حقول ..كيف تصبح أعمى أو أصم

> د.صلاح بن محرز:

> قد يظن البعض لا سمح الله أنني أدعو إلى جحد النعمة، وأتمنى أن تزول أهم نعمتين أنعم الله بهما علينا ألا وهما نعمتا السمع والبصر، ولكن الأمر غير ذلك تماما وقبل أن تحكم على مقالتي من العنوان حاول أن تتأمل معي الأسماء التالية والقدرات الخارقة التي أنجزوها:

فخذ مثلا (شيغني هوكينغ) رجل أصيب في بداية حياته بمرض عصبي يدعى التصلب الضموري الجانبي فأقعد جسمه عن الحركة، ومع ذلك درس الفيزياء الكونية وأصبح أحد أهم الأسماء في الرياضيات في جامعة كامبردج بل وحاز على أعلى منصب أكاديمي في الرياضيات وأعطي له لقب كرسي نيوتن، وانظر إلى الترمذي راوي الأحاديث الشهير ولك أن تعرف أنه (أعمى) وريتشارد فافرد أشهر رسامي القرن الثامن عشر (أعمى) وبيتهوفن (ضعيف السمع) وسعيد بن المسيب سيد الفقهاء (أعور) وماركوني عالم الفيزياء الشهير (أعمى) ومحمد بن سيرين الفقيه التابعي (أصم) وهيلين كيلر تلك التي فقدت سمعها وبصرها قبل الثانية عشرة من عمرها تحصلت على درجة الدكتوراه من كامبردج وأبو العلاء المعري وطه حسين والبردوني وغيرهم كثر، والآن قل لي كيف تمكن هؤلاء وهم يعانون إعاقات شديدة أن يبدعوا في مجال ما بطريقة لايستطيع الأصحاء أمثالنا أن يبدعوا بها؟

ستقول لي أخذ الله بصرهم وألهمهم البصيرة أو تقول إعاقاتهم كانت حافزا لهم، وكلامك ليس خاطئا طبعا، ولكن دعني أتناول معك الموضوع من وجهة نظر أخرى وهي علمية بحتة.

فحسب قراءاتي المتواصلة عن الدماغ وطريقة عمله وتفكيره وأدائه المختلف لاحظت أنه وبجميع مستقبلاته المختلفة (السمعية والبصرية والكلامية والأخرى الخاصة بالتفكير والتحليل) لايستطيع أن يؤدي عمله على جميع هذه الأصعدة بنفس الكفاءة في نفس الوقت، ومشكلتنا وخلال حياتنا اليومية أننا نتسلم في اللحظة الواحدة أكثر من رسالة ذهنية فتجدنا نتكلم بالموبايل ونسلم على صديق ما ونلحظ المارين أمامنا وندفع الحساب لصاحب المحل، والناتج هو تشتيت مفتعل للدماغ، على عكس من ذكرناهم في بداية المقال، ففقدان أحدهم بصره مثلا يقلل عدد الرسائل التي تصل لدماغه، ويقوي في نفس الوقت المراكز الأخرى كالتفكير والذكاء مثلا، لأن العمل يصبح عليها بشكل أكبر، فنجدهم يبدعون كما لاحظنا، وأنت بمقدورك أن تخفف عدد الرسائل التي تصل لدماغك ولو في البيت مثلا بأن تستغني عن التلفاز، وتغلق جوالك، وتحدد أوقاتا خاصة لاستقبال ضيوفك، وتطلب من أهلك التزام السكون، حينها حاول أن تقرأ شيئا أو تفكر في مسألة ما وستلاحظ كيف أن قدرتك الذهنية وذاكرتك قد تحسنت وأصبحت أكثر إبداعا من ذي قبل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى