في الذكرى الـ 50 لتأسيس «الأيام» 7 أغسطس 1958- 7 أغسطس 2008م.. العميد باشراحيل أحد رموز الرعيل الذي لن يتكرر

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> ها هو التاريخ يعيد نفسه بالنسبة للمحروسة «الأيام»، حيث تشير وثيقة ميلادها بأنها خرجت إلى النور صبيحة الخميس 7 أغسطس 1958م، وها نحن نحتفل بعيدها الخمسين في يوم الخميس 7 أغسطس 2008م بعد انتقال الراية من العميد محمد علي باشراحيل- يرحمه الله- إلى نجليه هشام وتمام، فكانا- ولله الحمد- خير خلف لخير سلف، وواجه الخلف والسلف تحديات صعبة ومحفوفة بالمخاطر.

العميد المؤسس محمد علي باشراحيل (4 أبريل 1919- 21 فبراير 1993م) عصامي، نال قسطا متواضعا من التعليم، وأصبح ضليعا باللغتين العربية والإنجليزية، وخير شاهد على ذلك الصحف التي أصدرها: الرقيب (1955م باللغتين العربية والإنجليزية)، وفي 7 أغسطس 1958م أصدر «الأيام» يومية مستقلة باللغة العربية والـ «RECORDER» أسبوعية مستقلة باللغة الإنجليزية، كما كان- رحمه الله- نجما لامعا متألقا في ساحات متنوعة: المجلس البلدي والمجلس التشريعي، ووصوله إلى مركز نائب رئيس حزب رابطة أبناء الجنوب (SAL) وإذاعة عدن ونادي الإصلاح العربي (بالتواهي) ومجلس أمناء مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية، ومن شهود التاريخ الذين ما يزالون على قيد الحياة الأستاذ مصطفى عبدالكريم بازرعة- متعه الله بالصحة وأطال عمره.

متى نتشرب قيم التقييم؟

من المآخذ المطروحة على العقل العربي أنه مصاب بالكسل، لأنه لا يستخدم أدوات الاستفهام: كيف؟ لماذا؟ متى؟ أين؟ إلى آخر الأدوات، ومن المآخذ المطروحة عليه أيضا أنه يخضع للعواطف، فيفقد قيمته أو قيمة وظيفته، ولذلك نجد الإنسان العربي (إلا من رحم الله) منساقا في التأييد أو التعامل دون أن يوظف أدوات التقييم بصورة منتظمة حتى تتضح له مواطن القوة ومواطن الضعف. ليس مطلوبا من المرء أن يحمل المباخر أو يناصب الآخرين العداء، لأننا لسنا أعداء بعض، وإنما المطلوب منه تكوين انطباع أو رأي للتباري مع انطباعات أو آراء الآخرين، ولذلك فإن إصدار الأحكام على الآخرين لا يأتي جزافا، وإنما تصدر بعد دراسة متمعنة لأفكار ومواقف الشخص (طبيعيا كان أم اعتياديا) من القضية الوطنية والهم العام (سياسيا أم اقتصاديا أم اجتماعيا أم ثقافيا.. إلخ).

«الأيام» - العدد 744 - 5 يناير 1961:

كتب العميد باشراحيل «كلمة اليوم» في العدد المذكور، وكان عنوان الكلمة «للإيضاح» وهي كلمة طويلة، وملخصها أن الأحزاب السياسية عندنا ظاهرة جديدة وممارسة كل جديد تشوبها «الحيطة والحذر» ولا بأس بوجود الخطأ، إلا أن يكون مخيفا فهو يقول:«والفترة التي نمر بها الآن بالذات مليئة بالخطأ.. الخطأ الذي تتضاءل أمامه نسبة الصواب».

وضع العميد باشراحيل الرأي العام أمام هذا المحذور السائد حتى يومنا هذا ويقول نصاً: «إن الأحزاب السياسية في نظرنا لا تقوم على أساس تدعيم الأشخاص، بل تقوم على أساس تدعيم المبادئ وتسخيرها لخدمة القضية الوطنية، تجاوبا مع إرادة الشعب وأمانيه بواسطة التخطيطات التي تضع معالم الطريق والبرامج التي تحدد نوعية المستوى للشعب...».

«إذا انعدمت الروح الديمقراطية في التشكيل الحزبي سوف لا يطمئن الشعب إليه خوفا منه إذا ما توصل إلى الحكم من أن يتبع سياسة الفرض والاضطهاد، وهي السياسة التي تمليها إرادة السيطرة الفردية».

«الأيام» - العدد 760 24- يناير 1961:

موضوع افتتاحية العدد المذكور «حين تغيب الملائكة تحضر الشياطين»، تناول فيها عجز القوى الشعبية المخلصة عن إعادة تنظيم وحدتها لتحسين مستوى تمثيل الشعب، وأفرز ذلك العجز فراغا سياسيا مخيفا لترتفع وتيرة القلق في الأوساط الشعبية، لأن الطامة الكبرى أن ذلك الفراغ سيفسح المجال أمام العناصر الانتهازية وسلوكيات عملها القائمة على التضليل في بداية نشاطها، وتجدها تتحدث عن الوحدة والحرية والكرامة و.. و.. على الرغم من معرفتنا مسبقا بنواياها وأهدافها البعيدة عن خدمة الشعب، والتي لا تخدم إلا الفلك الذي تسير فيه، وإن كان ذلك على حساب الوحدة والحرية والكرامة.

«الأيام» - العدد 1216 14- سبتمبر 1962م:

موضوع الافتتاحية «موقفنا من الأحزاب»، يتناول فيه العميد باشراحيل مخاطر الحزبية على المهنية الصحفية، وأشار إلى أخطر المعارك التي خاضتها الأحزاب السياسية آنذاك، وكانت ساحاتها منابر الصحف والخطابة مع اقتراب موعد انعقاد المجلس التشريعي لدراسة اتفاقية لندن حول انضمام عدن إلى الاتحاد الفيدرالي، واتخذت المعارك طابعا سياسيا، بحكم انتساب أصحابها أو محرريها إلى الأحزاب المختلفة، ويمضي العميد في توضيح موقفه بالقول: «إلا أن هذه الصحيفة وزميلتها «الركوردر» الأسبوعية ظلتا بعيدتين عن المعارك الحزبية والاتجاهات الحزبية».

«وهما إلى جانب ذلك احتفظتا أيضا بقدسية الخبر ونشره دونما تحيز لحزب أو آخر».

إلا أن صحفيين ناشئين استهوتهم الحزبية - بحسب إفادة العميد- يرون أن نشر «الأيام» للأخبار إنما تهدف من ورائه كسب هذه الجهة أو تلك، طالما وأن الأخبار التي نشرتها «الأيام» اعترضت تفكيرهم ووسائلهم، ويختتم العميد تعليقه:«إن الطريق الذي نسلكه قد يكون طريقا متفردا بذاته، ولكننا مطمئنون إلى السير فيه ما دمنا لا نروم جاها أو نقصد مكسبا».

«فليتجه الناشئون على الصحافة إلى معرفة الأصول الأساسية للمهنة قبل أن ينصبوا من أنفسهم أساتذة يلقنون الدروس غيرهم».

ليعلم القراء الكرام أن العميد غسل يديه من العمل الحزبي، وترك أرفع مركز داخل أعرق حزب في الساحة فور قناعته في السير على درب الصحافة صونا للحيادية في العمل الصحفي.

«الأيام» - العدد 219 26- أكتوبر 1966م:

تمحورت الافتتاحية حول «تعذيب المعتقلين» في معتقلات «رأس مربط» بصفة خاصة والشكوى انتشرت في المساكن والأحياء والأزقة.. هذه حقيقة لا ينكرها أحد ولكن الشيء الذي ينقص الشكوى هو الدليل والبرهان، وهذا ما لم يتمكن أحد من تقديمه ما دامت الزيارات لمعتقلات «رأس مربط» محظورة على أهالي المعتقلين، وعلى ممثلي الهيئات الدولية. يقضي المعتقلون بضعة أسابيع في معتقل «رأس مربط» لإجراء التحقيق معهم، ويحولون بعد ذلك إلى سجن المنصورة وهناك يسمح بزيارة أهل المعتقلين لهم مرة واحدة كل أسبوعين.

يمضي العميد في كلمته قائلا: «إن الدليل المادي على وجود التعذيب هو كل ما ينقص الشكوى، وليس بالأمر الهين توفره، وإلا تصدعت سمعة بريطانيا في المحافل الدولية، لأن التعذيب عمل تحرمه القوانين الدولية تحريما باتا».

«إن الاتهام الموجه إلى السلطات البريطانية بهذا الخصوص لن يزيله مجرد النفي ما دام المعتقلون في «رأس مربط» يعيشون في عزلة تامة عن ذويهم، وعن ممثلي المنظمات الدولية ورجال القضاء».

يختتم العميد باشراحيل الافتتاحية بتذكير السلطات البريطانية بالمثل الإنجليزي القائل: «لا دخان من دون حريق» NO SMOKE WITHOUT FIRE.

إن كتابات العميد باشراحيل تم حصرها في عدة ملفات مبوبة وفق تصنيفات محلية وعربية وإسلامية، وفي قضايا التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأفرد حيزا للمرأة والشباب والأطفال وقضايا أخرى.

إن الوقوف أمام تلك الملفات سيمكنك من تسليط الضوء على الرجل، وعلى عصره، وستتعرف على الساحة التي عايشها الرجل والرجال الذي شاركوه المرحلة في ظل نظام المجتمع المدني الذي اخترقته الرصاصات والقنابل لنسير في طريق المجهول.

رحم الله العميد محمد علي باشراحيل وكل الكبار (من الجنسين) الذين عايشوه تلك المرحلة.. آمين!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى