من مظاهره موائد الرحمن والسرادقات الدينينة في مصر

> «الأيام» عن «الشرق الأوسط»:

>
تتعدد مظاهر استقبال المصريين لشهر رمضان؛ فهم يستقبلونه بفرحة غامرة، وقبل حلوله بأسابيع يبدأون الاستعداد له بالإكثار من الصيام في شهر شعبان، اقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وتدريبا للنفس على استقبال الشهر الكريم، ومن عاداتهم أيضا الحرص على شراء الياميش والمكسرات والبلح وغير ذلك من المستلزمات الرمضانية. ويعتبر فانوس رمضان بمثابة إعلان شعبي بقدوم الشهر الفضيل فتزدان به شرفات البيوت والشوارع والميادين والأحياء الشعبية، كما يعد الفانوس من أهم ألعاب الأطفال المحببة في هذا الشهر، وخاصة بعد تطويره من حيث الشكل وتزويده بأضواء جذابة وأغنيات دينية يحبها الأطفال مثل الأغنيتين الشهيرتين «وحوي يا وحوي» و«حالوا يا حالوا»، لكن الكبار ما زالوا يفضلون الفانوس التقليدي القديم الذي ما زال سعره يفوق سعر الجديد الذي غالبا ما يصنع في الخارج.

وعلى الرغم من أن شهر رمضان يمثل أهم مناسبة دينية في مصر، إلا أن طرق الاحتفال به تتنوع من مكان إلى آخر، فرمضان في القاهرة يختلف عنه في بقية المدن؛ ففي القاهرة تتزين العاصمة لاستقبال الشهر الكريم، وتنتشر السرادقات والشوادر الكبيرة أمام المحلات التجارية لبيع الياميش والبلح والمكسرات وقمر الدين، وتعليق الزينات علي أبواب البيوت في شوارع وأحياء القاهرة وخاصة الشعبية منها، حيث نرى مشاهد جماعية للأسر في التعاون مع بعضها لإعداد هذه الزينات. أما في الريف فتبدو مظاهر الاحتفال برمضان متواضعة ولا تخرج عن الطقوس التقليدية، ويندر أن تجد شوادر الياميش بالحجم الكبير كما في العاصمة، وكذلك الزينات الورقية والتي تبدو أحيانا غير ملحوظة، بينما تكون الأنوار التي تعلق على مآذن المساجد والتي تعرف بـ«أنوار رمضان» هي أهم مظهر يدل على الاحتفال بشهر رمضان في الريف. ويحب المصريون خلال شهر رمضان استعمال جملة «رمضان كريم» والتي تحمل معنيين، الأول مرتبط بالجود والكرم الإلهي الذي يغمر المسلمين في هذا الشهر، لوصف النبي صلى الله عليه وسلم شهر رمضان بقوله «شهر يزاد فيه في رزق المسلم»، والمعنى الثاني يتعلق بـ«المائدة المصرية» التي تحفل بما لذ وطاب من كافة أنواع المأكولات، كل حسب قدرته المادية. وعلى الرغم من تعدد الأنماط الاجتماعية تبعاً لتنوع مظاهر الحياة بين المصريين، إلا أن الجميع يظهر البهجة والسرور بدخول هذا الشهر الكريم، فما إن تبدأ وسائل الإعلام بإذاعة بيان دار الإفتاء المصرية إيذانا ببدء الصوم وثبوت رؤية هلال شهر رمضان، حتى يتحول الشارع المصري في أول ليلة من رمضان إلى ما يشبه خلايا النحل، فتزدحم الأسواق، وتنشط حركة التجارة بشكل ملحوظ، حيث يتنافس المصريون في توفير طعام السحور واللوازم الرمضانية المختلفة، وبعد سماع مدفع الافطار ثم أذان المغرب مباشرة يبدأ الصائمون إفطارهم بتناول التمر الذي يطلق الباعة على أنواعه المختلفة أسماء الشخصيات المشهورة، وهو نوع من السياسات التسويقية التي يتفننون فيها كل عام، ثم شرب عصير «قمر الدين»، أو مشروب «الخشاف».

وهذا الأخير عبارة عن خليط مكون من تمر وزبيب وتين وبلح، وقد يحلو للبعض أن يشرب العصائر الطازجة كالبرتقال أو المانجو أو العرقسوس أو التمر هندي، ويحرص بعضهم على تأدية صلاة المغرب، وبعدها يتناولون طعام الإفطار؛ وغالبا ما يتكون من لحم وسمك وخضر مثل الملوخية والبامية والشوربة والخضار المشكل، والمكرونة والمحشو بأنواعه المختلفة والدجاج المشوي أو الكباب والكفتة بالإضافة إلى السلطات. ولا تخلو مائدة المصريين من أهم أطباق رمضان وهو طبق «الطرشي». ويختلف الإفطار بطبيعة الحال من عائلة لأخرى، فهناك البعض الذي يتناول الفول والبيض سواء في السحور أو الإفطار وهم من فئة محدودي الدخل ويطلقون عليه لحوم الغلابة، لكن الكثير من هؤلاء الغلابة يجد في موائد الرحمن والتي باتت تنتشر في معظم ميادين وأحياء القاهرة والمدن المصرية فرصة لكسر طوق الفقر وتناول وجبة إفطار شهية. فلا أحد يجوع في رمضان، حيث يتسابق المصريون فيه إلى فعل الخير والعطف على المساكين والفقراء.

ومن بين الأطباق الرمضانية لا يزال طبق الفول هو الوجبة الأساسية المفضلة لدى المصريين في وجبة السحور، فلا تكاد تخلو منه مائدة رمضانية باعتباره أكلة محبّبة لجميع المصريين، على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية، ولذا ينتشر باعة الفول في كل مكان. ومن أشهر الحلوى التي ترتبط بشهر رمضان الكنافة والقطايف، وقد عرفهما المصريون في عهد الدولة الفاطمية فضلا عن البقلاوة، وأم علي. وتعد صلاة التراويح من أهم الشعائر الدينية التي يحرص على أدائها في المسجد معظم المصريين، حيث تمتلئ المساجد عن آخرها بالمصلين من مختلف المراحل العمريّة.

وقد اعتاد الناس في مصر على السهر بعد التراويح حتى أوقات متأخرة من الليل، يقضونها في الميادين والبيوت والمقاهي، يتسامرون ويتبادلون الأحاديث. ورمضان في القاهرة عامر بالفعاليات الفنية والثقافية المتنوعة، فبعد أن كانت دور السينما والمسارح والملاهي تغلق أبوابها في رمضان، تغيَّر الأمر وقرر أهل الفن أن يحتفلوا برمضان على طريقتهم الخاصة بشكل يتناسب مع جلال الشهر الكريم. أما خيمة رمضان فهي ظاهرة جديدة على المجتمع المصري المعاصر، غالبًا تقام معظم الخيام في الفنادق الكبرى، ويوجد نمطان مختلفان لها : الخيمة صديقة البيئة التي لا تقدم خدمة الشيشة: والخيمة الإيمانية التي تقوم أساسا على الدروس والفعاليات الدينية، والتواشيح وربما تقابلها في الأحياء الشعبية والقرى والنجوع سهرات تنظم فيها جلسات لذكر الله وسماع القرآن والتواشيح. ومن العادات التي تميز بها المصريون، ما يُعرف بالمسحّراتي، وهو شخص يقوم بالمرور على البيوت في الحواري والأزقة كي يوقظ الناس وقت السحور بندائه الشهير: «اصح يا نايم.. وحّد الدايم.. رمضان كريم»، إلا أن هذه العادة قد بدأت في الانحسار نتيجة لتوافر أدوات الإيقاظ الحديثة مثل الهاتف والمنبّه وغيرهما، فلم يعد للمسحراتي شعبية إلا في القرى والأحياء الفقيرة.

وما يلفت النظر عند المصريين في شهر رمضان، زيادة معدّل الزيارات بين الأهل والأقارب، والأصدقاء والأحباب، في جو أخوى يتميز بالحميمية والمشاعر الإنسانيّة الفيّاضة، حيث تكثر فيه الدعوات كما يتم تبادل أنواع الطعام بين الأسر، فهو فرصة للتقارب الأسري وتعميق الروابط الاجتماعية. وفي الريف يستبدل المصريون بموائد الرحمن توفير الطعام للمساكين بالجهود الذاتية، حيث يقوم كل بيت بإعداد بعض الأطباق للفقراء بالإضافة إلى ما تقدمه الجمعيات الخيرية. وفي كل رمضان تكثر الاحتفالات والأمسيات واللقاءات الدينية والفكرية والاجتماعية، والسهرات والخيام الرمضانية والتي أصبحت أحد المظاهـر الرمضانية المهمة في العاصمة، وتعقدها الجمعيات والأندية والمكتبات العامة وكذلك المساجد، حيث يلتقي في هذه الاحتفالات رجال الدين والفكر والسياسة والأدب والفن وكافة نجوم المجتمع في حوار رمضاني تمتزج فيه القضايا الدينية بالقضايا الاجتماعية والفكرية وغيرها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى