قصة قصيرة الدُّمْيَة

> «الأيام» جيهان عثمان:

> في طفولتي امتلكت دمية (عروسة) ذات شعر بني وعينين سوداوين وفسطان ملون، وكنت أمارس غريزة الأمومة الإنسانية الطبيعية فيّ .. ككل قريناتي من الفتيات .

كنت أضعها بجانب ألعابي الأخرى: (الدبدوب) و(ميكي ماوس) و(الأرنوب) وكنت أخاويهم .

في (هندول) أخي الرضيع وضعت زجاجته المليئة بالحليب في فيها ثم هدهتها .. «أوه.. أوه.. نام .. نام.. يا لبلبي لبنتي ترقد والعافية لِه تقرب والشرّ مِنّه يبعد .. يالبلبي لابي .. يالبلبي لابي».. حتى نامت ثم دثرتها بلحفافه .. أيقظتها حتى تلعب مع إخوتها رغم أنها لم تنم سوى لحظات ..

أخيط لها ثياباً من الأسمال البالية، وأحياناً ألبسها ثياب أخي الرضيع، كنت أضع على شعرها خليطاً من الماء والتراب ظناً مني أنه صبغة الحناء، وعلى كفيها وقدميها .. أغسلها بالماء والصابون، أمشط شعرها البني .. أنهرها أحياناً، وأتودد إليها حناناً.. أكلمها .. وهي صامتة، أحاكيها حكايات جدتي كل ليلة، أغني لها .. نذهب سوية لزيارة الجيران من الأطفال أقراني مرتدية (الشيذر) و(مقرمة) أمي البالية.. وبعد الزيارة أعود قبيل وقت الظهيرة لأعد طعام الغداء لأولادي (الدمية، ميكي، الأرنوب..) من بقايا قشور البطاطس والبصل والبامية وأحياناً زعانف سمك (الباغة) التي رمتها أمي .. وأطبخ الطعام في وعاء من صفيح علبة صلصة الطماطم لعمل (الصانونة)، وبقايا حبوب الأرز والعدس وكنت أتقاسم معهم أحياناً وجبة الغداء اللذيدة تلك !

أخي الرضيع كبُر وفُطم، ودميتي مازالت صغيرة.. هي لم تكبر، لم تحبُ، لم تمرض، لم تبكِ، ولم تضحك؛ ولكن كان يخيل إلي ذلك .

كبرت أنا .. واختبأت حياء غريزة الأمومة فيّ إلى أجل غير مسمى.. وعندما حان بلوغه ونوت النفس السكنى..حمدت الله أنني لم أك عقيماً.

صغيرتي تكبر .. تحبو .. تمشي .. تأكل .. تشرب.. تصرخ .. تبكي .. تضحك .. تمرض وتصحّ.

صغيرتي (قدورتي) تلعب بدميتها مثلما كنت أنا !

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى