تداعيات المشهد الأخير

> د.عبدالله عوبل:

> فجأة وعلى عكس دلالة المقدمات انتهى الاشتباك بين طرفي الهياج البرلماني الأخير منتصف الأسبوع الماضي إلى فض المولد، وما تلاه من تداعيات دراماتيكية للحرب الكلامية بينهما.. يبدأ المشهد بمساجلات حول التعديلات على قانون الانتخابات، وتترافق معها تداعيات مدوية تبدأ بتأخير إجازة المجلس النيابي للإشارة إلى عظمة القضية المتنازع حولها، وانسحابات متبادلة للكتل البرلمانية, وأصوات تتعالى داخل قاعة المجلس باتجاه الحضور المكثف لوسائل الإعلام، وفي غياب المواطن المطحون بالفقر والغلاء ومصائب الدنيا كلها عن هذا السجال.

يخرج الحزب الاشتراكي عن صمته ويرفض صفقة (الآنسي - العليمي) التي أسست لانسحاب المشترك من فضاء الإصلاحات، وتبريد النقاط الساخنة إلى مربع التقاسم الانتخابي، ويقرر الآخرون السير حتى النهاية، وقبل أن يدس ممثل المشترك يده اليمنى في جيبه لإخراج قائمة ممثليه في اللجنة العليا للانتخابات، كان المؤتمر قد قرر إلغاء الصفقة.

هي معركة لم ينبعث عنها أي غبار يحول دون رؤية مطالب المعارضة وهي تذوب شيئا فشيئاً كما تذوب كومة الثلج في يوم مشمس. ولقد (استبسل) الطرفان في (عنادهما)، إذ يصر المؤتمر على أن الانتخابات يجب أن تكون نسخة من سابقاتها، وهي مقدمة وحل لمآسي صعدة والجنوب والفقر والبطالة والفساد وفشل التنمية، ويحصل المشترك على مقابل ليس في التعديلات بل في مكان ما، ربما إمارة موناكو.

في سياق الترتيبات الانتخابية بين الطرفين جاء اتفاق (الآنسى - العليمي) الذي لم يشر إلى القائمة النسبية والكوتا، وجل نقاط البارونة، وإلغاء الموطن الثالث، وتنقية سجلات الناخبين، وهي مطالب لطالما أجمعت عليها المعارضة داخل المشترك وخارجه.

وباستثناء إدراك الاشتراكي أن السير مع الاتفاق هو بمثابة انتحار مبكر له، مقررا التريث، فقد حقق المؤتمر فوزا، سيبقى ماثلا حتى بعد إلغاء اتفاقية (الآنسى - العليمي)، وهو إسقاط كل الأجندة والشروط المعلنة كعوامل ضرورية للانفراج الوطني وإنقاذ المجتمع من براثن الأزمة، مقابل موطئ قدم في الانتخابات القادمة.

نعلم أن أصحابنا برجماتيون، وأنهم ينكرون أبغض الحلال، وأن شيئا ما لايزال يشدهم كحبل سري إلى رياض السلطة ونعيمها، لكن الواقع المعيشي للناس لايحتمل برجماتية من هذا النوع، وإن كانت جائزة في ظروف غير هذه.

بعد أيام سيأتي رمضان، وسترتفع الأسعار، وستتوارى غالبية السكان عن الأنظار والأسواق، ويترافق مع قدوم رمضان ارتفاع أسعار الديزل الذي سيؤدي إلى ارتفاع مخيف في كل المواد والخدمات، ولن يحتمل الناس كل هذا، لذلك سيكون صادما لمواطنينا ركونهم إلى جدار هش تنهار معه أحلامهم، ولاينبغي أن نضحي بآمالهم إرضاء للذين يريدون أن تحمل جثة الوطن المسجى في تابوت الانتخابات.

أود أن أنبه المجتمع المدني وأعضاء الأحزاب وكل المهتمين بالشأن العام أن يمعنوا النظر في تركيب المنظومة الحزبية القائمة للمعارضة، وأن يعززوا بناءها خارج هذا النسق التقليدي وبعيدا عن جزرة السلطة وأكياسها المليئة بالثعابين، وعلى قواعد حديثة مغايرة لنهج المعارضة التقليدية التي تقوم على استجداء الحاكم، ولاتؤمن بقدرة المجتمع على فرض شروط يمكن رفدها باصطفاف جديد على قاعدة التنظيم المدني الذي يملك الكثير من المرونة.

في هذا المجال تعتبر مجالس التنسيق التي تشكلت في المحافظات الجنوبية نواة لإعادة هيكلة المعارضة، وتجربة يمكن البناء عليها. من الصعب أن تتخطى المعارضة حالة الركون على نتائج شطارتها في التعاطي مع الحكم، فيما تترك فضاءً سياسيا واسعا بإهمال القضايا اليومية للناس، وذلك يعني إعطاء فرصة لعودة الشمولية، وإبقاء الساحة مفتوحة لقوى وتدخلات تعبث بالبلد وأهله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى