باص المعارضة وقطار السلطة أم الماضي ومقاومته للحاضر!

> محمد علي محسن:

> أربعة عقود ونيّف والأئمة في الشمال لم يغادروا الحديث عن مخاوفهم وتوجسهم من مؤامرات محدقة بثورتهم على الأتراك، في كل مرة تسوء فيها الأوضاع أو تزيد المطالبة بالإصلاح وفك العزلة المفروضة على الشعب في المملكة المتوكلية، فتبرز الحاجة لتذكير اليمنيين بثورة قامت وقرابين قدمت في مضمار الدولة الوطنية المستقلة.

اليوم وبعد عقود أربعة وأكثر على الثورتين والاستقلال وسنوات نيّفتْ على العشرين على قيام الدولة الواحدة مازال الخطاب الرسمي منصبا في الثورة والجمهورية والوحدة، ومخاوف العودة إلى ما قبل الثورتين والدولتين والدولة المتوحدة.

في مهرجان القصة والرواية كانت الوحدة هي الحاضرة بقوة في خطاب رئيس الحكومة، لذلك لم يعد الكلام مجديا في الشأن الثقافي المتخلف للغاية، فمن بوسعه نقد الدولة أو مطالبتها بشيء من الاهتمام ناحية الثقافة عامة إذا الوحدة الوطنية مهددة بالتجزئة!.. أحد الزملاء تساءل وبنبرة ساخرة عن الرابط بين مناسبتين ذاتي صلة بالأمومة والطفولة والمخيمات الصيفية، وبين كلمتين لمحافظين، الأولى تركزت حول الحفاظ على الوحدة وأغفلت الحاجة القصوى لحفظ الأم والطفل على قيد الحياة، فيما الكلمة الأخرى ذهبت إلى الأحزاب السياسية المعارضة للانتخابات وأهملت حاجة هؤلاء الشباب في المخيمات إلى الوحدة ونبذ الفرقة والغلو والتطرف.

العالم صار أعلامه ومراكزه العلمية والبحثية تتحدث عن حقبة مابعد الولايات المتحدة الأمريكية المتربعة الآن على رأس اقتصاديات دول الكون قاطبة.. خطابنا السياسي والإعلامي لم يبرح مخاوفه وهواجسه القديمة على الثورة والجمهورية والوحدة، ليس بوسعنا الانتقال إلى مرحلة الكلام عن العولمة أو انتقال السلطة ديمقراطيا أو الأرقام المحققة في مضمار المعيشة والتنمية.. حتى الديمقراطية والتعددية الحزبية والانتخابات مازلنا في نظر من يحكم قصرا على هذه الأشياء، وإذا ما استدعت الضرورة مثل هذه الممارسة السياسية فإن علينا ألا نتطلع أكثر مما يجب أو مسموح به.

السيد ديمتروف مدير المعهد الديمقراطي الأمريكي وصف تكتل المشترك بالباص غير المكترث لتلويحات ركابه الواقفين في خط سيره، إذ إن المهمة هي الوصول للهدف (الحكم) ولو فارغا من دون جماهير (الركاب).

قد يكون ديمتروف محقا في وصفه واقع أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان، الناظر في مجمل العملية السياسية القائمة منذ حكم الأئمة وإلى الزمن الوحدوي سيجد مقولة مدير المعهد الأمريكي صالحة لكل النظم الحاكمة المتعاقبة على البلد وحتى اللحظة الراهنة.

الفارق ربما بوجود معارضة هامشية ولدت وترعرت في الحكم، والآن هي في طور التشكل، وكذلك سلطة مازالت غير قادرة على مواءمة نفسها مع العهد الوحدوي الديمقراطي التعددي.

المسألة لا تقتصر على باص النخبة المعارضة الذي لايتوقف لأحد، ولكنها أيضا بقطار عتيق ومتخلف للسلطة، وفوق ذلك بلا وجهة أو قدرة على السير لمسافة أطول وأبعد من التفكير في الحكم.

معضلة البلد تكمن في أنه لم يهتد لحكم مستقر عادل وديمقراطي.. فطوال تاريخه القديم والحديث والسلطة طريقها تمهده الدماء والتضحيات.. لأول مرة يجري فيها الحديث عن التداول السلمي للحكم كان في ظل الدولة المتوحدة لتوها، ولأن الصناديق لم تأت بجديد غير إعادة إنتاج القديم، فإن الحاصل في الحاضر يعد صورة واقعية لغياب المشروع النهضوي القادر على حمل واستيعاب تطلعات وآمال اليمنيين كافة.. لا أظن المسألة مجرد باص لايتوقف أو قطار لايمشي، بل هي في الماضي ومقاومة الحاضر ورفض المستقبل!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى