دمنة خدير:خارج نطاق التغطية في خارطة الوطن ..مشاريع مياه متعثرة..شباب يحلمون بالهجرة..مركز التدريب المهني تسكنه الأشباح

> «الأيام» رياض الأديب :

>
معهد التدريب المهني في دمنة خدير
معهد التدريب المهني في دمنة خدير
استعرضت «الأيام» في حلقتها الأولى أوضاع ومآسي دمنة خدير المتمثلة في الصحة والتعليم والبيئة والطرق.. وفي هذه الحلقة نسلط الضوء على معاناة هذه المدينة رغم المكانة التي تحتلها وذلك في أهم المشاكل التي تعانيها والمطالب التي تحلم بها، آملين أن تلاقي استطلاعاتنا هذه آذانا صاغية من قبل جهات الاختصاص في المديرية والمحافظة ككل.

المياه

تتميز المديرية نسبياً بتوفر الموارد المائية المخصصة للشرب وللاستخدامات المنزلية حيث تتعدد مصادرها من الآبار السطحية اليدوية منها والارتوازية، والتي تنتشر بصورة خاصة في قرى ووديان المديرية وتستخدم معظمها في ري أشجار القات، إضافة إلى بعض الغيول الموسمية التي تتوفر فيها المياه لعدة شهور (مواسم الأمطار) وينضب ماؤها في فصل الشتاء، ومع ذلك فإن أهالي دمنة خدير يعانون من شح المياه في ظل مشروع يضخ مياها مالحة غير صالحة للاستخدام ولأماكن محددة، وفوق كل ذلك ارتفع سعر الوحدة فيه إلى 200 ريال الأمر الذي حدا بمعظم المستفيدين إلى عدم توصيل المياه إلى منازلهم.

هذا هو حال مياه الشرب في دمنة خدير، أما أغلب القرى المجاورة للمديرية فإن مشاريعها قد تعثرت ولا يعلم الأهالي ما هي الاسباب!؟ ومن تلك المشاريع (مشروع الأهجود، مشروع الزيعلي، مشروع الحقيبة، مشروع الخزيعة) الأمر الذي حدا بالنساء إلى جلب المياه على رؤوسهن أو على ظهور الحمير، بينما تستخدم الأسر الميسورة السـيارات لجلب المياه إلى المنازل.

وبصورة عامة يشير الوضع الراهن لخدمة المياه و الصرف الصحي أن معظم أهالي دمنة خدير والمديرية يواجهون صعوبة في الحصول على مياه الشرب المأمونة صحياً، خاصة وأن معظم مياه الآبار في المديرية تعاني ارتفاع نسبة الملوحة.

الأرض والزراعة

يعد النشاط الزراعي النشاط الاقتصادي الأكثر أهمية في المديرية نظراً لما يوفره من فرص عمل لسكان المديرية، وتنتشر في دمنة خدير والقرى المجاورة لها زراعة (الذرة الرفيعة، الذرة الشامية، الدخن) ومعظم الخضروات (الطماطم، البطاطس، الباذنجان...) إضافة إلى بعض الفواكة والحمضيات إلى جانب زراعة شتلات الفواكة والبن وأشجار الزينة كما في وادي ورزان.

غير أن هذه النعم بدأت تتبدد في الأفق في ظل اجتثاث هذه المحاصيل من الأراضي الزراعية الخصبة لتحل محلها أشجار القات.. وفي هذا الصدد يحدثنا نجيب القدسي، فني زراعي قائلا:

«التوسع المفجع لزراعة القات في الأرضي الخصبة التي كانت سابقاً تزرع محاصيل وأشجارا متنوعة كالفواكه والحبوب والخضروات وأعلاف المواشي، حيث وصلت زراعة القات إلى استقطاع 75 % من الأرضي الخصبة نظراً إلى:

- عدم وجود سياسة تسويقية للمنتجات الزراعية.

- زيادة الدخول والأرباح السريعة التي تجنى من زراعة القات.

- عدم توفر المدخلات الزراعية وتسهيل القروض.

- عدم توفير إرشادات تعليمية وإعلامية من شأنه التقليل من زراعة القات».

الأطفال في دمنة خدير يعملون منذ نعومة أظفارهم
الأطفال في دمنة خدير يعملون منذ نعومة أظفارهم
وأبدى القدسي تخوفه من مشكلة خطيرة وأكيدة لهذه الزراعة وهي مشكلة نضوب المياه الجوفية والجفاف في معظم وديان مديرية خدير. ولعل خير شاهد نضوب مياه وادي ووزان نتيجة للآبار الاتوازية التي تستخدم معظمها في زراعة القات في سابقة لم تحدث منذ مئات السنين.

الشباب والبطالة

يمثل الشباب العنصر المنتج والمبدع والقادر على إحداث التطور والتنمية بكافة أشكالها ومجالاتها، فهم نصف الحاضر وكل المستقبل، وشباب دمنة خدير كغيرهم من شباب البلاد الذين شغلوا بتفكيرهم العباد، فما إن يبلغ الشاب أوج قوته ويصبح في ريعان شبابه حتى يكون أول هواجسه الهجرة والاغتراب بعيداً عن الأهل والوطن. وقد يكون الوضع المتأزم حالياً هو أحد أهم الاسباب التي تؤدي إلى ذلك، ولكن كان بمقدور الدولة - إدراكاً منها لأهمية الشباب- أن توفر المناخ الملائم للارتقاء بمهاراتهم ومعارفهم وتوفير ما يحتاجون إليه في حاضرهم ومستقبلهم.

وشباب دمنة خدير مستاؤون من تهميشهم.. ويقول نجيب هزاع نعمان (28 عاما) متزوج وأب لطفل، يعمل موزعا للروتي في أحد أفران دمنة خدير خريج شريعة وقانون من جامعة العلوم والتكنولوجيا بمحافظة تعز (99 - 2000م): «أنا يئست من الجري وراء الوظيفة.. وأتحسر على أيامي التي أفنيتها في الدراسة دون فائدة.. تابعنا في الخدمة المدنية ولكن متابعتنا لم توصلنا إلى شيء، أنا غير راض عن عملي فهو لا يوفر قيمة كيس دقيق شهرياً ولكن ما باليد حيلة. شاءت الأقدار أن يكون موزعو الروتي في اليمن حاصلين على بكالوريوس شريعة وقانون ومن أرقى الجامعات في اليمن».

> رضوان محمد علي (26 عاماً) متزوج وله طفلان، حاصل على دبلوم قرآن كريم من المعهد العالي بالهجر، رأس ماله (عربة) يبيع فيها السندوتشات.. يحدثنا أنه يعمل في هذه المهنة من أجل لقمة العيش بعد أن تقدم بملف التوظيف للخدمة المدنية دون جدوى، وهو يصف أحد المشاهد التي اختزنتها ذاكرته من أجل الوظيفة: «في الانتخابات الرئاسية سمعت قول الرئيس بالقضاء على البطالة وتأكدت أنني من الموظفين بعد هذا الخطاب، وبالتالي تحمست لانتخاب الرئيس، ولكننا إلى الآن ننتظر.. فمتى تنتهي البطالة؟!».

كثير من شباب دمنة خدير إما وفقوا بمهنة تسد جوعهم أو ضلوا، فهناك سائقو الدراجات النارية وهناك بائعو القات وهناك وهناك...إلخ.

الجدير بالذكر أن أغلبية الشباب في دمنة خدير يستنكرون وضع نادي دمنة خدير وما آل إليه مؤخراً، فالنادي الذي تأسس عام 1980 وأصبح عام 1994م في المرتبة الثانية في النشاط الثقافي في الجمهورية، هو اليوم في خبر كان ووصل إلى حالة يرثى لها من الجمود من عدم ممارسته ومشاركته في الأنشطة ما عدا كرة القدم، وهذا يعود الى:

إدارة النادي غـير الفاعلة، عـدم وجود مقر للنادي بل إنـشاء (دكان) مؤجر كملعب للبلياردو والأتاري.. ولعل أهم المصائب التي لم تكن بحسبان أحد في دمنة خدير هو التحايل على ملعب كرة القدم من قبل مكتب الأوقاف في المديرية وأحد تجار الأراضي الذين قاموا بالاستيلاء عليه، وما تزال القضية منظورة أمام المحكمة.

مركز التـدريب المهني فـي دمنـة خدير (ضبون) الذي كان يعد فاتحة خير لشـباب المنـطقة لم يـر النـور قط ولم يفرح بـه شباب المنطقة، فالمركز الـذي كـان مجـهزا بأحـدث المعـدات والأجهزة مـن ورش كهرباء وميكانـيك اخـتفى فجـأة ومنذ 17 عاماً لا أحد يعرف أين ذهبت معداته وتجهيزاته، فيما لا يزال مبنى المعهد قائماً تسكنه الأشباح والعناكب.

شباب دمنة خدير يعانون البطالة
شباب دمنة خدير يعانون البطالة
الأطفال والعمالة

أطفال في عمر الزهور بدمنة خدير، احلامهم تفوق أعمارهم، ابتسامتهم لا تبارح وجوههم حتى تترك خلفها آهات من الكبت والحرمان.. بائعو اللوز أعينهم الزائغة تلاحقك برجاء لشراء بضاعتهم، بائعو (الزنابيل) تبح أصواتهم وهم يستعطفونك إن لزم الأمر لتقتني منهم (زنبيلاً).. أما باعة البيض المسلوق فكأنهم على كرسي الخلافة - أو هكذا توهمت - وهم يرون بيضاتهم حولهم وكأنها مكلفة بحمايتهم من ظنك العيش وبؤس الحياة. وغيرهم الكثيرون ممن أعمالهم تجاوزت أعمارهم.

أياد صغيرة إن لم تمسك بمفتاح الورشة ومطرقة الحداد تُقذف إلى مهب الريح ولهيب الشمس.. إنها لقمة العيش التي تجبر الأطفال على الخروج من منازلهم، فوراء كل منزل حكاية ووراء كل حكاية رواية ووراء كل رواية ما تتفطر له القلوب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى