الحلقة العاشرة ..الدورة التاسعة 1928- أمستردام تنال حظها الأولمبي

> قطر «الأيام الرياضي» عن الجزيرة الرياضية:

>
بعد فشل لازمها لدورتين متتاليتين نجحت العاصمة الهولندية أمستردام في أن تنال حظها الأولمبي وبالتالي في احتضان دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التاسعة العام 1928 من السابع عشر من مايو حتى الثاني عشر من أغسطس, بجو من السلام والهدوء, وكانت قد حصلت على شرف الاستضافة في الثاني من يونيو العام 1921 في خلال المؤتمر السنوي للجنة الأولمبية الدولية في ظل منافسة من لوس أنجليس الأميركية.

سعي دؤوب

كانت أمستردام سعت لاستضافة الدورة السابعة في العام 1920 والثامنة في العام 1924 دون أن تصيب نجاحاً, إذ منحت السابعة لأنفير البلجيكية بعدما اعتبرت بلجيكا ضحية في الحرب العالمية الأولى فأرادت اللجنة الدولية مساندة هذا الشعب ودعمه وتقديره على ما عاناه, فيما نالت باريس شرف الدورة الثامنة نزولاً عند رغبة البارون بيار دو كوبرتان باعتبار أنها آخر دورة في عهدته كرئيس للجنة الأولمبية الدولية, بالإضافة لسعيه لرد اعتبار بلاده بعد فشلها التنظيمي للنسخة الثانية العام 1900.

وأمست هذه الدورة الأولى تحت رئاسة البلجيكي هنري دي باييه لاتور, ثالث شخص يتولى رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية, فيما غاب الرئيس السابق كوبرتان عن الحضور قسراً بداعي المرض وهو أرسل إلى المنظمين والرياضيين رسالة أثرت في الجميع, وأوضح فيها أنه قد لا يتمكن حتى من حضور دورة لوس أنجليس 1932«يجب أن أكون حكيماً وأستغل الفرصة الحالية كي أقول وداعاً». كانت كلمات قاسية له وللحركة الأولمبية, وقد شدد في رسالته إلى الرياضيين المشاركين في أمستردام على ضرورة العمل أبداً بقوة وإخلاص لإبقاء الروح والشعلة الأولمبيتين مضاءتين, وختم:«مرة أخرى أنحني لأشكر كل من سار خلفي وساعدني لخوض حرب لمدة أربعين عاماً, لم تكن سهلة في الغالب, كما أنها لم تكن حرباً نظيفة», وهو أشار بذلك إلى كل من عرقل فكرته بإطلاق الألعاب الأولمبية مبينا مدى تأثره العميق بذلك, فالمحاولات بإسقاط أفكاره لم تكُلّ, صحفياً أو أفراداً أو جمعيات, كما أن رسالته وكلماته جاءت لاستشعاره بتدهور صحته..الصرح الرياضي الرئيسي لهذه الدورة كان الملعب الأولمبي أو الستاد الأولمبي الذي شيد حديثاً وقتها بتصميم من يان ويلز المهندس الهولندي, كان يتسع آنذاك لأربعين ألف متفرج ويضم مضماراً لألعاب القوى بطول 400م, وهي المسافة التي اعتمدت رسمياً فيما بعد, شهد حفلي الافتتاح والختام, ومنافسات كرة القدم والقوى والدراجات, وضع في داخله لوحة عملاقة دونت عليها النتائج بشكل مقروء من الجميع, وضم الستاد أيضاً برجاً عالياً, تم فيه إيقاد أول شعلة أولمبية في تاريخ افتتاح الدورات الأولمبية, وقد أضاءها وقتها عامل في شركة كهرباء أمستردام ومنذ ذلك الوقت اتبع هذا التقليد في جميع الدورات الأولمبية التي تلت, لكن أول تبادل أو تناقل للشعلة بين الدول تم في دورة برلين 1936.

تقدمت اليونان الوفود أثناء استعراضها في حفل الافتتاح لأول مرة, ومر الهولنديون في الأخير, وساد هذا العرف في الدورات اللاحقة وما زال حتى الآن معتمداً, وردد الهولندي هنري دنيس كابتن منتخب بلاده في كرة القدم الفائز ببرونزية ألعاب انفير 1920 القسم الرياضي, فيما أعلن أمير هولندا هندريك افتتاح الألعاب بحضور الرئيس الجديد للجنة الأولمبية الدولية هنري دي باييه لاتور..وشهد يوم الافتتاح حادثة مردها غير المباشر عودة ألمانيا للمشاركة في الألعاب بعد غياب دام ستة عشر عاماً بسبب الحرب العالمية الأولى, إذ وأثناء استكشاف الملعب الأولمبي منع أفراد الفريق الفرنسي من الدخول في الوقت الذي سمح لسائر البعثات من بينها ألمانيا في الدخول, فقرر الفرنسيون مقاطعة افتتاح الدورة, وأدى الأمر إلى تدخل وزارتي الخارجية في كل من فرنسا وألمانيا لتفادي أزمة سياسية, ذلك أن تفسير هذه الحادثة مرده إلى الميل والتعاطف مع الألمان والكره للفرنسيين (germanophile et francophobe) وقد قدمت اللجنة الأولمبية الهولندية اعتذاراتها, ولم يسر الوفد الفرنسي في حفل الافتتاح.

اشتمل برنامج الدورة على 14 رياضة و109مسابقات, والرياضات هي, ألعاب الماء, ألعاب القوى, الملاكمة, الدراجات ، الفروسية, المبارزة, كرة القدم, الجمباز, الهوكي, الخماسي الحديث, التجديف, الإبحار, رفع الأثقال, المصارعة, وشارك في ألعاب أمستردام 2883 رياضياً بينهم 277 لاعبة, أي ضعف أفضل المشاركات السابقة, قدموا من ست وأربعين دولة بينها هولندا, وسجلت ثلاث دول إطلالتها الأولى هي مالطا وباناما وروديسي أي زيمبابوي حالياً, كما شهدت الألعاب عودة ألمانيا للمشاركة بعد منعها في أولمبيادي أنفير 1920 وباريس 1924, لدورها في الحرب العالمية الأولى, وكانت آخر مشاركة لألمانيا قبل دورة أمستردام العام 1912 في استوكهولم السويد.

المسابقات الرياضية

عادت رياضة الهوكي على الحشيش للجدول الأولمبي في هذه الألعاب بعد غياب استمر ثمانية أعوام فيما غابت رياضات الرماية والبولو والركبي وكرة المضرب, والأخيرة لم تعد إلى الظهور إلا في دورة سيول 1988, وشهدت الدورة السماح للنساء في المنافسة في رياضات الجمباز وألعاب القوى في مسافة الـ100م والـ800م والبدل 4×100م والوثب الطويل ورمي القرص, بالرغم من اعتراض كوبرتان على الموضوع خصوصاً ألعاب القوى, إذ اعتبر أن مشاركة النساء تشكل عاراً على نقاوة وأساس هذه الرياضة, علماً أنه منذ العام 1920 قامت عدة حركات نسائية بمحاولات تغيير فكرة حظر بعض الألعاب على النساء, وتم تنظيم لهذه الغاية ألعاب خاصة بهن, ومع الوقت سمحت اللجنة الأولمبية للجنس اللطيف في المشاركة ببعض الرياضات, ولكن تحديداً في ألعاب القوى تم حظر مشاركة السيدات في مسافة الـ200م وما فوق نظراً للحالة البدنية الضعيفة التي وصلت إليها العداءات عقب مشاركتهن في سباقي الـ400م والـ800م في أمستردام, ولم يتم تغيير القوانين إلا في أولمبياد 1960.

وفي الرياضات الأخرى نجحت قارة آسيا لأول مرة في الفوز بميداليات ذهبية عقب نجاح اللاعب الياباني ميكيو أودا mikio oda في الفوز بمسابقة الوثب الثلاثي, ومواطنته يوشييوكي تسوروتا في الفوز بذهبية الـ200 متراً صدراً سباحة, وتمكن المنتخب الهندي في الهوكي على الحشيش من انتزاع لقب المسابقة, التي حاز عليها فيما بعد ست مرات بين 1928 و1960 بشكل متتالي, وتألق المصريون حيث حصدوا أولى ميدالياتهم الأولمبية, وكان عداؤو فنلندا الطائرون على موعد جديد مع انتصارات بطلها كالعادة بافو نورمي, وبرز أيضاً السباح الأميركي جوني ويسمولر مرة أخرى.

في ألعاب القوى واصل في النسخة الأولمبية التاسعة عداؤو فنلندا سيطرتهم في سباقات التحمل الهوائي, فنجح بافو نورمي paavo nurmi في الفوز بذهبية الـ10 آلاف متر رافعاً رصيده إلى تسع ميداليات ذهبية أولمبية عموماً, وحصد مواطنه فيي ريتولا ذهبية الـ5 آلاف متر كما نال هاري لارفا لقب الـ1500م, لكن الفنلنديين خسروا لقب الماراثون حين اكتفوا بالفضة بعدما نجح وبمفاجأة العداء الفرنسي ذو الأصول الجزائرية أحمد بوغيرا العوفي في الفوز بالذهبية مانحاً بلاده الذهبية اليتيمة في رياضة أم الألعاب التي شهدت مفاجأة أخرى تمثلت في فوز العداء الكندي بيرسي ويليامس percy williams بلقبي السبرنت في المئة والمئتي متر.وتمكن رياضيو الولايات المتحدة من السيطرة على مسابقات الميدان من رمي ووثب إذ نجحوا في الفوز بثلاث عشرة ميدالية من أصل أربع وعشرين, من بينها خمس ذهبيات, في الوقت الذي لم يبرع فيه الفنلنديون كما في الجري المتوسط والطويل, وتراجعت نتائجهم عن تلك التي سجلوها في أنفير واكتفوا بالمركز الثاني في رمي القرص والثالث في الوثب الطويل, فيما نال الأميركيون ذهبيات مسابقات رمي القرص ودفع الكرة الحديدية والوثب العالي والوثب الطويل والوثب بالزانة وذلك بمعزل عن الفضة والبرونز أيضاً, أما لدى السيدات فنالت الولايات المتحدة ذهبية المئة متر, وكندا ذهبيتي 4×100م والوثب العالي, وبولونيا ذهبية رمي القرص, وألمانيا ذهبية الـ800م, وقد تصدرت الولايات المتحدة ذهب المسابقة بتسع ذهبيات مقابل خمس لفنلندا.

وفي رياضة السباحة حافظ الأميركي جوني ويسمولر Johnny Weissmuller, على لقبيه في المئة متر حرة والـ4×200م حرة, رافعاً رصيده من الميداليات الأولمبية إلى ست بينها واحدة في رياضة كرة الماء مع منتخب بلاده, وشكلت هذه الألعاب الظهور الأخير له, إذ اعتزل السباحة واتجه إلى السينما حيث لعب دور طرزان في الفيلم الشهير واعتبر من أفضل من أدى هذا الدور إطلاقاً, وقد ظلت أرقامه القياسية المتعددة صامدة لعدة سنوات بعد اعتزاله..أما عموماً فسيطرت الولايات المتحدة على السباحة حاصدة ست ذهبيات مناصفة بين سيداتها ورجالها فيما جاءت هولندا ثانية بذهبية يتيمة شأن عدة دول غيرها.

وبرز المنتخب الهندي بشكل لافت في رياضة الهوكي على الحشيش التي جرت مبارياتها بين السابع عشر والسادس والعشرين من شهر مايو 1928 بمشاركة تسعة منتخبات بعد انسحاب تشيكوسلوفاكيا, وقسمت الفرق وقتها إلى مجموعتين, واحدة من خمس فرق والثانية من أربع, تبارى بعد الانتهاء من مباريات كل مجموعة الفريقين اللذين جاءا في المرتبة الثانية على المركز الثالث والرابع وهما ألمانيا وبلجيكا, وفازت الأولى وقتها 3-0, فيما لعبت الهند في النهائي مع هولندا على المركزين الأول والثاني وفازت الهند بثلاثية نظيفة, علماً أنه لم يدخل مرماها أي هدف في الدورة, وكان هجومها مخيفاً إذ سجل في الدور الأول 26 هدفاً, فيما جاءت منتخبات ألمانيا وهولندا وبلجيكا في المركز الثاني برصيد ثمانية أهداف فقط.

وسجل العرب ميدالياتهم الأولمبية الأولى في هذه الألعاب عبر مصر في مشاركتها الأولمبية الرابعة بإحرازها ذهبيتين وفضية وبرونزية, الذهبية الأولى في المصارعة اليونانية الرومانية عبر إبراهيم مصطفى (1904-1968) في وزن الخفيف الثقيل (-82,5 كلغ), وقد فاز في النهائي على متحديه الألماني أدولف ريغر, فيما ذهبية البرونزية لفنلندا, أما الذهبية الثاني فنالها السيد نصير (1905-1968) في رفع الأثقال في وزن الخفيف الثقيل, محققاً أربع أرقام اولمبية ورقماً عالمياً وكان مجموعه 355 كلغ, ووقتها كانت رفع الأثقال عبارة عن ثلاث حركات, هي الخطف والنتر والضغط, وقد سجل نصير 100 كلغ في الضغط, و112,5 في الخطف, و142,5 في النتر, وحل ثانياً فرنسي بفارق 2,5 كلغ, وثالثاً هولندي بفارق 17,5 كلغ, فيما نال الفضية والبرونزية فريد سميكا (1907-1944) في مسابقة الغطس عن الثلاثة أمتار سلم متحرك والعشرة أمتار سلم ثابت, والأخيرة شملت الغطس عن خمسة وعشرة أمتار وفي باقي الرياضات تصدرت إيطاليا الملاكمة بثلاث ذهبيات من ثماني أمام الأرجنتين بإثنتين, ونالت كل من ألمانيا والنمسا ذهبيتين في رفع الأثقال أمام فرنسا ومصر ولكل من الأخيرتين ذهبية من أصل ست متاحة, ونالت كل من فنلندا والسويد ثلاث ذهبيات في المصارعة مع فارق في الفضة والبرونز, وذلك من أصل 13 متاحة, وفي المبارزة حصدت كل فرنسا وإيطاليا والمجر ذهبيتين فيما ذهبت سابع ذهبية لألمانيا, وتبوأت سويسرا صدارة الجمباز بخمس ذهبيات من ثماني متاحة, ونالت كل من هولندا وألمانيا ذهبيتين في الفروسية من أصل ست, وتوزعت ذهبيات التجديف السبع بين ست دول فكانت الولايات المتحدة الوحيدة التي نالت ذهبيتين, وسيطرت الدنمارك على رياضة الدراجات بثلاث ذهبيات من ست, فيما تقاسمت ثلاث دول ما تبقى هي هولندا وإيطاليا وفرنسا, ونالت الأوروغواي ذهبية كرة القدم أمام الأرجنتين وإيطاليا التي حلت ثالثة بفوزها على مصر 11-3 وتوجت ألمانيا بذهبية كرة الماء أمام المجر وفرنسا.

وقفات بارزة

الشعلة الاولمبية

لأول مرة في تاريخ الألعاب الأولمبية تم إيقاد الشعلة الاولمبية في افتتاح دورة ألعاب أمستردام 1928, وقد بني لهذه الغاية برجاً خاصاً هندسه هولندي يدعى يان ويلز, وأضاءها أحد العاملين في شركة الكهرباء في أمستردام وظلت مشتعلة طيلة فترة الدورة, ومن وقتها لم تغب الشعلة عن الألعاب الاولمبية, وسجل أول تبادل لها عبر العالم العام 1936 في أولمبياد برلين.

بيرسي ويليامس (1982-1908)

من مواليد فانكوفر في كندا, فاز في التصفيات الكندية المؤهلة لاولمبياد أمستردام في سباقي المئة والمئتي متر وكان هو نفسه متفاجئاً بنتيجته, شارك في هولندا وحقق نتيجة مميزة في السباقين عن عمر 20 عاماً بفوزه في الاثنين بعد تركيزه كثيراً على الانطلاق حيث نجح في السباقين في التصدر منذ البداية, وقد برهن في سباقات وبطولات أخرى عدة أنه الأفضل عالمياً وقتها, إذ نجح في الفوز في تسعة عشر سباقاً من أصل 21 خاضها, شارك فيما بعد في أولمبياد لوس أنجليس 1932 لكنه فشل في التصفيات ربع النهائية, ومن ثم ترك ألعاب القوى بعد ذلك.

إليزابيت روبنسون (1999-1911)

كانت في عمر الستة عشر عاماً حين اكتشف أحد المدرسين سرعتها المميزة, خاضت أول سباق لها قبل أربعة أشهر فقط من أولمبياد أمستردام 1928, محققة رقما عالمياً جديداً في المئة متر, نافست في السباق نفسه في الألعاب الاولمبية فباتت أول امرأة تعانق الذهب في الألعاب الأولمبية في رياضة ألعاب القوى, وعززت غلتها بفضية الـ4×100م..تعرضت بعد ثلاث سنوات من فوزها الاولمبي لحادث تحطم طائرة, اعتقد من وجدها بأنها ميتة فنقلها إلى حانوتي, بقيت في غيبوبة لمدة سبعة أسابيع, وعاجزة عن المشي بشكل جيد لمدة سنتين لكنها تماثلت للشفاء فيما بعد, أرادت العودة للجري لكنها كانت عاجزة عن طي ركبتها كاملاً وبالتالي لا قدرة لها على أخذ وضع الاستعداد في الانطلاق, لكنها عدت في أولمبياد 1936 في البدل وفازت بذهبية الـ4×100م.

ميكيو أودا (1998-1905)

أول بطل أولمبي آسيوي في المسابقات الفردية, فاز بذهبية مسابقة الوثب الثلاثي مسجلاً 15,21 متراً, ونافس أيضاً في مسابقات الوثب الطويل والوثب العالي, في ألعاب 1924, 1928 و1932, حقق رقماً عالمياً في العام 1931 مسجلاً 15,58 متراً, وتقديراً لإنجازه في أولمبياد أمستردام 1928, تم رفع العلم الأولمبي في دورة الألعاب الأولمبية العام 1964 في طوكيو إلى ارتفاع 15,21 متراً. اختير العام 2000 أفضل لاعب ألعاب قوى في آسيا عن القرن العشرين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى