رصد.. جمال طبيعي آسر وجبال شاهقة وبينهما أسرار!

> «الأيام» منصور بلعيدي:

>
(رُصُد) مديرية تتبع محافظة أبين، وتقف بين سلاسل جبلية شديدة الوعورة وتعد من أهم مناطق يافع سكاناً ومساحة وإنتاجاً زراعياً وحراكاً سياسياً فاعلاً.. لكنها على أهميتها هذه لا تحظى بقدر كاف من اهتمام السلطات، فمعاناة أهلها كبيرة ومتنوعة.. أزمة مياه الشرب، شحة المصادر وضعف البدائل، وانعدام النظافة في عاصمتها، فأحواض الصرف الصحي المكشوفة وعشوائية بناء خزاناتها من قبل مقاول لم يلتزم بأدنى شروط المواصفات تهدد بالاختلاط مع مياه الشرب مما يقود إلى كارثة بيئية خطيرة.. وسلطة محلية غائبة أو مغيبة.. باعة يفترشون الأرض بين كوم القمامة يعرضون بضائعهم في سوق (السبت) الذي يجتمع فيه كل مواطني المديرية وما حولها لاقتناء احتياجاتهم .. تناقض صارخ بين حال المدينة البائس ومنظر المنطقة العام الذي يشكل لوحة فنية رائعة، بجبالها الخضراء، وحقولها الوارفة باشجار النقيضين (البن والقات) ومدرجاتها البديعة التي تتسلق السفوح والقمم وتعانق الجبال النائفة في حميمية تؤكد قدرة الإنسان على إخضاع الطبيعة لصالحه رغم صعوبتها.. وتتجلى روعة الإبداع في إتقان وصفّ المدرجات بصورة عجيبة من أدنى الأرض إلى قمم الجبال المزدانة بمزروعاتها النضرة الآسرة.. إنها تحكي قصة إبداع متقن من بسطاء الناس، فالحاجة أم الاختراع.

الطريق أولا وثانياً وأخيراً

> التقيناه وهو يمضغ القات على أريكته الخاصة، فحدثنا مدير عام مديرية رصد فضل السليماني عن أوضاع المديرية وأهم احتياجاتها قائلاً: «أولاً نرحب بكم ونشكر لكم تجشم عناء السفر للوصول إلينا رغم صعوبة مسالك الطرق بين الجبال والوديان، وبالتأكيد أنكم قد لمستم كم هي معاناة أبناء يافع كبيرة بسبب عدم تعبيد الطريق الذي يسهل التنقل من وإلى المديرية.. وتظل هذه المعاناة قائمة حتى يتم انجاز مشروع طريق باتيس- رصد-معربان كونه من أهم المشاريع الحيوية لمنطقة يافع بأبين، فالطرق شريان الحياة».

ويضيف: «تمت معالجات وإجراءات من قبل القيادة السياسية ممثلة بالأخ الرئيس علي عبدالله صالح، ونتج عنها الاتفاق بين وزارة الأشغال اليمنية وسفير دولة قطر الشقيقة على تنفيذ هذا المشروع بطول 96 كيلو مترا.

وتم رصد مبلغ (90) مليون دولار مقدمة من دولة قطر لهذا المشروع وسيتم دعوة الشركات المؤهلة للمناقصة على تنفيذ هذا المشروع قريباً».

مياه شحيحة..ومشاريع فاشلة

وعن قضية المياه تحدث المدير العام عن مرحلة جفاف مرت بها المديرية لأكثر من ثلاث سنوات متتالية «مما أثر على المخزون الجوفي للمياه، وتمت بعض المعالجات من قبل السلطة المحلية منها عمل حواجز وسدود، وحفر آبار إضافية ولكن بعض الآبار لم تنجح.

وكون المديرية عبارة عن سلاسل جبلية ووديان ذات طبيعة صلبة فقد وجدنا أن المخزون الجوفي من الماء غير كاف، ولا بد من مشروع استراتيجي لتغطية حاجة المديرية من المياه، كما أننا نعاني عدم إيجاد وسيلة لنقل آليات الحفر الكبيرة لعدم تعبيد الطريق رغم أن المياه على عمق 185 - 195مترا حسب تحديدها بجهاز (جيوفيزيائي).

صدق أو لا تصدق .. لقد وجدت النظام والقانون في يافع!

في ظل ما يعيشه الوطن من غياب كامل لتطبيق النظام والقانون على الجميع دون تفريق ليصبح الانفلات الأمني هو السائد وما دونه دخيل على واقع الحياة اليوم، فقد وجدت أن مناطق يافع تمثل الاستثناء في وسط هذه الفوضى الطاغية.. إنهم يطبقون القانون والنظام في واقع حياتهم بسلاسة مدهشة جعلتني أصرخ لا إرادياً في وجه رفقاء الرحلة على غرار (ارشميدس): وجدتها.. وجدتها.. نعم لقد وجدت النظام والقانون بشحمه ولحمه حياً يرزق في يافع.. لم تؤثر عليه عوامل التعرية التي خيمت على وطن 22 مايو 90م ومازال الناس هنا متساوين أمام القانون.. ومازال القانون سيفاً مسلطاً على من يخالف نصوصه والناس في يافع يسيرون حياتهم وفق مقتضيات القانون، والكل يرى في التزامه بالقانون خلاصاً له من ويلات كثيرة.

يافع.. ممنوع الثأر!

الثأر مرض عضال استعصى علاجه في اليمن.. ومن أسباب استعصائه وجود نظام سياسي يستثمر آلام الناس ويعيش على حساب جراحاتهم ويذكي الصراعات القبلية ويغذيها ليشغل بها الناس عن عيوبه ليتركوا له الميدان خالياً، لكن يافع وأهلها استطاعوا منع هذا الوباء من دخول منطقتهم ورفضوا التعاطي مع هذه الظاهرة السيئة.. وكان لهم ما أرادوا. مدير عام مديرية رصد قال لنا: «لا توجد في يافع مشاكل ثأر، وتلك منة من الله تعالى أن جعل الناس هنا يرفضون هذه الظاهرة السيئة»..

ويضيف: «إذا ما حدثت مشكلة قتل أو إصابة فإنها تصبح مسؤولية فردية يقف الجميع ضد مرتكبها بما في ذلك ذوي قرباه..وبهذا السلوك الإيجابي قضى أبناء يافع على هذه الظاهرة تماماً».ويختتم حديثه بهذا الشأن بالشكر لأبناء يافع «على وعيهم الرفيع وحرصهم على السلام والوئام الاجتماعيين وذلك ما ساعد السلطة المحلية على التفرغ لمتابعة مشاريع المديرية».

سلوك إيجابي آخر

ويضيف المدير العام قائلاً: «هناك سلوك إيجابي مسؤول تمارسة القوى السياسية في المديرية يصل إلى الالتقاء الفصلي لممثلي الأحزاب والتنظيمات السياسية في المديرية وأولها المؤتمر الشعبي العام لتدارس أوضاع المديرية والتعاون التام فيما يخدم المصلحة العامة». ويضيف: «ونشكر إخواننا في أحزاب المعارضة على تجاوبهم معنا ووضع مصلحة المديرية على رأس أولوياتهم وهذا ما جعلنا كالفريق الواحد رغم اختلاف البرامج والسياسات في وصورتها العامة بين الأحزاب».

الوجه الآخر للصورة

> لكي تتضح الصورة بشقيها الرسمي والشعبي أجرينا لقاءات مع بعض المواطنين في سوق (السبت) بالشارع العام، وكان الأخ نصر سعيد عاطف (ضابط بالأمن السياسي) أول المتحدثين حيث قال: «أهم مطالبنا هي الطريق والمياه وتوسيع شبكة الكهرباء لتشمل كل المناطق ووقف فساد المسؤولين».. قلنا له: يقال إن مدير المديرية رجل طيب فقاطعنا قائلاً: «ولكن الفلوس إلى جيبه» ولم يعقب.

> أما المواطن سليمان علي مقبل (معلم) فقال: «أهم مشاكلنا تكمن في عدم تعبيد الطريق وشحة المياه وتردي أوضاع التربية والصحة واستخفاف السلطة بمعاناة الناس».. ويضرب مثالاً على ذلك الاستخفاف قائلاً: «مدرسة (ضبة) قديمة ومتهالكة وبعد أن بحت أصواتنا بالمطالبة بترميمها جاء مهندسون من الصندوق بالمحافظة ووافقوا على استحداث المبنى كاملاً وطلبوا مساهمة المواطنين واتفقنا معهم على أن المساهمة هي أن نقوم بهدم المبنى القديم وتوفير الأحجار للبناء، ونفذنا ما علينا، إلا أن الصندوق لم يف بوعده.. فلا نحن أبقينا على المبنى القديم على علاته ولا الصندوق وفى بالتزامه.. وأصبح الطلاب يدرسون في العراء» ويتساءل بغضب: أليست هذه قمة السخرية؟!.

الاختلاط في المدارس مازال سارياً

مازال الطلبة والطالبات في رصد يدرسون في مدارس مختلطة، وخاصة الثانوية.. ويعزو الأستاذ عبده سالم السبب إلى «عدم وجود معلمات في المديرية، والأدهى من ذلك أن الطالبات في ثانوية رصد يدرسن على البلاط لعدم وجود كراسي».. كما أن الثانوية تفتقر إلى المختبرات وتعاني النقص الحاد في معلمي المواد العلمية كما أفاد المعلمون.

> أما الأخ فضل محمد عبدالله فقال: «لا توجد في رصد وحدة صحية رغم اعتمادها منذ سنوات، والأمراض تتزايد بسبب وجود المستنقعات، وخاصة مرض الملاريا، يقابلها ضعف حاد في الرعاية الصحية عموماً».

هامشية المجلس المحلي!

> المواطن محي الدين علي حيدرة، عضو المجلس المحلي برصد (مؤتمر) رحب بنا في البداية وطلب مني إثبات الشخصية ثم قال: «ما تزال المركزية الشديدة تعيق إنجاز المشاريع التي تهم المديرية، وأخطاء المجلس السابق مازالت تجر أذيال الفشل على المجلس الحالي.. فقد خطط السابق لمشاريع حيوية ولكن جاء من يستبدل بها مشاريع فاشلة تلتهم المخصصات وتلغي دور المجلس، والتخطيط نفسه كان خاطئاً حيث خطط لمشاريع بما قيمته (70) مليون ريال بينما مخصصاته لا تتجاوز (50) مليون ريال فاضطر للمناقلة على حساب عام 2007م ليصبح المجلس المحلي الحالي بلا موازنة حتى عام 2008م وليصبح دوره هامشياً في أحسن الأحوال».

مشاريع ليلية!

ويضيف محي الدين: «جاءت مشروعات صغيرة ولكنها مفيدة للمديرية مثل: مشاريع الري والحفاظ على التربة وبناء الكرفانات وغيرها ورصدت مخصصاتها، لكنها لم توزع حسب حاجة المناطق ولا عبر المجلس المحلي بل وزعت ليلاً بطريقة غريبة وغامضة.. فسميت بـ(المشاريع الليلية)».

> أما المواطن عبد جبران أحمد، أحد قيادات اللقاء المشترك في رصد فقال: «لم تلمس المديرية أي مشاريع استراتيجية خدمية، ومنها مشروع طريق باتيس- رصد الذي تكررت الوعود بإنجازه ووضعت له حجر الأساس منذ قيام الوحدة ومازال بلا تنفيذ وكذا مشروع استراتيجي لمياه الشرب نظراً لشحة المياه الجوفية في المديرية، ولا يوجد مستشفى عام ولا معهد تقني مهني.. وتزداد معاناة الناس من الفقر والبطالة وارتفاع تكاليف المعيشة والدواء المتصاعدة دوماً.. وقد وقفت قيادة اللقاء المشترك في المديرية أمام هذه القضايا الهامة والمتعلقة بحياة الناس، إلا أن حواراتها مع قيادة المديرية (المؤتمرية) لا تثمر معالجات لهذه القضايا وغيرها».

تزايد أرصدة.. وزيادة معاناة!

وهكذا نخلص إلى أن معاناة الناس في يمن الإيمان والحكمة تتفاوت من منطقة إلى أخرى بنسب معينة.. لكن المناطق النائية والمديريات الريفية تتحول في كثير من الأحيان إلى (اقطاعيات).. ولهذا نرى المعاناة تزداد سوءاً في مثل تلك المناطق البعيدة عن مواقع القرار.. وتظل معاناة الناس تزداد بمتوالية حسابية.. لكن أرصدة المسؤولين تزداد بمتوالية هندسية على حساب هذا المواطن الغلبان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى