الفساد يعلن عن نفسه

> أحمد محسن أحمد:

> لم يعد الفساد ذلك الإثم الذي يتسلل إلى حياة الناس بذنوبه وعبثه بمقدرات البلاد والعباد ومتخفياً في ظلمات أزقته وأوكاره النتنة والعفنة بعيداً عن أنظار الناس!.. ولا حتى رجاله وأعمدة بنيانه الذين أصبحوا نجوماً تستقبلهم أجهزة الإعلام واللقاءات الخاصة و(المشتركة)!.. فلم يعد رجال الفساد يخفون وجوههم القبيحة تحت أقنعة (البلياتشو) والمهرجين ورجال الثلاث ورقات!! أصبح الفساد- بكل وقاحة - يباشر كل يوم بلون!.. مره نراه في شاشة التلفزيون يترجى الشعب أن يغفر له هفواته غير المقصودة!.. ومرة أخرى نراه يسير في الشارع (يتسول) الجود والكرام من الناس يستجدي عطفهم ومغفرتهم عما اقترفه من ذنوب قاتلة بحقهم!.. ونحن نعرف أنه يظهر لنا بوجه.. ويخفي وجهه الآخر والحقيقي.. فهو الذي يعود من رحاله وتر حاله بين الناس إلى أوكاره ليراجع دروسه الجديدة في سيرة الفساد!! وهو الذي يتوسل إلى الناس أن يفتحوا صفحات جديدة ويطووا الصفحات القديمة.. تلك الصفحات التي تفضح ممارساته وسيرته الفاسدة!! وهو يطلب من الناس ما لا يفعله بنفسه!.. يطلب من الناس طي صفحات الماضي وهو يفتح الصفحات الجديدة في الفصول الجديدة من كتاب الفساد الذي يعلمه ويعلم أهله وحاشيته دروساً جديدة في مسيرة الفساد!!.. يبدأ بتطبيق الفصل الجديد من المرحلة الجديدة في كتاب الفساد.. ويبدأ بتطبيق الدروس الجديدة في اللون المستحدث من الفساد الجديد.. ومن الطراز الجديد؟!.. اعتذر لورود هذه الجملة الأخيرة.. لكنهم - رجال الفساد- يعيدون استجرار التجارب السابقة التي عانى منها الشعب اليمني في الشمال والجنوب!.. ففي الشمال كان الحاكم هو المالك لكل ما على الأرض والناس كذلك.. وعنوان هذا التملك غير المشروع يتجسد في افتتاح كلمات الإمام في مناداته للشعب.. حين يقول «شعبي العزيز» معلنا بذلك تملكه وتحكمه بشكل مطلق للأرض وما عليها!.. وفي الجنوب كان الوضع شبيهاً بما كان عليه الوضع في شمال الوطن باختلاف بسيط وهو أن حراك الجماهير سياسياً في الجنوب ورفضهم الاستكانة والخضوع لما كان ومازال يعاني منه أبناء الجنوب ورمزه عدن.. هذا الحراك السياسي هو ما كان وما زال يميز أبناء الجنوب وعدن بالذات.

فالوعي السياسي والاجتماعي هو المنارة التي كانت ومازالت تنير الطريق أمام أبناء الجنوب وأبناء عدن تحديداً! ومثلما سقط ادعاء الإمامة بتملك الأرض ومن عليها.. سقط أيضاً السياج الحديدي الذي كان يقيد أبناء الجنوب وامتلك أبناء اليمن شمالاً وجنوباً حريتهم وانعتاقهم التام من قيود السيطرة والهيمنة والنفي! فلماذا تجدد المقاومات والرفض لسياسة السلطة المركزية مثلما كانت في الزمن الماضي وأسقطها الشعب بنضاله وكفاحه الدؤوب؟!.. لماذا تتكرر هذه الأيام نفس الانتفاضات الشعبية والمواجهات الشجاعة لأبناء الجنوب في وجه سياسات السلطة المركزية؟.. هل كان ومازال العبث هو الدافع الذي ألهب حماس الجماهير في ذلك الزمن وفي زماننا الحالي؟!.. أم أنه الحق المشروع الذي نادي به الشعب ذات يوم.. واستمرت المناداة من جديد للنهوض ومواجهة عجرفة وعنجهية السلطة الغائبة عن حق الناس المشروع؟.. ففساد الحاكم في ذلك الزمن.. هو نفس الفساد المتجدد بأنماط وأساليب جديدة ومتطورة وبعناصر ورجال من طراز جديد!!.. الجديد في أساليب الفساد ورجاله في هذا الزمن هو أن الفساد ورجاله يخرجون للناس بوجوههم القبيحة ولا يستحون من ازدراء وتحقير الناس لهم.. بل أنهم يجادلون ببجاحة تامة مفسرين فسادهم بأنه عملة دولية رائجة.. وأن العالم كله يتعامل بعملة الفساد التي أصبحت حسب منظورهم هي العملة الأكثر رواجاً؟!.. بينما الفساد ورجاله في الزمن الماضي كان لديهم شيء من الحياء.. وكان الفاسد يخجل من نفسه فيتوارى بعيداً ولا يتجرأ على الاقتراب من الناس كي لا يثوروا في وجهه مثلما كانت للناس ثورة عظيمة في وجه الأمراض الأخرى التي كانت تقتل الشعب كالجهل والفقر والمرض.. حينها كان الفساد ورجاله في طور النشوء والتكوين لذا فإنه لم يكن بحجم المعاناة الأكبر التي كان يعاني منها الشعب!! فهل يستحى رجال الفساد وأباطرته ويدركون أن الشعب يعرفهم جيداً حتى وإن دانت لهم بعض العوامل والظروف الاستثنائية.. فإن اليوم الذي يتمكن الشعب فيه من اجتثاث عروق شجرة الفساد من الأرض الطاهرة ليس ببعيد.

وعليهم التعلم من الدروس التي سبقت لدى البلدان والأنظمة التي كانت تسيس ويتحكم الفساد بكل مقدراتها وإمكاناتها ويعيش الشعب مظلوماً ومقهوراً بفعل ظلم الفساد ورجاله.. فأتى اليوم الذي انتفضت فيه الشعوب.. وسقطت معاقل وقلاع أنظمة الفساد ووقف رجال الفساد في محاكم العدالة الاجتماعية والشعبية لتقول تلك المحاكم النزيهة كلمتها فيهم واحداً واحداً بغض النظر عن مواقعهم ومراكزهم.. فحينها لن يكون هناك قلاع ومعاقل تحميهم وتمنع عنهم أيادي الشعب من أن تصل إليهم وتنزع عنهم كل أحجبتهم وأقنعتهم البشعة ليقول فيهم الشعب كلمته النافذة!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى