عبدالقادر أحمد قائد لـ«الأيام»:البحث في الموسيقى يحتاج لتفعيل دور مركز التوثيق الفني بوزارة الثقافة

> «الأيام» مختار مقطري:

> فنان وعازف من أمهر وأكفأ العازفين على آلة الكمان في اليمن، له بصمات واضحة وإسهام كبير في تأسيس ونشاط العديد من الفرق الموسيقية الرسمية والأهلية، تاريخه طويل مع الموسيقى ومؤسس على موهبة كبيرة ودراسة أكاديمية وقد اتجه منذ عدة سنوات إلى التأليف والبحث والتوثيق الموسيقي والغنائي في اليمن وتوجت جهوده بصدور كتابه الأول (من الغناء اليمني) وما زال يوظف جهوده الكبيرة في هذا المجال الصعب الذي يحتاج لجهود مضنية ومصادر معلومات قليلة ونادرة وتفرغ شبه تام ويحتاج لوسائل تقنية متطورة وتوفر المال. حول هذا المجال وقضايا فنية أخرى يحدثنا عبدالقادر أحمد قائد في الحوار التالي:

< سيرتك الفنية باختصار.

-البداية كانت في الفرقة الموسيقية المدرسية التابعة لمدرسة الجمهورية بالشيخ عثمان واهتمام المربي القدير الراحل أبوبكر زين عدس الذي أخذ بيدي في هذه المرحلة من عام 1969م فقد كنت عازفاً فيها على آلة الأكورديون ومن بعد ذلك عازفاً على الكمان في فرقة الأنوار الموسيقية التي تأسست على أنقاض فرقة الطلائع المدرسية السابقة عام 1971م ومنها التحقت بالفرقة الموسيقية الحديثة بقيادة عازف الكمان الشهير نديم عوض إلى جانب ممارستي لهوايتي الموسيقية في فرقة الأنوار، وفي عام 1973م التحقت بمعهد الموسيقى بعدن وكنت حينها طالباً في المرحلة الثانوية (الفترة الصباحية) بينما كانت الدراسة في المعهد مسائية حرة وبعد إكمال المرحلة الثانوية في الفترة الصباحية والموسيقية في المساء في عام 1976م تحصلت على منحة دراسية إلى روسيا الاتحادية (مدينة لينينجراد - سانت بطرس برج) معهد الثقافة الحكومية (كروبسكايا) وتخرجت فيه عام 1982م بعد حصولى على درجة الماجستير في قيادة وتنظم الفرق الموسيقية (علوم موسيقية) وبعد التخرج بشهرين التحقت للعمل مدرساً في معهد الفنون الجميلة الذي تأسس في عام 1979 (دراسة نظامية ما بعد المرحلة الموحدة).

< لماذا اتجهت إلى التأليف عن تاريخ الأغنية والموسيقى في اليمن؟

- كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أهمية البحث عن تراثنا الفني نغماً وإيقاعاً بألوانه المختلفة وجمعه وتحليله والعمل على توثيقه بالنوتة الموسيقية ولأنني واحد من الذين نالوا قدراً من التعليم الموسيقي المبني على أسس علمية فقد وجب علي العمل في هذا المجال الذي من خلاله نستطيع أن نوثق ونحمي تراثنا الغنائي من كل من يحاول أن ينسب لنفسه بعضاً منها أكان لحناً أم شعراً، ونعرّف الآخرين بأصالة هذا الفن الذي أصبح معرضاً لمحو هويته وانتمائه ونقول لهؤلاء الذين أخذوا ينهلون من معين الأغنية اليمنية دون مراعاة لذكر المصدر أو نسبها إلى أصحابها الحقيقيين لا بأس من اغتراف ما هو مفيد وناجح ومشرف بشرط الإشارة إلى المصدر لضمان الحقوق المادية والمعنوية والحفاظ على هوية الغناء اليمني ونحن في اليمن لا ننكر أنهم بذلك إنما يسهمون في نشر الأغنية بشكل أو بآخر لما لهذا الفن من أصالة وشهرة ونجاح.

< ما هو مستقبل التأليف والبحث عن التراث الغنائي والموسيقي في اليمن؟

- التأليف والبحث في هذا المجال بحاجة إلى توجه صحيح وحشد للطاقات والإمكانات وتفعيل دور مركز التوثيق الفني في وزارة الثقافة وعدم الاكتفاء بجمع الاسطوانات والتسجيلات من هنا وهناك وتوثيق اسم الشركة التي قامت بالتسجيل أو المطرب الذي غنى وفي أي عام تم ذلك بل يجب الاستفادة من كل العناصر الأكاديمية والبدء بالنزول إلى كل المناطق اليمنية للمسح والجمع والتوثيق ومن ثم فرز ذلك التراث واعتماد الأصالة في تنفيذ هذه المهمة وهي مسؤولية كبيرة تقتضي توخي الحرص والدقة في ترجمة الألحان بإيقاعاتها ومقاماتها بالنوتة الموسيقة بكل أمانة، ويجب على وزارة الثقافة الاهتمام والعناية بالمركز والاستفادة من كل الكوادر الموسيقية المؤهلة وإشراكها في عملية الجمع والتوثيق وتكليفها بالنزول إلى كل المناطق كما تفعل مع أي مستشرق أو باحث يأتي إلى اليمن للبحث عن المادة التي جاء من أجلها ليصل إلى أعلي المراتب العلمية بتقديمه لتلك المادة موضوع بحثه، فلمَ لا نعمل كذلك مع الخبرة والكفاءة من الكوادر اليمنية ونقوم بتوفير كل الإمكانات لها كما وفرناها وسخرناها لذلك الذي يأتي في خارج اليمن ليتحصل على المادة دون أن تستفيد اليمن من تلك البحوث والنتائج التي جمعت، لذا يجب الإسراع بإمداد المركز بكافة التجهيزات والوسائل ووضع الخطط لإجراء المسوحات الميدانية اللازمة لجمع وتوثيق تراثنا الفني المتناثر وتوفير المادة التي سوف تخدم الدارسين والمختصين وتمكنهم من الوصول إلى كثير من المعلومات المهمة عن الغناء اليمني وتسهل عليهم إجراء الدراسات التخصصية في مجال البحث عن هذا التراث والعمل على جمعه وتدوينه وإيصاله بأمانة للأجيال التواقة إلى غد وضاء مشرق في عالم الفن اليمني الأصيل.

< هل تمارس التلحين أحياناً؟

- أمارسه في الجانب التعليمي فقط لوضع بعض الجمل اللحنية التي تساعد الطلاب على فهم وتطبيق الدروس في مادة النظريات الموسيقية العامة وهي المادة التي أقوم بتدريسها في المعهد وماعدا ذلك فإنني أكرس جهدي ووقتي ما استطعت وتسخير كل إمكاناتي العلمية من أجل العمل على جمع وتوثيق ما تيسر لي من ألحان وإيقاعات يمنية والكتابة عن تاريخ الأغنية اليمنية.

< ماذا عن مقومات تطوير معهد جميل غانم للفنون الجميلة بعدن؟

- في الواقع معهد جميل غانم مر ولا يزال يمر بأوضاع غاية في الصعوبة وهو بحاجة إلى إنقاذ وانتشال أوضاعه ولا يكفي أن تقوم وزارة الثقافة بترميم شامل للمعهد وصرف الملايين من أجل ذلك لأن المعهد ليس نوافذ وجدراناً وأبواباً وأرضية من رخام فاخر ولكنه بحاجة إلى انتشال أوضاعه بدءاً بأوضاع هيئة التدريس ومناهجه الدراسية وآلياته التنظيمية والإدارية وانتهاءً بمدخلاته ومخرجاته التعليمية، هذه الأوضاع تراكمت من سنين طويلة وشكلت عائقاً أمام فاعلية المعهد ونأمل أن يكون مستقلاً مالياً وإدارياً وأن تقوم الوزارة بالسعى والعمل من أجل توأمة المعهد مع معهد آخر مماثل له في أية دولة عربية فعل علمتم أن مستشفى يستقبل مرضاه دون أن يتوفر فيه أدنى وأبسط وسائل العمل من طاقم طبي وتمريضي ومختبرات وأسرة ثم نطلب من المريض التوجه إلى هذا المستشفى للعلاج، كذلك حال المعهد الذي يكاد يخلو من كثير من كوادره المؤهلة التي هجرته إما إلى الخارج أو إلى مرافق أخرى ومنهم من توفاه الله والبقية بحاجة إلى التأهيل للرفع من مستوى أدائهم العلمي والعملي حتى نستطيع أن نخطو بالمعهد إلى أعلى مراتب التعليم وينتقل من كونه مجرد معهد متوسط إلى كلية تتوفر لها الإمكانات والوسائل وما يحتاجه كل قسم من ءقسامه الثلاثة (موسيقى، مسرح، فنون تشكيلية). كما أن المعهد يعاني ضعف الإقبال عليه وخصوصاً في السنوات الماضية والأسباب كثيرة ومنها أن لجنة كانت تقوم بالنزول إلى المدارس قبل الانتهاء من العام الدراسي في المرحلة الأساسية وتشرح للطلبة دور المعهد في صقل وتنمية المواهب وتطورها في أقسامه الثلاثة الأمر الذي يحفز الطلاب ويجعلهم يفكرون في الالتحاق بالمعهد وهذا ما كان يسعى له المعهد في سنوات دراسية سابقة، أما الآن فلم يعد لهذه اللجنة دور يذكر ولم تعد تمارس عملها في الترغيب لطلبة هذه المرحلة للالتحاق بالمعهد.

أضف إلى ذلك أن الطلاب الملتحقين بالمعهد هم من محافظات بعيدة ومن أسر فقيرة وبسبب عدم توفر الغذاء لهم سرعان ما يتركون الدراسة ويعودون إلى مناطقهم ومن الأسباب أيضاً أن مدرسي المعهد قد دب فيهم التذمر والتقاعس في أداء واجباتهم العلمية نتيجة عدم تسوية أوضاعهم أسوة بزملائهم في المعاهد التخصصية الأخرى فلم يتم منحهم علاوة قانون المعاهد أو طبيعة عمل أو تأهيلهم للرفع من مستوى أدائهم.

إن معهد جميل غانم للفنون الجميلة هو صرح علمي وثقافي مهم بوسعه رفد الساحة الفنية بالكثير من الكوادر الفنية المؤهلة من موسيقيين وتشكيليين ومسرحيين إذا صدقت النية في تصحيح أوضاعه وتوفير كل ما يلزم لذلك ولا يسعنا هنا إلا أن نذكر أن المعهد قد لعب دوراً مهماً في صقل وتنمية المواهب وتأهيلها وكثير من تلك الكوادر التي تخرجت فيه قد احتلت أماكنها في أبرز الفرق الموسيقية والمسرحية والمدارس وقام التشكيليون منهم بإبراز قدراتهم من خلال تنظيم معارضهم في داخل الجمهورية وخارجها وهكذا يجب أن يكون دور المعهد كما عهدناه من قبل.

< هل أنت راض عن واقع الغناء والموسيقى في اليمن؟

-لا طبعاً، الواقع الفني اليوم لا يرضي أحداً منا فالساحة الفنية أصبحت خالية من أي نشاط عدا تلك الحفلات الموسمية التي تقام في المناسبات الوطنية فقط، وأصبح أنصاف الفنانين منتشرين في كل مكان يعيدون ويجترون القديم ويعتاشون منه ليس هذا فحسب ولكنهم يسطون على أعمال غيرهم دون مراعاة لحقوقهم من أشعار وألحان وأصبح الفنانون الحقيقيون قابعين في منازلهم ويحتفظون بما لديهم من أعمال جديدة ولا يستطيعون تسجيلها في إذاعة أو تلفزيون وفوق ذلك يرثي المرء للحال الذي يعيشه العازفون العاملون في الفرق الموسيقية من هدر وضياع لحقوقهم فلا يرمى لهم إلا بالفتات إذا ما شاركوا في تسجيلات أو سهرات إذاعية وتلفزيونية أو في الحفلات الموسمية اليتيمة.

< في العصر الذهبي للأغنية اليمنية بعدن لم تكن هناك وزارة ثقافة تدعم الحركة الفنية فماذا عن اليوم؟

- في العصر الذهبي للأغنية اليمنية كانت الساحة الفنية مليئة بالفرق الموسيقية التي ساعد قيامها الطوعي من قبل كثير من شباب عدن على انتشال وضعية الأغنية في عدن وتطويرها وإبرازها في قالب فني محلي جديد، فقامت الندوة العدنية ومن بعدها الرابطة الموسيقية العدنية وفرقة مدرسة بازرعة الخيرية وفرقة رابطة شباب التواهي ثم الحديثة والعربية والأنامل والشرق والداخلية وفرقة أول مايو وفرق أخرى قامت بعدها، فامتلأت الساحة الفنية بالجديد، وتسابق الفنانون على تقديم أفضل ما لديهم من إنتاج لكسب حب الجمهور ورضاه حتى وصل الأمر ببعضهم إلى تنظيم وإقامة حفلات شعبية على مسارح دور السينما ببعض مناطق عدن والدخول في تنافس شريف ساهم في إذكائه الكثير من الشعراء الذين أعطوا أروع ما جادت به قرائحهم مما جعل الفنانين يتنافسون في إنتاج المزيد من روائع الأعمال التي تميز بها ذلك العصر.واليوم وبعد أن انصهرت الفرق الموسيقية في عدن - على سبيل المثال- وأصبحت خاضعة لوزارة الثقافة نراها تفتقر إلى كثير من الدعم الذي يتمثل في:1) إدخال عناصر جديدة مؤهلة في هذه الفرق تحل محل الأعضاء الذين توفاهم الله أو الذين تقاعدوا من الخدمة أو الذين ظلوا في مستواهم محلك سر دون أن يحاولوا تطوير أنفسهم من خلال التمرين الدائم والمستمر لتحسين مستوى أدائهم. 2) انعدام الإدارة المؤهلة التي تشرف على نشاط هذه الفرق وتسعى لتفعيل نشاطها بشكل مستمر ودائم. 3) قلة الدعم لها من تجديد لآلاتها الموسيقية وقطع غيارها. 4) عقد دورات تأهيلية لعناصر تلك الفرق التابعة لإدارات الثقافة في عدن أو صنعاء أو في المحافظات الأخرى للرفع من مستوى أدائها. 5) انعدام البنية التحتية من مسارح ومراكز ثقافية ودور ومجمعات ثقافية ومراجع سمعية وبصرية. 6) رفع المستوى المعيشي للأعضاء لتجنيبهم السؤال والوقوف أمام أبواب المسؤولين في هذه الوزارة أو تلك. 7) العمل على رعاية قدامى الفنانين كافة وتوفير كل ما يضمن لهم العيش الكريم من مجانية التطبيب وتحسين رواتبهم أثناء العمل وعند التقاعد وصرف مبلغ إضافي لهم من صندوق التراث الخاص بالوزارة أسوة بمن يصرف لهم من العاملين في حقل الثقافة.

نأمل أن تتحقق كل مطالبنا وأمانينا وما ذكرناه آنفاً لا يتعدى الحد الأدنى من أبسط مقومات دعم الحركة الفنية والعاملين فيها.

< ماذا عن كتابك القيم (من الغناء اليمني- قراءة موسيقية)؟

- كما تعلمون فإـن العمل في هذا المجال ليس بالأمر الهين فبمجرد أن تفكر في مشروع كتاب فهذا يتطلب منك جهداً كبيراً لتوفير كثير من المواد التي تخدم هذا المشروع إضافة إلى ذلك فإن القيام بمثل هذا العمل يتطلب توثيق أعمال غنائية كثيرة وتدوينها بالنوتة الموسيقية وحصر إيقاعاتها ومقاماتها وتدوينها إضافة إلى الكتابة عن المطربين الذين سيتم تناولهم في الكتاب مع كثير من المعلومات والتحليل المقامي والإيقاعي وحتى أتمكن من البدء في هذا المشروع فأنا مازلت أجمع وأدون ما استطعت متى ما توفر لدي الوقت الكافي.

هناك مشروع نفذت فيه ما نسبته %70 وهو تدوين الأغاني الواردة في ديوان (المصدر المفيد في غناء لحج الجديد) لباعث النهضة الفنية في لحج وبانيها القمندان أحمد فضل بن علي محسن العبدلي، ومازلت أنتظر البقية الباقية من الأغاني التي لم تدون حتى يكتمل العمل وتنتهي مهمتي فيه. كما أن هناك كتاباً قام بإعداده الأستاذ أديب قاسم عن مراحل حياة الفنان عبدالكريم توفيق وفنه، وكانت مهمتي فيه هي تدوين الأغاني التي قدمها خلال مسيرته الفنية، إلى جانب إسهامي في الكتاب الذي يعده الأستاذ الباحث علي محمد يحيى ومهمتي فيه هي الكتابة عن الفنان الراحل أحمد قاسم وتدوين بعض أغانيه التي فقدت ولم يتم العثور عليها مما استدعى تدوينها بالنوتة الموسيقية وإدراجها في الكتاب. ختاماً أشكرك وأشكر صحيفة «الأيام» الغراء على هذا الحوار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى