من يصنع الموت .. الرصاص أم الكلمات؟

> أحمد عمر بن فريد:

> لا أدري لماذا يصر البعض على اعتبار مقالاتنا عنصراً فاعلاً في تهييج العواطف والمشاعر لدى العامة من المواطنين، في حين تقول الحقيقة إن الفعل هو الذي يحدث ردة الفعل أكثر من الكلام أو الكلمات، وأن الكتابة من قبلنا أو من قبل غيرنا لا تعكس إلا شعور وإحساس وصراخ المواطن الذي وقع عليه الفعل والذي حل عليه الدمار في نفسيته وفي وجدانه، والذي ولد لديه الشعور بالغبن والظلم والاضطهاد.. وما كتاباتنا في حقيقة الأمر إلا متنفس لكل تلك الاحتقانات التي تتراكم يومياً جراء تلك الممارسات الظالمة التي يتعرض لها العامة من أبناء الشعب، بفعل جبروت وطغيان المتنفذين.

أظن أن أحرف كلماتنا لم تقتل أحداً في يوم من الأيام، ولم تكن مسئولة -على الإطلاق -عما حدث ويحدث من جرائم قتل هنا وهناك، كما أن أحرف كلماتنا ليست رصاصاً حياً يستهدف حياة الشباب في هذه المسيرة السلمية أو تلك، ولم تكن قاذفة لمسيلة دموع وجهت مباشرة صوب وجه مواطن مسالم، فأحرقته وشوهته، وهي ليست أداة من أدوات القمع والتنكيل التي يكتوي بعذابها من قرروا الخروج في الشوارع دفاعاً عن حقوقهم المسلوبة أو ملكياتهم المغتصبة أو تعبيراً عن رأيهم السياسي في قضية من القضايا المهمة المتعلقة بتاريخهم وحاضرهم ومستقبليهم (كقضيةالجنوب).

وكتاباتنا لا علاقة لها بالتحريض ولا علاقة لها بقلب الحقائق أو تزييف الوقائع أو الحديث عن أمور (غير موجودة).. لأننا في هذه الحالة على أتم الاستعداد للمراهنة ما بين حقيقة ما نكتب، وكذب من يدعون زيف ما نكتب، شريطة أن نوضع في المربع الاتهامي نفسه مع أصحاب البيانات الرسمية (الخرافية الزيف) التي تخرج علينا من مصادرها بعد كل حادثة قتل يندى لها جبين الإنسانية في أي مكان.

وفي الحقيقة.. إننا نمارس ما قال عنه الدين بأنه (أضعف الإيمان)، لأننا لا نستطيع تغيير المنكر بأيدينا، باعتبار ذلك شأناً من شئون السلطة التنفيذية والقضائية معاً، في حين يجبرنا ضميرنا على الحديث عنه والإشارة إليه بوضوح في كتاباتنا، وإن لم نفعل ذلك نكون قد ارتضينا لأنفسنا أن نحتل موقع (الشيطان الأخرس) الذي يشاهد المظالم ولا يستطيع الحديث عنها أو رفضها أو الكشف عن حقيقتها وبشاعتها.

كما أنني أدري لماذا يغضب الذين يطلقون الرصاص الحي على شباب الوطن بدم بارد ويقتلونهم في وضح النهار، إن أشرنا إلى جور الفعل الذي ارتكبوه أو إلى عدم إنسانيته، أو طالبنا بسرعة القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة..!! أم أن المطالبة بتقديم الجناة (القتلة) إلى ساحة العدالة بات اليوم أمراً تحريضاً في قواميسهم؟.. وهل يسر هؤلاء إن قلنا إن أجهزة الأمن ممثلة في وزارة الداخلية لم تستطع حتى يومنا هذا تقديم (جان واحد للعدالة) من الذين قتلوا شهداء ردفان أو الضالع أو حضرموت؟! أم أنهم يعتقدون أن لمقالاتنا (علاقة جدلية) لا نعلمها بكل هذا التسويف والمماطلة في القبض على الجناة.

شخصياً.. أعتقد أنه إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية في تطبيق نصوص القانون والدستور إزاء مختلف القضايا، لحقنت الدماء، ولحفظت أرواح الشباب من عبث العابثين، وإذا ما توفرت لدى الأجهزة المعنية الحد الأدنى من الأرادة الحقيقية جهة ممارسة الدور الوطني المناط بها، لكانت قد قدمت نماذج من هؤلاء المستهترين بأرواح البشر إلى قفص الاتهام، ولكانت قد جرت محاكمتهم بما يستحقون عوضاً عن تشكيل اللجان التسويفية، وعوضاً عن إصدار البيانات التي تثبت أنهم بما يقولون قد تحولوا إلى جزء من العملية وليس الطرف المعني بالحفاظ على الأمن والاستقرار.

في عدد «الأيام» الصادر يوم السبت الماضي كتب الأستاذ القدير فاروق لقمان مقالاً بعنوان «حكومة لحج الحرة أقامت في دار النعائم بالزعفران».. ما يهمني تقديمه هنا يتعلق بهذه الجزئية التي أنقلها حرفياً كما يلي:«وذهبت كالعادة بعد ظهر اليوم الثاني إلى مبرز السلطان علي بن أحمد بن علي.. التفت إلي السلطان وقال: فوقك دعوى يا محمد علي، قلت حاضر.. فدعا الرجل صاحب البقرة وادعى أن بقرته أصيبت برصاصة في اليوم السباق، وقال السلطان إن الشهود يقولون إن الرصاصة أطلقت من بندقيتك، فقلت: هذا صحيح يا أبا أحمد، فقال: وكيف تقتل بقرة إنسان مسكين، فقلت:إنني لم أتعمد ذلك وكانت الرصاصة طائشة، فقال: هل لك شريك في الذنب؟ فقلت له: لا ..فضحك وكأنه قد عرف التفاصيل، فقال: الحكم عليك 40 روبية.. قلت حاضر» انتهى الاقتباس من الماضي.

هذه الجزئية تحكي وتشير إلى أن الحاكم كان معنياً بتحقيق العدالة فوراً، وأنه من أجل ذلك قد اقتص للعدالة ولصاحب حق (المواطن العادي) من ضيفه الشخصي الذي أصاب دون قصد أثناء التدريب على الرماية بقرة مواطن مسكين فقتلها.. واليوم يتم قتل البشر بدم بارد عن طريق (الرش بالرصاص) وأمام الجميع الذين يعلمون تماماً من هم القتلة.. ولكن لا أحد يستطيع أن يقول لأحد «فوقك دعوى يا فلان بن فلان.. كيف تقتل ابن المواطن المسكين فلان»!! لاحظ الفرق ما بين الأمس واليوم.. الأمس الذي تقتص فيه العدالة لبقرة قتلت..واليوم الذي لا تقتص فيه العدالة لابن آدم قتل!! رحم الله شهدائنا الأبرار وأسكنهم فسيح جناته وألهم ذويهم الصبر والسلوان.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى