عدن التي في داخلي

> «الأيام» صالح حسين الفردي:

> عدن المدينة التي ذاب فيها الفن، وعشقها الشعراء، وافتتن بها الجمال، فقاسمت الفن فنا، وتيمت العشاق تيها، وجمّلت الجَمال جمالا، هذه المدينة التي كانت نبراس الجزيرة والخليج، وحاملة لواء التجديد والتحديث، والمدينة التي ظلت كذلك حتى عهد قريب تغيرت فيه ملامحها الجميلة، وخفت وهجها الساطع. لقد كانت الرائدة في كل مناحي الحياة الثقافية والعلمية والأدبية والاجتماعية والفنية والرياضية.

ففي كل هذه المناشط الإنسانية كانت عدن، وكان الزمن يمتد في شرايينها، ويهدهدها البحر والجبل، ولايفارقها إلا إلى شواطئ الروح الإبداعية العدنية الخالدة.

عدن الإنسان، في قمة تماهيه وتلاشيه في المكان، وذوبانه مع أخيه الإنسان. لم تعرف عدن النرجسية أو العصبية أو القبلية أو (الشيزوفرينيا) السياسية، التحمت بالصدق فصار عنوانا لها، غازلت الوفاء فاستسلم منقادا دون عناء. هذه عدن التي رقت لكل قلب لايعرف الرقة، ولكل صوت ناعق لايفقه حديث روحها، هذه عدن التي نعرفها وتعرفنا، عشناها وعاشتنا، كانت لنا وبنا، وكنا بها ولها.

ما الذي حدث يا عدن؟!

ما الذي يرسم لك، وهل نكون شيئا دون عدن، روح عدن، ثقافة عدن، همس عدن، ضجيج عدن، شاي عدن، شوارع عدن، مكتبات عدن.. أين أنت؟!

أعرفك في داخلي، وأجهلك- اليوم- في خارجي، غُيب صوتك الأثير محمد سعد، أحمد قاسم، محمد عبده زيدي، محمد صالح عزاني، سالم بامدهف، حسين فقيه، عبدالله مسيبلي، أحمد الريدي، شكيب جمن، رجاء باسودان، وخليل محمد خليل ومحمد مرشد ناجي، أمدهما الله بالصحة والعافية.. وانطفأ نورك الفكري عبدالله باذيب، محمد عبدالقادر بافقيه، محمد لقمان، محمد علي باشراحيل، لطفي أمان، محمد سعيد جرادة، شريف الرفاعي، عبدالله محيرز، القرشي عبدالرحيم، عمر الجاوي، سالم بكير.. نبحث عنك فيك، فلا نجد إلا أشباحا تحوم في سمائك الصافية. بهاؤك، عطرك، زعفرانك، فلك، توارى خجلا من نعيق الغربان- بعد أن كان قد علم الغربان حمرة الخجل- ولكن!

تبقى عدن عصية على الانزواء والتلاشي، فمايزال فيها الكثير من المبدعين الكبار، هم صوتها الكامن، وفكرها الناضج، وإن خفت وضمر إلى حين.

تلك عدن التي في داخلي، وما عرفتها إلا كذلك، فحفظت لها هذه التفاصيل التي طمست اليوم.. فسلام عدن، سلام عدن!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى