الحلقة الخامسة عشرة ..الدورة السادسة عشرة 1956- بملبورن تبهر العالم

> قطر «الأيام الرياضي» عن الجزيرة الرياضية :

>
نالت استراليا شرف استضافة النسخة السادسة عشرة من الألعاب الأولمبية في المؤتمر الثالث والأربعين للجنة الأولمبية الدولية الذي انعقد في الثامن والعشرين من ابريل 1949, وقد تفوق الاستراليون بفارق صوت واحد على بوينس آيرس الأرجنتينية التي لم تكن الوحيدة المنافسة بل كانت مدن لوس أنجليس وديترويت وشيكاغو ومينيابوليس وفيلادلفيا وسان فرانسيسكو الأميركية ومكسيكو المكسيكية أيضا في سباق التنافس على احتضان الألعاب.

حروب ومقاطعات

نظمت الدورة ما بين الثاني والعشرين من نوفمبر والثامن من ديسمبر 1956 في ظل مقاطعة العديد من الدول لأول مرة في التاريخ الاولمبي ولأسباب متعددة كلها سياسية. وامتازت الدورة بأنها الأولى التي أقيمت في المنطقة الجنوبية لنصف الكرة الأرضية حيث المسافة بعيدة والطقس مختلف الأمر الذي ولد اعتراضات عدة..وقد جرت فعاليات النسخة السادسة عشرة في ظل الرئيس الجديد للجنة الأولمبية الدولية الأميركي افري برانديج الذي حضر الافتتاح في ستاد ملبورن الأولمبي بحضور 104 آلاف متفرج, استمعوا لنشيد أولمبي جديد لمؤلف موسيقي بولوني, كما تم في أولمبياد ملبورن تبادل الشعلة التي انطلقت من أولمبيا اليونانية في الثاني من نوفمبر 1956, وقد أضاءها في الافتتاح رون كلارك لاعب ألعاب القوى الاسترالي, فيما ردد قسم الرياضيين جون لاندي, وهو لاعب ألعاب قوى بدوره.

إذا باتت دورة ملبورن 1956 الأولى من نوعها التي شهدت مقاطعة واسعة على خلفيات سياسية متعددة, فأوروبياً قاطعت دول إسبانيا وهولندا وسويسرا على خلفية الغزو والقمع السوفياتي العنيف للثورة المجرية التي قامت ضد الوجود السوفياتي نفسه فلجأ الأخيرون إلى استعمال أسلحتهم الثقيلة من دبابات وغيرها لسحق الثوار, ومن جهة أخرى سبب السماح بمشاركة اسرائيل مقاطعة من دول لبنان ومصر والعراق على خلفية العدوان الثلاثي الذي تعرضت له مصر العام 1956 من بريطانيا واسرائيل وفرنسا بسبب تأمين قناة السويس الأمر الذي قطع الأرباح المادية على الانجليز, علماً أن مشاركة فرنسا واسرائيل في العدوان كان لها أهدافها الخاصة بعيداً عن التأميم.. كما غادر الصينيون الشعبيون الألعاب ولم يشاركوا بسبب رفع علم دولة تايوان أو الصين الوطنية وكانت تحت إسم فوموزا وقتها.

أمران آخران عكرا صفو الألعاب قبل بزوغها النور, أولهما موقع استراليا الجغرافي في نصف الكرة الأرضية جنوبي خط الاستواء, حيث المسافة بعيدة والطقس مختلف فلا مجال لإقامة الألعاب سوى في الشتاء, وهكذا حصل, كون الطقس يكون صيفيا حينها, مما انعكس سلبا على الرياضيين واستعداداتهم, أما ثاني المشاكل فتمثل بإلغاء استراليا مسابقة الفروسية من الجدول كونها كانت منعت دخول الخيول لأراضيها بسبب الحجر الصحي, فاضطرت اللجنة الاولمبية الدولية إلى إقامة هذه المسابقة بشكل منفرد في ستوكهولم في العاشر من يونيو أي قبل انطلاق الأولمبياد بخمسة أشهر ونصف, وباتت تلك المرة الثانية التي جرت فيها الألعاب في دولتين الأولى كانت العام 1920 في دورة انفير حين أقيم سباقا للتجذيف بين بلجيكا وهولندا.

شارك في هذه النسخة اثنان وسبعون دولة في مسابقة الفروسية والألعاب في ملبورن, لكن في استراليا بشكل منفرد شاركت سبع وستون دولة, إذ أن خمس دول سبق أن شاركت في الفروسية في ستوكهولم غابت عن ملبورن وهي كمبوديا, مصر, هولندا, سويسرا وإسبانيا, كما شاركت الألمانيتان الشرقية والغربية بإسم ألمانيا الموحدة, أما الدول الجديدة التي سجلت ظهورها الاولمبي الأول هي إثيوبيا, فيدجي, كينيا, ليبيريا, ماليزيا, أوغندا وبورنيو الشمالية, وهي مقاطعة من جزيرة بورنيو الآسيوية العملاقة, كانت تتمتع باستقلال ذاتي تحت السيطرة البريطانية وهي تتبع الآن ماليزيا, علما أن جزيرة بورنيو, التي هي ثالث أكبر جزيرة في العالم تتقاسم مناطقها دول ماليزيا وإندونيسيا وسلطنة بروناي.

أما المشاركين في هذه الدورة فبلغوا 3314 لاعبا ولاعبة, منهم 376 من الجنس اللطيف, وهذه الأرقام تشمل المشتركين في ستوكهولم وملبورن,ونافس هؤلاء في سبع عشرة رياضة هي ألعاب القوى التي ضمت 33 منافسة:الشراع, التجذيف, كرة السلة, ملاكمة, كرة قدم, جمباز, رفع أثقال, هوكي على الحشيش, مصارعة, الخماسي الحديث, ألعاب الماء (كرة ماء, سباحة, غطس), الرماية والمبارزة أو السلاح, وقد نجح السوفيات في ختام الدورة ومن المشاركة الاولمبية الثانية لهم تحت إسم الاتحاد السوفياتي في كسر الهيمنة الأميركية في السيطرة الاولمبية, وتصدروا في ختام الدورة قائمة الميداليات بفارق أربع وعشرين ميدالية في المجموع العام عن الأميركيين, بينهم خمس ذهبيات, 37 للعملاق الأوروبي, مقابل 32 لنظيره الأميركي.

المسابقات الرياضية

فرض الأميركيون كالعادة سيطرتهم على مسابقة ألعاب القوى وحصدوا 16 ميدالية ذهبية من أصل 33 مقابل خمس للسوفيات, ودانت سيطرة الأميركيين في الجري السريع في مسافات م100 و200م و400م والـ110م حواجز, ومسابقتي البدل 4×100م, و4×400م, وكان نجمهم بوبي جو موروو, boby joe morrow الذي نال ثلاث ذهبيات بسهولة تامة في الـ100 والـ200, والبدل 4×100م, كما سيطروا في معظم مسابقات الميدان من وثب بالزانة ورمي القرص والمطرقة ودفع الكرة الحديدية والوثب الطويل والعالي ولم تفلت منهم سوى ذهبية الرمح التي نالتها استراليا, وتألق السوفيات في جري المسافات الطويلة ونالوا ذهبيتي الخمسة آلاف م والعشرة آلاف م عبر عدائهم فلاديمير كوتس Vladimir kuts.

أما في فئة السيدات لمع إسم الأسترالية بيتي كوثبرت betty Cuthbert بنيلها ثلاث ذهبيات, في جري الـ100م مسجلة 11,82 ثانية, مقابل 11,92 للثانية من ألمانيا كريستا سابنيك Christa STUBNICK أي بفارق مريح, والـ200م مسجلة 23,55 ثانية مقابل 23,89 لنفس العداءة الألمانية والبدل 4×100م وقد سجل الفريق الاسترالي وقتها 44,65 ثانية مقابل 44,70 لبريطانيا. وفي باقي المسابقات نال الاتحاد السوفياتي ذهبيتي دفع الكرة الحديدية والرمح عبر تامارا تيشكيفيتش Tamara Tyshkevich في المسابقة الأولى مسجلة 16,59م مقابل 16,53م لسوفياتية أخرى جاءت وصيفة, وفي الثانية عبر إنيس يونزين Inese YAUNZEME التي سجلت 53,86م, مقابل 50,38م للوصيفة من تشيلي.

وقد سجل لدى السيدات الرقمان العالميان الوحيدان في منافسات أم الألعاب, الأول في الوثب العالي عبر الأميركية ميلدريد مكدانيال Mildred McDaniel في الوثب العالي, والثاني عبر النرويجية إيغيل دانيلسينEgil Danielsen في رمي الرمح.

وفي السباحة تنافس السباحون على سبع مسابقات فيما تنافست السباحات على ست, ولمع الاستراليون بشكل كبير جداً ذكوراً وإناثاً, وحصدوا في ختام المسابقة ثماني ذهبيات من ثلاث عشرة متاحة وأضافوا إليها أربع فضيات وبرونزيتين, وشمل تألقهم اكتساحهم لكل ذهبيات السباقات الحرة في فئتيها رجالا وسيدات, وفي الفئة الأولى تحديداً نجح موراي روز. Murray Rose في تكرار إنجاز عمره 32 عاما حين أحرز ذهبيتين في السباحة الحرة في مسافتي الـ400م والـ1500م في إنجاز لم يسبقه إليه سوى الأميركي الشهير جوني ويسمولر العام 1924, كما نالت داون فرايزر ذهبيتي المئة متر حرة والبدل 4×100م حرة, علما أنها انطلقت أولى في سباق البدل والجدير ذكره أنه في هكذا نوع من السباقات ينطلق أفضل السباحين أولا وأخرا في الترتيب إذ أن هاتين المرحلتين تشكلان فرقا في المنافسة.

وفي مسابقة كرة الماء أحرزت المجر اللقب المذهب مضرجاً بالدماء, إذ أنه في ذلك الوقت كانت الثورة المجرية بوجه الوجود السوفياتي في أراضيها قائمة فانعكست بطبيعة الحال على المنتخبين السوفياتي والمجري الذي وجد في مواجهته مع السوفيات في المرحلة النهائية الذي جرى بنظام دوري من ست فرق, منفذاً للثأر لشعبه من قمع الدولة الحمراء السابقة للمجريين, فاتخذت المباراة لحساسية الموقف مساراً عنيفاً وزاد حدة المواجهة أنها كانت قبل الأخيرة لكل فريق, وكان المجريون في الصدارة بفارق نقطة أمام يوغوسلافيا ونقطتين أمام الاتحاد السوفياتي الذي كان الفوز يمنحه صدارة مشتركة مع المجر, وأفضلية عامة كونه كان سيقابل ألمانيا متذيلة الترتيب في لقائه الأخيرة فيما كان لقاء المجر صعباً مع يوغوسلافيا.

أمام هذا الواقع ارتفعت درجة الغليان من جميع جوانبها, خصوصاً مع خروج أحد أفراد الفريق المجري إرفين زادور مضرجاً بالدماء نتيجة جرح بليغ في عينه سببه لكمة من الروسي فالنتين بروبوكوف, وباتت هذه المباراة تعرف بإسم «الدماء في مباراة الماء» مع تحول لون المسبح للأحمر لكثرة الدماء الناتجة عن الاحتكاكات القوية وتطور الأمر إلى تشابك بالأيدي, أجبر الشرطةعلى التدخل, لكن في النهاية تمكن المجريون من التفوق على منافسيهم أو «خصومهم» بنتيجة 0-4, وما زالت إلى اليوم هذه المباراة تعتبر الأشهر في تاريخ لقاءات كرة الماء..وذهبت فضية المسابقة ليوغوسلافيا والبرونزية للاتحاد السوفياتي.

وتألق السوفيات في رياضة الجمباز وحصدوا إحدى عشرة ذهبية وست فضيات ومثلها من البرونز, مقابل أربع ذهبيات للمجر وفضيتين وبرونزيتين, كما نال السوفيات بقيادة الأسطورة ليف ياشين حارس المرمى الشهير ذهبية كرة القدم لأول مرة في تاريخهم الاولمبي وقد شارك في منافسات المسابقة إحدى عشرة دولة فقط فيما نالت يوغوسلافيا الفضية وبلغاريا البرونزية, وفي رفع الأثقال فازت الولايات المتحدة بمجموع سبع ميداليات شأن الاتحاد السوفياتي الثاني إنما مع أربع ذهبيات أميركية مقابل ثلاث للدولة الأوروبية علماً أن الأوزان كانت سبعة.

ونال السوفيات أيضا ست ذهبيات في المصارعة في فئتيها بينها خمس في الحرة مقابل ثلاث لتركيا, وتفوق الأميركيون في الغطس بثلاث ذهبيات من أربع ممكنة عكرها لقب مكسيكي, وتصدر السوفيات مسابقة الرماية بثلاث ذهبيات وأربع فضيات وبرونزية, فيما توزعت الألقاب الأربعة الباقية على أربع دول.. وسحقت سلة الولايات المتحدة سائر الفرق ونالت الذهب على حساب الاتحاد السوفياتي 55-89 في النهائي, فيما ذهبت البرونزية للأوروغواي بفوزها على فرنسا 62-71, وفي الهوكي تابعت الهند هيمنتها ونالت الذهب أمام الباكستان وألمانيا.

وقفات بارزة

جدل ونزاهة

شهدت مسابقة الثلاثة آلاف متر موانع للرجال اضطرابا وجدلاً واسعاً , إذ جرد القضاة العداء البريطاني كريس براشر Chris Brasher من ذهبيته معتبرين أنه أعاق أثناء الجري في سياق السباق منافساً نرويجياً إرنست لارسن Ernst Larsen وعليه اعتبروا المجري سانور روزنيوي Sandor Rozsnyoi الفائز بالسباق, لكن البريطاني استأنف الحكم وبشكل ملفت لاقى دعماً من لارسن و روزنيوي والعداء الذي احتل المركز الرابع هاينز لوفر من ألمانيا, وفاز البريطاني باستئنافه وأعيدت الذهبية له.

لازلو باب (2003-1926)

ملاكم مجري لمع أولمبياً في دورات لندن 1948 وهلسنكي 1952 وملبورن 1956, ففاز في الأولى بذهبية وزن المتوسط (بين 67 و73 كلغ), وفي الثانية والثالثة فاز بذهبيتي وزن الخفيف المتوسط (بين الـ67 والـ71 كلغ), وبات بإنجازه هذا أول ملاكم احتفظ بلقبه لثلاث دورات متتالية, نال بالإضافة لألقابه الاولمبية بطولة أوروبا العام 1949 لوزن المتوسط في أوسلو, والعام 1951 لوزن الخفيف المتوسط في ميلان, وحقق في مسيرته كهاو 55 فوزا بالضربة القاضية من الجولة الأولى, وقد احترف الملاكمة في العام 1957 فاضطر للسفر إلى فيينا النمسا لممارسة الرياضة كمحترف, كون القوانين المجرية التي كانت تحت النظام الشيوعي لم تكن تسمح بالاحتراف, وفي عالمه الجديد فرض سيطرته مرة أخرى وكان لا يقهر وحقق في مسيرته الاحترافية 27 انتصاراً وتعادلين, منها 15 بالضربة القاضية.

بوريس شاخلين (2008-1932)

لاعب جمباز سوفياتي من أعظم من شارك في الألعاب الأولمبية, كان طويل القامة بالنسبة للاعب جمباز، الأمر الذي سبب له إزعاجاً في الحركات الأرضية, وقد حاز في مسيرته على 13 ميدالية أولمبية, سبع ذهبيات وأربع فضيات وبرونزيتين, وأحرز في دورة ملبورن 1956 ذهبيتين في الفرق وحصان الحلق, ثم نال في أولمبياد روما أربع ذهبيات وفضيتين وبرونزية, وجاءت ذهبياته على أجهزة حصان الحلق, حصان القفز, المتوازي, والجهاز الأرضي, ثم نال في أولمبياد 1960 ذهبية وفضيتين وبرونزية, ويعتبر أكثر الرياضيين تتويجاً أولمبيا بشكل عام..كما انسحب تألقه على بطولة العالم حيث نال 14 ميدالية بين 1954 و1962, منها ست ذهبيات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى