«الأيام» تستطلع آهات وهموم وأوضاع اكتوبريي الشعيب في عيد الثورة الـ(44):ثوار الأمس أضحوا بؤساء ومهانين اليوم

> «الأيام» محمد الحيمدي:

>
بمناسبة حلول الذكرى الـ(44) لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة عام 1963م، استطلعت «الأيام» آراء بعض من رجالها في مديرية الشعيب محافظة الضالع، وهي المديرية التي أنجبت كوكبة من أبرز ثوار ومناضلي ثورة 14 أكتوبر المجيدة، وقدمت ارتالا طويلة من الشهداء على طريق انتصارها.

> في البداية كان لقاؤنا بالمناضل محمد مثنى أبوبكر من أبناء قرية (اقذيذ) الذي قال:

«قبل الوحدة كنا نحظى بمختلف الرعاية والاحترام والتقدير من قبل القيادة السياسية والحزبية، فلم نشعر أن هناك فرقا بيننا وبينهم لأن حياتهم كانت متواضعة عادية لا يحجبهم الحراس والعسس، وكانت أخلاقياتهم تجاهنا صادقة وعظيمة فقد احاطتنا الثورة بكل الرعاية والاهتمام حيث وفرت لنا ولأولادنا مجانية التعليم والصحة والكهرباء والمياه والوظائف، فنال أولادنا أرفع الشهادات الجامعية من اكبر الجامعات العالمية، كما كانت الأولية في هذه الخدمات وخاصة التعليم والوظائف والمناصب للمناضلين ولأبناء أسر الشهداء، الامر الذي جعل المناضل يلمس احترام الدولة لدوره النضالي ومكانته الاجتماعية المشرفة».

أما كيف أصبحت أوضاعهم اليوم في ظل دولة الوحدة، فأجاب قائلا:

«بعد قيام دولة الوحدة في الـ 22 من مايو 90م فرحنا واستبشرنا فيها خيرا لانها كانت أحد أنبل وأسمى أهداف ثورة 14 اكتوبر، وكانت هدفنا جميعا كيمنيين، إلا أن تسارع احداثها المؤلمة جعل الجميع يتوجسون خيفة ويرقبون الوضع الساخن وكأنهم يشاهدون أحد أفلام الرعب، وأخذ هذا الواقع المأزوم ينتقل بنا من مرحلة خطيرة إلى أخرى أكثر خطورة، ووجدنا انفسنا نحن مناضلي الثورة الاكتوبرية ما بين ليلة وضحاها أشبه بالأيتام بعد أن فقدنا تلك الرعاية والعناية، وزاد الامر سوءاً انهيار العملة المحلية وتصاعد أسعار المواد الغذائية وغياب القانون وهيبة الدولة حتى أصحبنا نشكل أكثر فئات المجتمع فقرا وعذابا وشقاء، إذ أن الراتب الذي كان يساوي مرتب موظف في الدولة أصبح اليوم لا يساوي قيمة حقيبة مدرسية أو دجاجة، كما أوصدت المدارس والجامعات والكليات العسكرية في وجوه اولادنا بعد أن كانت مفتوحة لهم وترحب بهم بسعادة وافتخار.

وبسبب سوء الأوضاع التي يعيشها ثوار ثورة 14 اكتوبر المجيدة أصبحت كلمة (مناضل) كلمة ممقوتة تستخدم للسخرية من صاحبها إلى درجة أنها أصبحت كلمة مؤذية تثير الاشمئزاز عند من يسمعها، بعد أن كانت مصدر قوة وفخر واعتزاز للمناضلين وأبنائهم وللوطن عامة».

> أما المناضل حسين الجبل، من أبناء قرية (العوابل)، فقد شكا بألم مرارة ما يعانيه رفاقه مناضلو ثورة 14 اكتوبر من تهميش ونكران وجحود من قبل الدولة.. فقال:

«لم تقدم الدولة لهؤلاء الرجال أية امتيازات كمناضلين أو أبسط رعاية وتقدير غير المرتبات التي اعتمدت أثناء حكم الحزب الاشتراكي والتي لا تزيد على تسعمائة ريال، نعم هذا المبلغ كان يفي بمتطلبات المعيشة ويغطي كل تكاليف احتياجاتنا في العيش السوي الكريم، إذ كان يتقاضى المناضلون والشهداء مرتبات تتفاوت ما بين ستمائة إلى ألف (شلن)، وهو مبلغ يساوي ويعادل مائة إلى مائة وخمسين دولارا، أما اليوم فإن المبلغ الذي يتقاضاه هؤلاء المناضلون وبصعوبة بالغة لا يكفي أجرة ركوبهم من قراهم النائية إلى مكتب مناضلي الثورة في المحافظة أو البريد».

وأضاف قائلا: «أنا الآن عمري 80 عاما الا أنني لم أتسلم أي راتب أو إعانة برغم حالتي المادية الصعبة وبرغم متابعاتي للجهات المسؤولة كي تعتمد راتبا شهريا لي الا أن ذلك ذهب سدى وبدون فائدة».

لم كل هذا الظلم؟

> المناضل قاسم سعيد بن سعيد، من ابناء قرية (الصلئة)، قال ساخطا: «اسألوا المسؤولين اليوم.. لماذا يتعرض ثوار 14 أكتوبر للظلم؟».

ثم صرخ وهو يقول: «نحن المناضلين الحقيقيين نستحق الاحترام والرعاية إن كان الحكام يعلمون معنى الكفاح والتضحية ومعنى الثورة؟».

وأضاف: «كانت الدولة في الجنوب تعطي لكل مناضل حقه وتمنحه كل الدعم والرعاية، أما اليوم فقد صادروا ونهبوا ما كنا نتقاضاه ونهبوا علاوة جرحى الثورة التي منحت لنا من قبل دولة الحزب الاشتراكي اليمني، وأصبحنا في نظر هذه السلطة المستبدة الفاسدة اشبه بالعملاء وبدون حقوق، وجعلت النصابين واللصوص وناهبي حقوق الناس ومزيفي التاريخ حكاما علينا وأولياء شؤونا».

ثوار الأمس بؤساء اليوم

> ويقول المناضل قاسم حسين راشد، من أبناء قرية (لودية): «لقد انتصرنا لقضية الوطن وحققنا الاستقلال والتحرر من نير الاستعمار الغاصب، لكن الثورة اليوم وبعد مضي 44 عاما لم تحقق احلامنا، فالسلطة اليوم ذبحت تلك الاحلام الجميلة التي عاشت وترعرت في أعماقنا وعقولنا منذ أول طلقة وجهناها إلى صدور الغزاة. إن ما يؤلم ويحز في النفس ويدمي القلوب أن نرى من لم تمسهم حرارة الشمس ولم يذوقوا طعم الموت وعذاب السجون والجوع والأهوال، بل كانوا أعداء للثورة، ينعمون بخيرات الثورة ويصبحون دون رجال الثورة الحقيقيين هم المستفيدون من خيرات الوطن على حساب الفقراء أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة، والأكثر إيلاما اليوم أن المناضلين الذين افنوا حياتهم من اجل انتصار مبادئ الثورة أصبحوا في سلة مهملات الوطن، وأصبح الفقراء ثوار الأمس بؤساء اليوم وضحايا سلطان الحاضر، ويحز في النفس أكثر أنهم اضحوا مطاردين بتهم الانفصالية والخيانة والارتزاق».

> المناضل محسن البدهي، عضو الهيئة الإدارية للمجلس المحلي لمحافظة الضالع عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، قال: «ان الثوري في أيامنا هذه لم يعد يحلم بتحقيق أبسط امنياته في الحياة الآمنة والعيش الكريم، لان لا مكان له ولا قيمة في ظل وجود ادعياء النضال والثورية اولئك الدخلاء المتطفلين على الثورة المتسابقين للاستحواذ على كل شيء، في زمن الانكسار والكذب وقلب الحقائق وتزوير التاريخ.

إن المناضل والثوري الاصيل الحق أصبح غير موجود بل عملة نادرة في وضع يعج بهواة التسلق واللعب على كل الحبال في اي وقت ومتى يشاؤون.. أين هم اذاً ثوار ثورة 14 اكتوبر الحقيقيون ومن المسؤول عن الوضع المزري والمأساوي الذي وصلوا اليه؟.. هناك محاولات لتشويه ثورة 14 أكتوبر وتحريف تاريخها النضالي».

> المناضل قاسم صالح ناجي، عضو محلي محافظة الضالع عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني تحدث عن قضايا مهمة وجوهرية بشأن الثورة والثوار والمناضلين حيث قال:

«نأسف كثيرا على ما تقوم به السلطة والنظام الحالي من محاولات مستميتة فاشلة لتمييع وتقزيم ثورة 14 اكتوبر وتجاهلها وعدم انصافها وإعطائها مكانتها التاريخية الحقيقية وذلك بادعاء أنها فرع يعود إلى الأصل (ثورة 26 سبتمبر) وتحريف تاريخها النضالي المجيد وتاريخ ثوارها الاحرار الأبطال ومسخ واستبدال ذلك التاريخ بتاريخ مشوه مزور يخدم أغراضها السياسية وبعض المصالح الشخصية، واستُبدل بالثوار الحقيقيين آخرون ليس لهم أي صلة بالثورة لامن قريب ولا من بعيد.

إن ما يحزنني ويؤلمني اليوم وفي ظل دولة الوحدة ما نشاهده خلال احتفالات الثورة، حيث يظهر عباقرة وفطاحلة المرحلة يقفون بكل كبرياء وصلف دون حياء أو وازع من ضمير على المنصة الرئيسية ببذلاتهم المرصعة بالنياشين الذهبية والبرونزية والفضية والعاجية و...إلخ.. ومنهم من يرتدي اثمن وأفخر البذلات المستوردة من افخم معارض باريس ولندن والقاهرة، مع أن اكثر من 90 % منهم لا علاقة لهم بالثورة ونصف هؤلاء إن لم نقل اكثرهم ممن ناصبوا الثورة والوطن العداء، فيما الذين شاركوا في الثورة وصناعها الحقيقيون لم يعد لهم أي وجود في هذه المناسبات الوطنية التي صنعوها بكفاحهم المرير ونضالهم البطولي ودمائهم الزكية.

بل وللاسف الشديد أن هؤلاء الثوار الحقيقيين لثورة 14 اكتوبر المجيدة وقادتها، إما أنهم قضوا نحبهم وإما قُضي عليهم وهم احياء يرزقون يعانون شتى صنوف القهر والجحود والنكران محرمين من ابسط حقوقهم كمناضلين وثوار غيروا مجرى التاريخ اليمني وكتبوه بأحرف من نور ونار ومجد وشرف، بل إن معظمهم مهمشون بدون رواتب يهيمون في الشوارع وقارعات الطرق.

إن الاشد وطأة من ذلك أن رموز الثورة وما بعد الثورة وصناع اهم هدف لثورة 14 اكتوبر 1963م وهو تحقيق الوحدة اليمنية اصبحوا مطاردين ومنفيين ومطلوبين للمحاكمة وبتهمة الانفصال والعمالة والرجعية.. حقا إنها مفارقة عجيبة في أن تقلب الحقائق رأسا على عقب ويصير الوطني والثائر والوحدوي عميلا ورجعيا وانفصاليا، بينما العميل والرجعي والخائن، ثائر ومناضل ووطني غيور على الوحدة.

إنني على ثقة من أن التاريخ لن ينسى أو يغفل الثوار والمناضلين والوطنيين الحقيقيين الشرفاء ولن يسامح كل المندسين والعملاء والانفصاليين الحقيقيين واعداء الثورة ومزيفي التاريخ.

والمصيبة الكبرى والاشد وطأة من ذلك أن الثورة تحولت بيد مدعي النضال ولصوص التاريخ والدخلاء إلى وسام عبثي يمنح بالمزاجية والاهواء أو فيد وغنيمة تنعم بخيراتها قلة قليلة من المتنفذين حتى التخمة، بينما يحرم من خيراتها السواد الاعظم من الفقراء والمحتاجين وصناعها الاحرار، بل اصبحت الثورة خطبا وشعارات تدبج وتلقى في الاحتفالات الرسمية وعلى صدر صحف ومنابر ووسائل اعلام السلطة.

إن الثورة اخلاق وفكر نضالي خلاق ومتجدد لا يتعايش مع النصوص النظرية الجوفاء، وهي (أي الثورة) إن لم ترتبط مسيرتها الظافرة بأحلام الفقراء والجياع المقهورين والمعدمين فانها ستظل عبارة عن حدث مقطوع ومفصول الجذور فاقد الحضور عن عالمه وواقعه الراهن وستنحصر قيمتها واهميتها فقط على الظرف الزماني للقديم الذي ولدت فيه».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى