغة، لانه صادر بصدق من بين ضلوعهم التي تحوي قلوبا حية تنبض بمشاعر العشق للوطن الخالي من الباطل ومظاهر القهر والظلم والإجحاف ومصادرة وجود الناس وحقهم في العيش الكريم على أرضهم، ومشبعة بالأمل والحلم بغد أفضل تظلله الحرية بعيدا عن المهانة وامتهان الكرامة والحقوق الإنسانية.

تركت يافع كعادتي في كل زيارة حابساً دموعي حين أود عها، لترافقني لا إراديا مشاعر الحنين الخفي تشدني اليها بصمت، كذلك الحنين الذي يحمله المرء نحو حضن أمه حين ينتزع منه بقوة وقبل الأوان، وهو الشعور الذي حملته بين أضلعي منذ أول سفر قبل ستة وأربعين عاما وظل يلازمني تجاه يافع ليكبر معي تجاه عدن التي غدت منذ اللحظة الأولى الحضن الأجمل والحضور الأكبر كما هو الحال مع من سبقنا ومن سيلحقنا من الأجيال المتعاقبة منذ قرون مضت، كتعبير عن حال تتحقق فيه وبقوة عملية الالتحام والتوحد الوجدانية العميقة بين الانتماء والحضور الذي يزهو ويزخر بها وجودنا الإنساني الجميل وامتداده على هذه الأرض الطيبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى