«الأيام» تستطلع أوضاع مناطق القبيطة ..منطقة الرماء مآس وأنات وخلافات تشق القلوب

> «الأيام» أنيس منصور:

>
سد مجد الرماء
سد مجد الرماء
تتناثر عدد من القرى على قمم الجبال وبمحاذاة الوديان الصغيرة، متميزة بطابع معماري قديم وحديث، على هيئة أحجار مصفوفة بدقة وتناسق جميل تسمى منطقة الرماء، يبلغ عدد سكانها خمسة آلاف نسمة، يعتمدون في معيشتهم على الزراعة الموسمية وتربية الماشية والهجرة الداخلية من وإلى عواصم المحافظات طلباً للعمل الكريم، والضرب في الأرض طلباً للرزق.

«الأيام» نزلت إلى الرماء وأناسها القاطنين بقلق وخوف مما آلت إليه قراهم المنكسرة بذل اللامبالاة وموت ضمير الحكومة، وخرجت بحصيلة من الآهات الممتزجة بالدموع.. فإلى التفاصيل.

طرق تشكو الخراب

خمسة طرق رئيسية وفرعية تربط الرماء بمناطق مجاورة من جميع الاتجاهات ملتوية كالأفعى الأفريقية أثناء عملية الافتراس، طريق ذات نتوءات ومنحدرات منزلقة تصيب السائرين بالدوار والغثيان، تتسلق السيارة طريق توجان الرماء وفحميم والكعثل وعراصم بمغامرات أشبه ما تكون بأفلام الكرتون، مع ارتفاع إيجار النقل وتكاليف الإسعاف، أما وقت الذهاب للسوق فهو بعدد من السيارات، ولزمن محدد يبدأ من بعد الفجر حتى السابعة صباحاً فقط، وتنعدم وسائل المواصلات تماماً والسبب وعورة الطريق التي تشكو الخراب والإهمال مع سبق الإصرار والترصد. يقول عبده عبدالله:« تتهالك الإطارات سريعاً وتتعرض السيارات للعطب المتكرر، والسبب صعوبة السير في طريق خربتها السيول وبحاجة إلى صيانة دورية، ولايعرف وعورة الطريق إلا من تعذب بها، أما الجنرالات والمسئولون فإنهم يعيشون في المدن، ولم يقاسوا ما نقاسي». وأشار عبده عبدالله بيده نحو مواطن كبير مسن تعطلت سيارته منذ زمن، ولم يستطع إصلاحها قائلاً:«كذبوا علينا أيام الانتخابات بأن اهتمامهم سيكون بالطريق، وإلى اليوم لم نر غير دمار وخراب متلاحق».

كما أبدى الوالد عبد الحكيم مانع تأسفه الشديد من تجاهل مطالب ومناشدات الأهالي للسلطة بإعادة تأهيل وسفلتة الطريق، وتفضل أحد الشباب ليحكي عن حوادث إجهاض الحوامل بسبب وعورة الطريق من وإلى الرماء.

مياه شحيحة وقصص مؤلمة

تناولت «الأيام» أخباراً متفرقة من مصادر محلية وشهود عيان في أعداد سابقة، أخبار حوادث ومصائب لفتيات وأمهات توفاهن الأجل بلدغ ثعابين سامة أثناء سيرهن ليلاً طلباً لمياه الشرب، وحكايات وقصص متواترة لاتزال في ذاكرة الأهالي عن أطفال ونساء سقطن في الآبار من شدة إرهاقهن من طلب الماء.

كتبت إحدى معلمات مدرسة أسماء لـ«الأيام» تدعى أم أيمن ورقة وقصصاً مطولة حقيقية، نذكر منها (بتصرف) هذه القصة:« إحدى نساء الرماء أنهكها السهر فوق بئر الماء، فعادت إلى منزلها تحمل دبة (عبوة) الماء سعة (20 لتراً)، وفي طريق عودتها غلبها النعاس فسقطت على منحدر، لم تفكر بسلامة نفسها لكنها هرعت تلاحق دبة الماء التي تدحرجت إلى أسفل الجبل وتحطمت وتطاير الماء هنا وهناك».

هل تصدقون أن الفتيات الصغار لايعرفن اللعب والتسالي والمرح، فوقتهن كله بحث متواصل عن الماء في الآبار والخزانات الإسمنتية، لهذا تتكرر فصول المعاناة والشقاء في مناطق الرماء، وأحياناً تتزاحم النساء فوق بئر واحدة فتتعالى الأصوات ويقع الشجار والمنازعات التي تنتهي إلى عراك شديد ومشكلة يفصل فيها الشيخ أو العاقل ويصدر قانوناً يحدد آلية توزيع الأدوار بين المستفيدين، وتتكرر تلك المشاهد الحزينة يومياً، والسُلطة (أذن من طين وأذن من عجين)، وسَلَطَة (بفتح السين واللام) تستخف بحياة الناس وآدميتهم، ناهيك عن مشروع أهلي فشل أداؤه ونهبت مواسيره والأنابيب، كما أوضح لنا أمين عام المجلس المحلي السابق مصطفى عبدالله محمد.

الحمار أفضل وسيلة مواصلات
الحمار أفضل وسيلة مواصلات
النجارين والعرجان

طفت على السطح الاجتماعي في الآونة الأخيرة خصومات وأحقاد وضغائن في الرماء، كل يريد الانتصار على الآخر بين قبيلة النجارين والعرجان، فلكل قبيلة اتجاهات خاصة، وثمة خلافات حتى بين أطفال المدارس والمعلمين تذكرنا بحرب البسوس وعنجهية وطيش العصر الجاهلي.

الوضع القبلي في الرماء من الخطورة بمكان، وينذر بمفاجآت مستقبلية لاتحمد عقباها تدعو عقلاء القوم لفك طلاسم العداوات بين الطرفين درءاً للفتن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها». هناك تفاصيل دقيقة بين القبيلتين تجبرك على التوقف عن نشرها لحساسية الوضع والتعصبات القبلية التي أفرزتها أفواه وعيون المرجفين للوقيعة بين القبيلتين، ونشير إليها هنا فقط للتنبيه قبل أن يقع المحظور.

تسيس التعليم ونواقص الصحة

الطامة الكبرى التي يتلظي منها الجانب التعليمي في مدارس الرماء هو الخلط بين السياسة والتحصيل العلمي، وتعرض بعض مدراء المدارس للتغيير والاستبدال بدون أي مخالفة وبلا أسباب واضحة، فرغم الكفاءة الإدارية وسنوات قيادة المدارس إلا أن التغيير لابد منه نظراً للولاء الحزبي. ضرب لنا الوالد علي سعيد مثلاً بما حدث في انتخابات مجلس أمهات مدرسة الزهراء، حيث قامت عدد من المعلمات بإحضار شكوى مذيلة بتوقيعهاتهن باسم وداد ناصر ونجاة هزاع وسمية عبدالمجيد وابتسام محمد وعديلة محمد وسبأ سعيد وعزيزة أحمد احتوت على عملية انتخاب مجلس أمهات في أجواء ديمقراطية نزيهة بحضور مندوب مكتب التربية وعدد من أولياء الأمور والتربويين، وكانت النتيجة فوز المعلمات والأمهات المذكورات آنفاً، لكن النتيجة لم ترض البعض، لأنها لم تكن حسب ماخطط لها حزبياً، وأعلن المتآمرون على مستقبل التلاميذ إفلاسهم بالرفض والفوضى، وإلى اليوم لم يتم الفصل في الموضوع، وهو نموذج بسيط لتحويل صروح العلم إلى ثكنات سياسية للكسب الحزبي.وفي الرماء مستوصف صحي قال عنه المواطنون حسن مقبل وسليم محمد علوان وفؤاد مانع والشيخ علي محمد حميد إن فيه إهمالاً ولامبالاة وضعفاً في الإدارة ونقصاً في التجهيزات، ولأن الوضع الصحي يسير إلى الوراء فهم يطالبون بتعزيز مبدأ الرقابة والمحاسبة، والنزول الإشرافي المفاجئ من قبل إدارة مكتب الصحة.

وذكرت وحيدة أحمد العبد (قابلة مجتمع) أنواع الأمراض المنتشرة والخدمات التي يقدمها المستوصف والمصاعب التي تتمثل في خروج الممرضات والقابلات إلى مسافات بعيدة لغرض التوليد، والمستوصف بحاجة إلى سيارة إسعاف وزيادة الدعم بسبب الموقع الجغرافي.

خزان لتجميع مياه الأمطار
خزان لتجميع مياه الأمطار
جمعية القبيطة

تلعب جمعية القبيطة- فرع الحديدة- أدواراً خيرية للتخفيف عن معاناة البائسين والمرضى المعوزين، وقدمت مساهمات للمجتمع في إنشاء سد وادي الرماء للتخفيف عن كاهل المواطن ولمواجهة موجات الجفاف التي تذبح الرماء من الوريد إلى الوريد سنوياً، وكفالة الجمعية أيضاً لعلاج المرضى الأشد بؤساً، وتقديم العلاجات والأدوية المجانية للمراكز الصحية، وكسوة العيدين لذوي الدخل المحدود.

وذكر د. محمد علي عمر مدير مستوصف الخميس بعض المعونات والمساهمات التي وصلت إليهم عبر الأخ عبده أحمد ناصر أمين عام الجمعية بالحديدة، ولسان حاله يقول: إذا ماتت خيرات الدولة ووزعت حسب أهواء ورغبات كبار المتنفذين فإن الخير من المحسنين لم ينقطع، والله لايضيع أجر من أحسن عملاً. فمن محافظة الحديدة التي أنشئت فيها جمعية القبيطة إلى جبال وقيعان وادي الرماء وشرار والخميس ووادي السحر تصل الثمار الخيرية ناضجة، فتعمل في النفوس المحتاجة والأجسام الهزيلة من المرض ما لم تعمله الوعود الانتخابية وتلفزيون القناة الأولى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى