بداية القرن لم يتجاوز السكان خمسة وعشرين ألفاً ..ماء «البمبه» للشرب والآبار للأغراض الأخرى

> «الأيام» فاروق لقمان:

>
رجال ينقلون المياه بالقرب من الصهاريج في بداية القرن العشرين
رجال ينقلون المياه بالقرب من الصهاريج في بداية القرن العشرين
كان سكان عدن لا يزيدون على 25000 نسمة في مطلع القرن العشرين حوالي 1907/1908 وماء الشرب يقطر بواسطة كنداسة «بمبه» في جزيرة صيرة وحجيف والتواهي والماء البري يرسل إلى عدن من بئر في الشيخ عثمان، بالتحديد في «الشيخ الدويل» بأنابيب إلى جبل حديد.

ومن هناك تحمله عربات الجمال وتوزعه على البيوت والناس يغتسلون بالماء المالح من الآبار المحلية التي كانت موجودة في أكثر الحارات وأهمها آبار المساجد للوضوء وبئر زعفران مقابل مطعم الطاؤوس وفي حافة حسين وحافة العيدروس وفي سوق الحراج وفي أماكن كثيرة وقد دفنت كلها تقريباً. وأود ان اذكر ان كنداسة وبمبه كلمتان تعدنتا من الإنكليزية «كندنسر» ومعناها جهاز مكثف و«بمبه» معناها مضخة.

ويقول الوالد رحمه الله:

«ومساجد عدن كانت ولا تزال تضارع مساجد زبيد في كثرتها فإن فيها أكثر من سبعين مسجداً وكان أهم السقاة وبائعي الماء والورادين من العدنيين مثل المخوش الذي كانت له محطة في السيلة أمام مركز الشرطة امام بيت إدلجي والحاج غالب الوراد مشهور ببيع الماء البمبه. وكان ورادنا صالح اليافعي من بئر مسجد علي بهائي بسوق الحراج يمون الحارة كلها حيث ولدت في بيت في الشارع الأول من قسم (د) وكان جيراننا حسن محمد وسالم محمد من المقاطرة وعلي عويجز وعلي حومي وقاسم ناجي وأحمد صالح القحم وبيت المطري وعمرو عبداللاه.

وكانت أم المطري أول امرأة أشرفت على جمالها وغنمها في الحافة كأنها أحد الرجال العاملين وكان يصل إلى عدن الشيخ علي عثمان شيخ الخوخة والشيخ علي محسن دوبله شيخ غليفقة والطائف وكنت أكتب لهما رخصاً في طلب بضاعة إلى البحر الأحمر ولم يكن هناك حجر على تصدير البضائع إلى عدن قبل إعلان الحرب العظمى الأولى. عرفت الوكيل أحمد سلطان وله مساعد اسمه حميد يعمل احيانا 24 ساعة دون كلل. وكان يتندر عليه السيد يحيى الذي كان يسكن بجوارنا وأولاده منهم محمد وعبدالله وجعفر وعدة بنات. ومن الدلالين المعروفين في البلد مثل عبدالله عوض أحمد راشد وعبدالله عمار وعلي أحمد الرجعي ومحمد علي سعيد إذ كانت عدن تستورد بضائع من الخليج والصومال البريطاني آنذاك والبحر الأحمر وترسل بضائع كثيرة إليها وإلى شرق إفريقيا وزنجبار، وقد هاجر عدد كبير من العدنيين إلى تلك الربوع ولكنهم ذهبوا إليها تجاراً ودعاة بالدين ولم يذهبوا في القرون الأخيرة غزاة فاتحين غير إلى زنجبار ولكنهم حتى في هذه الجزيرة الخضراء لم يضاعفوا عدد سكانها العرب ولهذا عندما استقلت الآن وجدت نفسها ضعيفة غير قادرة على مقاومة التيار الإفريقي الشيرازي بعد أن تخلى الإنجليز عنها فذهبت بأيدي الإفريقيين.

العربات الرئيسية لنقل المياه  في عدن عام 1911م
العربات الرئيسية لنقل المياه في عدن عام 1911م
«نحن أبناء العرب حملنا في هجرتنا إلى أقطار الدنيا ثقافة إسلامية وحضارة وعقيدة ولكننا لم نؤثر على الشعوب تأثيراً علمياً، ولم نغير من أوضاع مهاجرنا في الإدارة والنظام الدستوري بخلاف ما فعلته الحضارة الغربية التي أثارت غرائز التوتر والثورة في الأمم التي استعمرتها بما أدخلته عليها من أيديولوجيا بعضها بناءة وأكثرها هدامة، وهكذا ذهبوا وغادروا تلك المهاجر مثلما ذهبنا عنها وغادرناها وعادوا إلى أوطانهم كما عدنا إلى أوطاننا والمهم أن تبقى العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية على أسس ثابتة ولا يعني هذا أن التوتر والثورة في الأمم المستعمرة هما نتيجة التعاليم الغربية وأنه لولاها لما ثارت هذه الشعوب ولما أخذت بأسباب التقدم فإن الشعوب مقدر لها التقدم والتطور بحسب الحاجات والضرورة والتقليد. بعد ذلك استقر في عدن عرب يمنيون هاجروا إليها من المخا، واليمن الأسفل - المقاطرة ودبع وبني حماد والعزاعز، ومن حضرموت والشحر بصورة خاصة. ومن بلاد الصومال عقب ثورة الوداد محمد عبدالله حسن على الاستعمار البريطاني والإيطالي والحبشي. وأخذ القادمون يؤسسون متاجر ودكاكين وفيها عدد من الهنود المسلمين والهندوس وعدد كبير من اليهود احتكروا أعمال الفنادق وصياغة الفضة والذهب وصناعة الفرشان وشباك النوافذ وأعمال التسليف التي تقوم بها البنوك الآن غير أن الفائدة كانت عاليةً جداً، وبيع الخمر العرقي وكانت لهم خمارات ومصنع لتقطير الخمر في الممدارة بالشيخ عثمان.

وكان العرب في رخاء وتجارتهم رابحة ولكنهم كانوا وسطاء بين الموردين من اليمن والحبشة وبين التجار الافرنج مثل بيت تيان وبيت كركنده وبيت بارديه وبيت ليفراتو وبيت ألويس شوايجر النمساوي الذي كان مقرهم في دار النعايم في زعفران.

وكانت هذه البيوت تشتري البن والجلود والمر والصمغ العربي (من الصومال وظفار) والحبق هادي واللبان الذكر واللبان الميطي الذي يستورده العرب ويصدرونه إلى أوروبا وأمريكا ولم يتعلم التجار العرب تصدير هذه البضائع بأنفسهم حتى أفلس أكثرهم وأغلق أبواب عمله. وكان من الدلالين في حافة العيدروس عدد كبير، منهم الحاج محمد موشجي وعلي موشجي وقد أشرت إلى عبدالله بن عبدالله سعد دلال تيان وعمي حسين إبراهيم لقمان دلال بارده ومن البانيان جردر دامودار وسندرجي لالجي وكان لكل بيت تجاري دلال فكان علي محمد قاسم دلال بيت كركنده ومحمد علي سعد دلال ليفراتو ولا يزال إلى اليوم ومحمد عمر جرجره دلال البس. وبدأ يتألق نجم التجار اليمنيين في حافة حسين مثل الحاج أسعد طاهر الذي تزوج عدنية وظل في عدن يساهم في آمال وآلام العدنيين حتى مات وكان شجاعاً كريماً وقليلون هم الذين كانوا يتدخلون في السياسة. وكان أكثر العدنيين يفضلون الحياة الهادئة البعيدة عن الصخب واللغط على الحياة المليئة بالمغامرات والخوف يسود المجتمعات، والحياة المثالية كانت حياة الرجل المحافظ على تقاليد دينه وعبادة ربه دون تدخل فيما لا يعنيه. وكان الرجل يفضل أن يموت على فراشه مغموراً غير مذكور على أن يموت مشهوراً في حالة غير عادية أو في ثورة ويذكره الناس ويبكون عليه بكاءً مراً.

فتيات ينقلن المياه قبل مد أنابيب المياه إلى المدينة
فتيات ينقلن المياه قبل مد أنابيب المياه إلى المدينة
وهذا هو شأن كل أمة أُصيبت بالخمول والتأخر والخوف وعدم الاستعداد للتضحية في سبيل مبدأ قومي أو وطني خصوصاً في المستعمرات المغلوبة.

لكن الأدب العربي بدأ يغزو مكاتب عدن فوصلت إليها كتب المنفلوطي وجرجي زيدان والمويلحي وأحمد فارس الشدياق وآل اليازجي، وقرأت كثيراً من هذه الكتب ومنها كل مؤلفات مؤسس دار الهلال جرجي زيدان ورواياته وكانت تأتيني مجلة «الهلال» ومجلة «المقتطف» بالاشتراك».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى