«النهار» اللبنانية:احتقانات جنوب اليمن في سنتها الثانية وسط تحذيرات من تفاقم أزمة وطنية

> «الأيام» عن «النهار» اللبنانية:

> نشرت صحيفة «النهار» اللبنانية يوم أمس تقريرا خبريا من مراسلها في صنعاء الزميل أبو بكر عبدالله فيما يلي نصه :

«تمضي قضية الجنوب في اليمن نحو سنتها الثانية وسط تعقيدات فشلت معها الجهود التي قادها الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لاحتواء جروحها المفتوحة وما أنتجته أخيراً من مشاريع تدعو إلى «تقرير مصير الجنوب» وتصعيد المعارضة مطالبها في إعادة المشروع السلمي الديموقراطي للوحدة في ما يبدو أنه التحدي الأبرز أمام الرئيس صالح منذ الحرب الأهلية.

وسجلت التظاهرات التي قادتها جمعيات العسكريين الجنوبيين المحالين على التقاعد وأحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك (خمسة أحزاب من اليسار والإسلاميين)، مواجهات أدت إلى سقوط نحو 13 قتيلا وعشرات الجرحى، فضلاً عن اعتقال وتوقيف المئات من الناشطين.

وتأخذ القضية حالياً منحى تصاعديا واهتماما دوليا غير مسبوق برز في التقارير الدولية وآخرها تقرير معهد دراسات الشرق الأوسط الأميركي الذي اعتبر استمرار الاحتجاجات في الجنوب للسنة الثانية «مؤشراً خطيراً على وضع نظام الرئيس صالح»، إلى تأكيده أن التظاهرات والاحتجاجات الممتدة شمالا تلوح بأزمة وطنية «في الوقت الذي يسير النظام إلى الفشل عسكرياً وسياسياً جراء استمرار الصراع بين الدولة والمتمردين الحوثيين في صعدة».

أما الدوائر السياسية اليمنية فقد تبنت أخيراً مبادرات تطالب صنعاء بالاعتراف بالقضية الجنوبية مشكلة أوجدتها سياسة المنتصر في حرب صيف 1994 وعودة المشروع الديموقراطي السلمي والطوعي للوحدة اليمنية لتجنب الانزلاق إلى الهاوية .

وحتى اليوم تمكنت صنعاء من معالجة أوضاع 25 ألف ضابط وجندي من قوام الجيش الجنوبي سابقا من بين 60 الفاً بتكاليف بلغت حسب وزارة الدفاع اليمنية 21 مليار ريال، فضلا عن تنفيذ مشاريع إنمائية في المحافظات الجنوبية ودعوة رموز المعارضة اليمنية في الخارج إلى الحوار والعودة إلى الوطن لممارسة النشاط السياسي، وتعيين عشرات الشخصيات الجنوبية في مناصب قيادية في الوزارات والمحافظات تعزيزا لمبدأ المشاركة السياسية.

وعلى رغم هذه الجهود، فإن النخب السياسية ترى أن الحلول الحكومية لم تفلح في إزالة الاحتقان المتكابر في نصف البلد في رؤية تتفق مع الرؤية الخارجية، إذ اعتبر تقرير معهد دراسات الشرق الأوسط الأميركي «تعيين الرئيس صالح للجنوبيين بشكل استراتيجي في وظائف بارزة في الحكومة خطوة رمزية، كون أساس النفوذ السياسي في اليمن ليس له علاقة بالمؤسسات الرسمية، وإنما يسير كل شيء بتوجيه مباشر من الرئيس فيما نافذة الإصلاح في سياق الوحدة تنغلق شيئاً فشيئاً وستغلق كلياً إذا لم يصغ النظام في صنعاء ويستجيب لدعوات التغيير».

الاعتراف أولاً

وفي محاولة لقراءة فشل السلطات ونجاحها في احتواء الأزمة التي اشتعلت مطلع 2007، غداة تشكيل الضباط الجنوبيين جمعيات للدفاع عن حقوقهم السياسية والمالية والقانونية وضعت النخب السياسية في الحكم والمعارضة القضية على طاولة البحث، واجتمعت للمرة الأولى في ندوة «الحراك الشعبي في الجنوب، قراءة في الأسباب والتداعيات والحلول»، سعيا إلى البحث عن الحلول التي تحتاج اليها البلاد للخروج من أزماتها.

ويقول الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني ياسين سعيد نعمان أن «على السلطة الاعتراف أولاً بالقضية الجنوبية كونها قضية سياسية وليس جهوية مناطقية»، ويرى أن «ما هو حاصل اليوم من حراك احتجاجي شعبي ناتج من غياب المشروع الوطني ومشروع الوحدة الطوعي الديمقراطي السلمي الذي دمر في حرب صيف 94 ».

ويفسر الاحتقان الحاصل اليوم بكونه نتيجة لفشل السلطة في ملء الفراغ «وما نشهده اليوم هو فراغ لمشروع وطني تم التآمر عليه ويعبر عن خلل نتج عن تدمير مشروع الوحدة».

ويلفت إلى أن حرب 1994 «قضت على مشروع الدولة السياسي، بعدما اتجهت السلطة بعد الحرب إلى تسريح الكادر الوطني وتصفية المشروع الوطني للجنوب، ونجم عن هذا سلسلة من السياسات الخاطئة صفيت معها تماما مكونات الدولة القديمة، المدنية منها أم العسكرية، فضلا عن التراكمات الأخرى التي أفقدت المشروع الوطني قيمته».

ويلفت إلى أن «حرب 94 أحدثت خللا وأن سلطة 7 تموز لم تستطع إيجاد توازن، فحل بذلك الظلم في حين لم تستطع الأحزاب أن تعبر عن هموم أبناء هذه المحافظات». ويرى أن «حل المشكلة لن يكون بتعيين وكيل وزارة أو محافظة هنا أو هناك، ولن يكون في محاولات إعادة القيادات السياسية في الخارج، بل في إيجاد دولة نظام وقانون يحاسب فيها الوزير قبل الخفير ودولة يمارس فيها أبناء الجنوب مهماتهم وفقا للدستور والقانون بعيدا من التهميش وعقدة الخوف». ويؤكد أن على «الجنوبيين أن يتحرروا من عقدة الشمال، كما ينبغي لجميع الأطراف أن يدركوا أن مستقبل اليمن من دون الوحدة سيكون مظلما».

من الوحدة إلى الحرب

وفي عرضه لجذور المشكلة الجنوبية، يقول رئيس الكتلة السياسية للحزب الاشتراكي اليمني في البرلمان عيدروس النقيب إن الاحتجاجات بدأت بطرح مطالب المبعدين من أعمالهم من المدنيين والعسكريين ورجال الأمن الذين فقدوا مصدر عيشهم وخسروا تخصصاتهم ومعارفهم العلمية وخبراتهم المهنية بعد حرب صيف 1994 . ويعتبر أن «مشروع الوحدة السلمي الديموقراطي التصالحي بين نظامي وشطري اليمن فشل، كما أن طرفي الوحدة اللذين مرا بصراعات وحروب واختلافات وتباينات طوال عقود ما قبل الوحدة وأجلا كثيراً من قضايا الخلاف والتباين إلى ما بعد الوحدة فشلا في معالجة تلك القضايا بالوسائل السياسية، ما جعل عناصر الاختلاف تتزايد وتتراكم لتتحول إلى أزمة سياسية ثم صراعاً سياسياً علنياً دفعهما إلى الوسائل العسكرية لحل الصراع».

ويوضح أن أبرز الاختلالات التي ظهرت عقب حرب صيف 1994 تمثلت في «الخطوات التي باشرها المنتصر لتعديل الدستور، وإلغاء الكثير من المواد الدستورية التي تشكل ضمانا لتعزيز الممارسة الديموقراطية، والسير نحو بناء دولة المؤسسات وتعزيز استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية ما أدى إلى اتساع نطاق الاستبداد والتعالي على القانون والمؤسسات وعلى الدستور».

آثار مدمرة

وثمة إجماع على أن حرب صيف 1994 أنتجت آثاراً مركبة سياسياً واقتصادياً وثقافياً ونفسياً بعدما استبدل كل نظام بالفوضى والعشوائية، كما شهدت البلاد غياباً للسياسات الاقتصادية السليمة واستفحالاً للفوضى والعشوائية والفساد وانتشار الفقر والتلاعب بالمصادر المحدودة للثروة. كذلك انتجت الحرب ضعفاً في بنية الدولة وغياباً لسلطة القانون و انحساراً للثقافة المدنية القائمة على الاحتكام إلى القانون والنظام والتي تكونت وترسخت في سلوك الناس على مدى عقود مما خلف تراكمات تحتاج البلاد الى سنين لمعالجتها.

ويلاحظ أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء الدكتور محمد عبدالملك المتوكل والقيادي في اتحاد القوى الشعبية، أن نظام 7 تموز لم يهتم بمعالجات عادلة لمخلفات الصراعات السابقة بل أضاف إلى المظلومين السابقين مظلومين جدداً كما أن النظام استغل التناقضات في الجنوب لتمزيق شمل الحراك، وشل فاعليته كما جرى تعديل معظم مواد دستور دولة الوحدة في اتجاه دعم المنتصر وتمت تصفية كل مؤسسات الدولة في الجنوب وإقصاء كثير من الكوادر كلياً عن دائرة الفعل، سواء كانت مدنية أم عسكرية.

ويرى أن ما حدث بعد الصراع على السلطة عام 1994، هو أن الجنوب المتحد مع الشمال خرج من المعادلة واعتبر ملحقا إلحاق الفرع بالأصل ، «والمطلوب حاليا هو الحوار وتشخيص المشكلة ووضع التصورات والحلول قبل الانزلاق إلى الهاوية».

إزاء هذا التعقيد، ترى النخب السياسية أن حل المشكلة ينبغي أن يبدأ بالاعتراف بها ثم البحث في السبل الكفيلة بالخروج من مأزق التراكمات الكمية التي تم تجاهلها مدى 14 عاما. ويؤكد هؤلاء أن المعالجات ينبغي أن تكون أولا سياسية، وأن تشمل السياسات التي نجمت عنها الأزمة في إطار المشروع الوحدوي السلمي الديموقراطي استنادا إلى اتفاق الوحدة وملحقاته وما تلاه من اتفاقات. ويشدد هؤلاء على أهمية أن تكون المعالجة مدخلاً لحلحلة المشكلات على الصعيد الوطني العام من طريق البدء بعملية إصلاح سياسي واقتصادي وإداري ومالي، يمكن من خلالها استعادة الروح الديمقراطية السلمية للوحدة في إطار مشروع إصلاحي تتفق عليه كافة القوى السياسية».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى