الفنان عبدالرحمن باجنيد رائد أغنية الطفل في اليمن!

> «الأيام» د.علي محمد سعيد الأكحلي:

> لن أتحدث في هذا المقال عن الأستاذ عبدالرحمن باجنيد كفنان موسيقي أطربنا بعدة أغان (حوالي 13 أغنية) قام بتلحينها وغنائها . كما لن أتحدث عنه كإعلامي متميز عمل في إذاعة عدن (-1960 1964) أو في تلفزيون عدن (1964 1969-) ، حيث قام بإعداد وإخراج العديد من البرامج التي اشتهرت حينها في الإذاعة أو التلفزيون. ولكني سأتطرق هنا إلى الوجه الآخر لهذا الفنان كرائد لأغنية الطفل في اليمن ، رغم الإشارة السريعة إلى إسهاماته في مجال أغنية الطفل في المقابلتين اللتين أجريتا معه ونشرتا في صحيفة «الأيام» بتاريخ 2005/6/9 وتاريخ 2007/8/20 على التولي.

فبدءاً من عام 1961، قام الفنان باجنيد بتلحين وغناء بعض أغاني الأطفال بعزفه على آلة العود وبمصاحبة الإيقاع فقط ، ثم قام في فترة لاحقة بإدخال آلة الأوكارديون واختار بعض المواهب من البنين والبنات وقام بتدريبهم على غناء الأغاني المخصصة للأطفال من تلحينه ، حيث أبدع البعض منهم أمثال الطالبات صباح منصر، رجاء باسودان وأم الخير العجمي ، اللاتي أصبحن لاحقاً فنانات (مطربات) أسهمن في النشاط الفني في جنوب اليمن آنذاك.

وفي منتصف 1962م، استطاع الفنان باجنيد تكوين فرقة عزف خاصة بأغاني الأطفال في إذاعة عدن ، مكونة من سبعة طلاب مدارس هواة (غير متفرغين) كانت لديهم إضافة إلى آلة الأوكارديون آلة (كزايلوفون) وثلاث آلات (ميلوديكا) مع طبلة ودف (1) . وكان أفراد الفرقة يقومون بدور الكورس للأغنيات التي تتطلب ذلك . وقد قام الفنان باجنيد بتلحين عدة أغان للأطفال اشتهرت حينها مثل: (اجروا ورانا ياعيال) و(آيس كريم ياملاي.. كل العيال حبوك) و (بيع التيس والله ما بيعه) و(فك البوك .. يا ابن أبوك) و(بسبس ناو يا بسبس ناو) وأغان أخرى عديدة ، حيث كان يتم تسجيلها على أشرطة ويعاد بثها كل أسبوع تقريباً من الإذاعة ، مما مكن الأطفال حينها من حفظها عن ظهر قلب .

كما قام أيضاً بإخراج تمثيليات غنائية (أوبريتات) خاصة بالأطفال مثل (تفاحة وبنة) و(يا محمد يا محمد) وأخريات. وقد غرس الفنان باجنيد لدى الأطفال في تلك الحقبة حب سماع الأغاني وترديدهم لها ، سواء في المدارس أو عند اللعب في البيوت أو الشوارع ، وهي ظاهرة مهمة في سلوك تنشئة الطفل كما يشير إليه العلم الحديث.

عند افتتاح تلفزيون عدن في سبتمبر 1964م ، انتقلت الفرقة الموسيقية مع الفنان باجنيد إلى التلفزيون وكانت تظهر بشكل ثابت أسبوعياً في برنامج (ركن الأطفال) وتعزف أغاني الأطفال على الهواء مباشرة. وقد اختار المخرج باجنيد للفرقة الموسيقية ملابس موحدة (يونيفورم) لتظهر بشكل متناسق ، كما اعتمد لكل عضو منها مكافأة شهرية (خمسة دينار جنوبي) تشجيعاً له. وقام الفنان باجنيد بتشجيع المواهب الفتية من الأولاد والبنات على العطاء في مجالات العزف والغناء والتمثيل في التلفزيون ، دون السؤال عن أصله أو فصله .

وقد استمر عطاء الفنان عبدالرحمن باجنيد في مجال أغاني الأطفال خلال عمله بتلفزيون عدن حتى منتصف عام 1969، حيث قام بتلحين أغان عديدة للأطفال ، مثل أغنية (درهانتي لطيفة ..جميلة خفيفة)، وأغان أخرى قام بغنائها مختلف الأولاد والبنات ، و منها ما اشتهر مثل أغاني البنتين (سميرة وفكرية) اللتين كانتا تظهران بشكل دوري في برنامج (ركن الأطفال) . كما قام بترجمة المسلسل الكرتوني (رسوم متحركة) «الكابتن بجواش» ودبلجته باللغة العربية ،حيث كانت تبث حلقة منه أسبوعياً ، إضافة إلى قيامه بتأليف وإخراج الإسكتشات (2) والأوبريتات الغنائية الخفيفة والهادفة والتي أسهمت بدور مهم في تنمية وعى الطفل في مجالات عدة مثل اسكتش (يا مصطفى.. يا مصطفى) عن أهمية المذاكرة للنجاح في الامتحان أو اسكتش آخر عن ضرورة تجنب الأكل المكشوف الذي يباع في الشوارع لتجنب الأمراض الخ... وللأسف، لم يحفظ الأطفال هذه الأغاني التي بثت عبر التلفزيون (أو أغاني الأسكتشات والأوبريتات) لأنها كانت تعرض على الهواء مباشرة ولم يكن ممكناً حينها تسجيل الحلقة على أشرطة فيديو ليعاد بثها في أوقات لاحقة ، كما يحدث حالياً في القنوات التلفزيونية.

ويكفي الفنان باجنيد فخراً أنه أول من أخرج فيديو كليب في اليمن. كان ذلك في عام 1965م حينما قام بتصوير وإخراج أوبريت غنائي موجه للأطفال اسمه (يامحمد يا محمد) سبق أن قام بتلحينه وتسجيله في إذاعة عدن عام 1962م وقام بغنائه الدويتو أسمهان بيحاني مصاحبة مع أخيها الشاب المراهق (ضارب الدف حينها) محمد حسين بيحاني- وهو المخرج المبدع في تلفزيون عدن حالياً. وكانت الأغنية تهدف إلى تعليم الطفل بأن لا يسجن العصفور داخل قفص ليلعب به وإنما هو مخلوق يجب أن يكون حراً طليقاً في الفضاء.

وقد اصطحب المخرج باجنيد أحد مصوري التلفزيون مع كاميرته التي احتوت على فيلم (أبيض وأسود) إضافة إلى أضواء متنقلة وجهاز (مسجلة) لبث الأغنية .

وذهب إلى بستان (الكمسري) في الشيخ عثمان ليقوم بتصوير مشاهد الأغنية. وقد اعتذر الثنائي البيحاني لظروف خاصة عن تصوير الأغنية ، مما حدى بالفنان باجنيد الاستعانة بأحد الأطفال (3) الذين كانوا يشاركون في الغناء في البرنامج التلفزيوني (ركن الأطفال) مع طفلة أخرى لأداء الدور، وقام بتدريبهم على حركات التنقل بين الأشجار وتحريك الفم لمحاكاة كلمات الأغنية وكأنهما الشخصان الحقيقيان اللذان قاما بالغناء. وبث هذا الشريط الغنائي المصور في برنامج (ركن الأطفال) حينها ، واستمر تلفزيون عدن بعرضه خلال برامج الأطفال المختلفة لسنوات عدة بعد الاستقلال كما تم بثه في فترات متقطعة خلال السنوات القليلة الأولى بعد الوحدة (4) .

أخيراً، أتمنى على مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الداعمة للطفولة وجمعيات الموروثات الشعبية عدم إغفال ذكر اسم الفنان عبدالرحمن باجنيد في أنشطتهم كرائد لأغنية الطفل في اليمن وأحد الذين أسهموا في تطوير وتنمية مهارات الطفل اليمني وتذوقه للغناء والتمثيل في فترة من تاريخ اليمن المعاصر. كما كنت أتمنى أن تقوم محافظة عدن بمساعدة هذا الفنان من خلال تمكينه من استلام المحل التجاري المغتصب (5) والكائن في (حافة حسين) في مدينة كريتر والذي ورثه هذا الفنان (مع إخوته) وذلك كأقل تقدير يمكن أن تقدمه مدينة عدن لابنها البار عرفاناً منها لدوره المهم والمتميز في مجال أغنية الطفل .

وفي الجانب الآخر هل نستكثر على الأستاذ الفنان والإعلامي عبدالرحمن باجنيد أن يتحصل على تكريم لائق من قبل الدولة ممثلة بوزارة الثقافة على كل ما قدمه كفنان موسيقي مبدع ورائد في أغاني الأطفال وكإعلامي متميز له إسهامات متعددة في الإذاعة والتلفزيون ، وأخيراً كسفير للإعلام اليمني في دولة هولندا ؟

هوامش:

(1) كانت الفرقة بقيادة الأخ عادل لقمان -عازف آلة الأوكارديون.

(2) مفردها سكتش Sketch وهو مشهد مسرحي قصير عادة ما يكون هزلياً.

(3) الطفل هو كاتب هذا المقال.

(4) قد يكون هذا الشريط لا يزال محفوظاً في أرشيف التلفزيون.

(5) هذا المحل ذكره الفنان باجنيد في المقابلة التي أجريت معه في صحيفة «الأيام» العدد 4503 الصادر 2005/6/9.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى