على طريق انعقاد مهرجان عدن الثقافي في دورته الثالثة (عدن المكان والصوت) في الفترة من 7 9- إبريل 2008م ..اتحاد الأدباء فرع عدن يحط يده على جرح غائر ودائم في فعالية نوعية

> «الأيام» عمرو الإرياني :

> أقام اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع عدن يوم الثلاثاء المنصرم 18مارس2008م في مقره فعالية مسائية تحت عنوان (أسباب عزوف الشباب عن القراءة) شارك فيها أهل التخصص من الأكاديميين من جامعة عدن وهم: د. علوي عبدالله طاهر أستاذ طرق التدريس قسم اللغة العربية كلية التربية جامعة عدن ود. سمير عبدالرحمن الشميري رئيس قسم علم الاجتماع بالكلية، ود. عبدالواحد عبدالرحمن أستاذ علم النفس بالكلية.

وأدار الفعالية الأستاذ مبارك سالمين رئيس فرع الاتحاد مرحبا بالمشاركين وبالحضور مقدما بإيجاز أهمية هذه الفعالية، حيث يمثل عزوف الشباب عن القراءة إشكالية محورية تعيق حراك التنوير المعرفي والثقافي، ثم قدم للحضور أول المحاضرين د. علوي عبدالله طاهر، الذي استهل مشاركته بالتذكير بأننا أمة (اقرأ) مؤكدا أهمية القراءة للجميع، كما أشار إلى أهمية المدارس التمهيدية ومكانتها في الحل، وتساءل ليجيب هل استطاعت المدارس زرع الميل للقراءة؟.. «إن المدارس حاليا تركز اهتمامها على الدروس المقررة دون الاهتمام بقدرات الطلاب وتطويرها، بل وحتى عدم البحث عنها أو الاكتراث بها، وعدم دفع الطلاب نحو البحث الحر والمستقل وتطويره»، كما أكد على ضرورة وجود مكتبة في كل مدرسة مزودة بكتب متنوعة مع مراعاة مستوى الطلاب ومستوى الكتاب أيضا، والعناية بكتب المطالعة.

وقال:«هناك بعض المدارس لديها مكتبة ولكن أكثر هذه الكتب تصلح لمكتبات التعليم العالي، وهناك كتب في مكتبات التعليم العالي تصلح لتزويد مكتبات التعليم الأساسي، هذا إن لم تكن الأرضة قد أتت عليها»، وفي الأخير دعا الحضور إلى زيارة مكتبة في الشيخ عثمان ستكون نواة لمكتبة عامة عما قريب.

ثم قدم الأستاذ مبارك سالمين المحاضر الثاني في الفعالية وهو د. سمير الشميري فقد قدم هو الآخر مادة غنية وبأسلوب مثير وممتع، حيث ذكر في البدء مجموعة من الأعلام من أدباء وفلاسفة، مستدلا بهم على مدى حبهم للقراءة وكيف كانت دربهم الصاعد بثقة للتنوير، حيث قال:«إن القراءة تؤدي إلى خلق ثقافة رصينة ووعي متبصر، ولا نستطيع أن نتصور أن عالما أو أديبا أو مفكرا دون أن يرتبط بعروة وثقى بالكتاب والمكتبات، دون أن يرضع من ثدي المعرفة والعلم، دون أن يغوص في بطون الكتب وتأكل عيناه المجلدات والوثائق العلمية، دون أن تحترق أعصابه وخلايا مخه في القراءة والدرس، يقول الروائي المصري جمال غيطاني (إن الشيء الوحيد الذي أنفق عليه بسخاء وبلا تردد الكتب، ربما أتردد في شراء الملابس وحتى المأكل، أما الكتب فلا أحسب لها حسابا) فمن مصلحة الأمة نشر العلم وثقافة القراءة، فالعلم ضروري كالماء والهواء حسب تعبير طه حسين، فالمفكر والمنور اليمني محمد علي لقمان بلغ مرتبة من الثقافة إلى جانب علو كعبه في الصحافة والتنوير، فحذق اللسان الأجنبية (الإنجليزية والهندية) في طور باكر من حياته فقد قرأ (معجم البلدان لياقوت الحموي) وتاريخ ابن الأثير وتاريخ خلكان ومئات القصص وما لا يقل عن 300 رواية، فضلا عن قراءته النابهة للشريعة الإسلامية والقرآن والفقه واللغة وكان خطيبا مفوها في المساجد ففي العاشرة من عمره فقط كان قد قرأ المعلقات السبع، وقرأ بنهم منقطع النظير لابن عربي والغزالي وابن رشد وللأمة الصوفية، فالمبدع يخلق بصره الأدبي والفني بعد قراءات عميقة ورصينة، وبعد أن يتشبع ويشرب كؤوسا من العذابات والمرارات والمعانات الوجدانية، وبعد أن يتعرض لسلسلة من الاضطرابات والتوترات العقلية والنفسية، المبدع شخصية قلقة وحساسة، وعلى حد تعبير الشاعر صلاح عبدالصبور (إن الفنانين والفئران هم أكثر الكائنات استشعارا للخطر، ولكن الفئران حين تشعر بالخطر تلقي بنفسها في البحر هربا من السفينة الغارقة، أما الفنانون فإنهم يظلون يقرعون الأجراس ويصرخون بملء الفم حتى ينقذوا السفينة أو يغرقوا معها) ويقول الروائي محمد شكري صاحب رواية الخبز الحافي: (لو أنني لا أكتب لكنت الآن ميتا أو عجوزا قبيحا أو مجنونا لأن الجنون يأتي أغلبه عن عبقرية والقراءة والكتاب هما من أنقداني من الانتحال أو التدمير الذاتي لنفسي).

فالقراءة تخلس جلد التخلف ولها طقوس وآداب، حيث يقول الأديب عبدالعزيز المقالح (ولا أخفي عليكم أنني عندما أكون في المكتبة أسمع أصوات القدماء والمعاصرين فلاسفة وشعراء وروائيين ونقاد، وهذا التخيل في حد ذاته يضيف حالة من السعادة والإحساس بالزهو). القراءة تضيء وظائف الأذهان وتحول العتمة إلى نور، وتجعلنا نزن خطواتنا، تعطينا قسطاس الحكمة:1- توجهات معرفية 2- توجهات حياتية 3- توجهات تقويمية 4- دافعية للعمل الخلاق 5- رؤية تحليلية ونقدية 6- وأخلاقا وجمالا وسكينة روحية».

كما قدم د. سمير الشميري مفارقات رقمية رهيبة تدل على مدى القصور المعرفي والإبداعي للعرب، حيث أكد «أن لدينا 68 مليون أمي، وأن نصف النساء العربيات أميات، وأن 10 ملايين في سن التعليم خارج المدارس، وأن في إسرائيل لكل فرد 3 صحف، والمبدع العادي يوزع نتاجه إلى 20 ألف نسخة، بينما لا يتجاوز مبدع عربي توزيع نتاجه عن 2000 قارئ».

وفي الأخير أكد د. سمير الشميري أن التنشئة الاجتماعية هي حجر الأساس لحل إشكالية العزوف عن القراءة.

ثم قدم الأستاذ مبارك سالمين المحاضر الثالث في الفعالية د. عبدالواحد عبدالرحمن الذي من خلال تخصصه في علم النفس بلور عدة عوامل تدخل في إشكالية عزوف الشباب عن القراءة، حيث قال:«اليابانيون الأكثر قراءة ثم الأوروبيون ثم الأمريكيون، والعرب أقل الأمم قراءة»، ولخص أسباب العزوف عن القراءة في عدة نقاط أهمها:عدم غرس حب القراءة منذ الصغر وعدم اهتمام الوالدين بالقراءة، عدم وجود مكتبة لدى الأسر،عدم توفر مكتبات في المدارس التمهيدية وغلاء أسعار الكتب في المكتبات الأهلية وإن وجدت فهي غير ملائمة للناشئة، المناهج الدراسية الكثيفة التي يجب إعادة النظر في محتواها وكمها حيث لا يجد الطفل والشاب متسعا من الوقت للمطالعة الحرة، دور الإعلام ووسائله التعليمية والتربوية في تحفيز الناشئة على تعلم القراءة، استخدام التكنولوجيا دون ثقافة يجعل منها جدارا يحول بين الناشئة والكتاب والقراءة الموبايل مثلا. وأشار إلى بعض الخطوات والحلول لتشجيع القراءة لدى الناشئة وذكر منها : قراءة القصص للأطفال قبل النوم، تعليق مجسمات للحروف والأشكال والألوان على جدران غرف نوم الأطفال، مدح حب الطالب للقراءة ومناقشته بسهولة أمام أقرانه وزملائه في الصف المدرسي فيما قرأ، دفع الطفل لاختيار مايريد من الكتب وتحفيزة بالجوائز متى ما ثابر ليقرأ، توسيع عدد المكتبات المدرسية والعامة.

وشدد على المسؤولية الملقاة على الأدباء والمثقفين للقيام بدورهم في توعية الشباب وحثهم على القراءة. وقبل الختام أغنيت الفعالية بأسئلة الحاضرين وبإجابات المشاركين من الأساتذة الأفاضل.

وشكر رئيس فرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين عدن كل المشاركين المحاضرين، مؤكدا أن الاتحاد يشكل لحمة ثقافية ومعرفية لا تنقطع مع الجامعات والمؤسسات والمثقفين، نظرا للهم الواحد والمضني الذي نحمله جميعا وهو الحراك الثقافي والفكري والمعرفي، ثم شكر الحاضرين.

بعد انتهاء فعالية (أسباب عزوف الشباب عن القراءة) ظل هنالك سؤال إشكالي جديد استدعاه وجعله ضاجا وصارخا الحضور القليل والمؤسف لهذه الفعالية النوعية حضور قليل، رغم الإعلان عنه في عدة صحف رائجة، رغم أن المشاركين في الفعالية محاضرون أساتذة في جامعة عدن، ذلك كله أظهر على سطح المشهد الثقافي إشكالية أخرى (أسباب عزوف المتخصصين عن الفعاليات النوعية والمتخصصة).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى