حقول .. حدود العقل

> «الأيام» د.صلاح بن محرز:

> عندما قرأت للمرة الأولى رواية بيرل باك (رياح الشرق رياح الغرب) أتذكر حتى الآن أنني تعاطفت حينها مع الفتاة الصينية (كواي لان)، وتأثرت معها تأثرا شديدا فقد كانت على جمالها وفتنتها لا تستطيع أن تتفاهم مع زوجها الصيني الذي تربى في أمريكا، فكلما حدثها عن وجود عادات جديدة خلف أسوار الصين كأن يعيش الزوجان مثلا في بيت منفرد بهما، وأن تمارس المرأة حياتها كالرجل فتغدو وتجيء في عملها يوميا، وأن الرجل بإمكانه أن يلبس ملابس اخرى غير تلك التي يلبسها الصينيون يصيبها ذلك بالذهول، وعندما لا تستطيع أن تفكر بالأشياء الجديدة التي يحكيها لها زوجها تصاب بنوبة بكاء حادة، وهكذا تعاطفت مع (كواي) لأنها لا تستطيع أن تفكر سوى بالشيء الذي تعود عليه عقلها، ولكنني اكتشفت فيما بعد أن هذه المشكلة تواجهنا جميعا ككواي تماما! فالعقل غالبا ما يفكر ويبني أفعاله في الاتجاه الذي تأسس عليه فقط، بمعنى آخر أن المبادئ والأخلاق وكذلك العلوم والمهارات الأساسية التي يتعلمها أحدنا منذ صغره هي التي تحدد الاتجاه الذي يفكر به لاحقا، والمشكلة العظمى أن تفكيرنا في اتجاه واحد، فخذ شخصك مثلا وتخيل أن أحدهم طلب منك ترك وظيفتك مقابل العمل في شركته الكبرى وبخمسة أضعاف الراتب الوظيفي، فإنك غالبا ما ستنظر من جانب واحد للأمان الذي توفره لك الوظيفة عند التقاعد رغم أن عملك بالشركة سيدخر لك مبلغا يكفيك عند التقاعد وحتى وفاة اصغر ابن لك..

هذا الشيء انتبه له المفكر ادوارد ديبونو فأعد كتابا بعنوان (تحسين التفكير بطريقة القبعات الست) أعطى فيه كل قبعة ذات لون معين اتجاها خاصا للتفكير، فصاحب القبعة البيضاء مثلا يميل إلى التفكير بشكل متعقل، يجمع المعلومات والحقائق فيحللها ثم يتخذ قراره، أما صاحب الحمراء فهو دائما ما يفكر في الأمر بشكل انفعالي مغلبا شعوره وحدسه على الحقائق والأرقام، وبالنسبة للسوداء فهي رمز التفكير السلبي صاحبها ينظر للعواقب السلبية فقط، ومع ذلك فهي رمز الحيطة والحذر، أما صاحب الصفراء فهو شخص ينظر للموضوع من جوانبه الإيجابية فقط، إنه متفائل يركز على احتمالات النجاح بشكل أكبر لذا فهو يمثل الحماس، والخضراء قبعة الإبداع يفكر صاحبها بشكل مبدع فيضيف اقتراحات وبدائل تمكنه من إنجاح فكرته، وأخيرا الزرقاء وهي قبعة (الحكم) الذي يجمع كل الأفكار ويخلطها فتصبح الصورة أمامه واضحة.. وأنت بدورك مارس التفكير بلبس القبعات الواحدة تلو الأخرى، فكر في الموضوع بعقلانية، انظر بحدسك نحوه، فتش عن الجوانب السلبية فيه، ابحث عن إيجابياته وتحمس له، أضف له حلولا ومخارج، واخلطها معا ثم اتخذ قرارك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى