آيسكريم ساخن!

> «الأيام» خالد حمدان مساوى:

> شيء جميل أن يكرّم المرء عرفانا وردا لجميل مشواره الفني الطويل، وتقديرا لموهبته التي تسطع أضواؤها متفردة بخيال وصور إبداعية.. وإذا وجب علينا أن نكرمه فلأننا نسعى ونهدف من وراء ذلك إلى بذل مزيد من الإبداع والتوهج الفني.. وإذا جاز لنا أن نطالبه بأكثر من هذا، فلنطالبه بأن تكون هذه الحياة رفيعة سامية تتكافأ مع ما للمبدع من قدسية الفن وجلاله.

فإذا نظرنا إلى الفنان وجدناه إنسانا، لحما ودما، يتنفس ويشعر ويفكر، ويبادلنا العطف والحس والخيال، وينسينا لحظة وجودنا المحسوس بما يخلعه علينا من جمال وصور الفن، ويرتفع بمشاعرنا فوق دنيا هذا العالم ومحقراته.

لكن واقعنا المرير له رأي آخر، تمرد على السائد المألوف، وغاير المسار الذي تنتهجه سائر بلدان العالم في التوقيت المناسب لتكريم الفنان المبدع، وهو حيّ يرزق، معتزا مفتخرا بمشواره الفني الحافل بالإنجازات، له ولوطنه.

وفي بلاد مثل بلادنا، يأتي التوقيت والاختيار الأمثل لرد الجميل لمبدعينا بعد أن تتلاشى أرواحهم إلى حياة أبدية، طوتها صراعات الزمان والنسيان طولا وعرضا، على أيادٍ افتقرت إلى الشجاعة الأدبية في حينها.

واتساقا مع هذا الموضوع جرى في الأيام الماضية اختتام فعاليات مهرجان اليوم العالمي للمسرح في العاصمة صنعاء، وتم من خلاله تكريم خمسة وعشرين فنانا وفنانة في مجال الفن المسرحي، من بينهم الفنان المسرحي الراحل أحمد مطلق، وحالما لمحت عيناي اسم هذا الفنان الراحل، عادت بي الذاكرة إلى ذلك اليوم الذي لن أنساه ومن كان معي، وهو يوم عودته من صنعاء، تحديدا عام الإعلان عن صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004، وقبل وفاته بثلاثة أعوام، عاد وهو يفكر بذلك اليوم الذي مضى، فلم يعد يرجوه، كيف يرجوه، وهو اليوم الذي رأى فيه تكريم زملائه في نفس مشواره الفني والمستوى العلمي من قبل وزير الثقافة سابقا، وهو واقف وحيدا مسمرا دون حراك؟!.

ولأن «في الشدة ينكشف صدق الأخوة» لم يكن فناننا الراحل- رحمه الله- من أصحاب الألسن التي تقطر عسلا مغشوشا، أو الحناجر المصطنعة التي تصدر أصواتا وأنغاما بشتى الألحان والألوان لتطرب مسامع الخلان، ولأن في هذه الحياة كثير من الحماقات والدنايا يتعالى الفنان عن التدني إليها من سمائه العالية، رفض فناننا المسير في طريق ملتوٍ ليصل بواسطته إلى مصلحة ذاتية أو كسب شخصي يفقده إنسانيته وعزته وكرامته.

ولأنه كان كذلك ظل في رحلة الزمان والمكان من صنعاء إلى عدن (يشكو بغير شكا) صامتا، ولسان حاله يقول «لقد أتاكم ابن الدار مظلوما» نعم مظلوم، لأنه كان جديرا بذلك التكريم، وأكبر دليل على ذلك تكريمه الآن، ولكن بعد ماذا؟

بعد فوت الأوان والزمان!!.. تكريم بطعم الآيسكريم الساخن.. جدا!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى