قصة قصيرة .. موت أمي

> «الأيام» نشوان محمد العثماني:

> ونحن منسجمون نمضغ القات، ونحتسي شراب الشراب، ناداني بصوت مرتفع أفزعنا جميعا، وتخيلت وقتها أن الرجل جُنَّ، أو أن شيئاً كبيراً قد حدث.

وأنا بين شكوكي، ولم أجزم بأي منها بعد، أقبل آخر، وكلاهما صديق لي، يلهث ووراءه الغبار، ما طيّر شررا في عيني، أي الاحتمالات أكيد؟ وقلت بأن الأول أقرب، وأتلقى صدمة أخرى من قرب الاحتمال الثاني.. فاجعة ربما حصلت.

وصل وهو يلهث، وبوتيرة الصوت العالية نفسها دعاني.

كنت تاكيا، وحولي زملاء كثر، ومن ناحية يميني، تشزر عيني صوتهما، ومن الغريب أني لم أحرك ساكناً.. ربما تقيدت.

تقدما نحوي، تلفوني يرن دون أن أرد عليه، اكتتبتُ في ذهني سطوراً من الشر يضيئها الشرر، يثير الرعب شعورا مفاجئا.. وصلا، أولهما قال لي: مبروك، والرذاذ يتطاير من فمه، والثاني قال: عظم الله أجرك، وسرعان ما كرهت الأول.

استقمت وقلت له:

-من مات؟

-لا أحد

- ماذا؟

- الحق أمك في المستشفى.

- ماذا جرى لها؟ (ابتلعت بعض لعابي)

- لا أعرف.

- وأنت علام تبارك لي؟

تتعتأ خجلا بعدما كان مبتسما:

- لا أدري بأمك، إني أحمل لك خبرا سمعته قبل قليل من الإذاعة.

- ماهو؟

- فوزك بالجائزة.

قام كل زملائي، وترجلنا نازلين إلى السيارة.. أقلتنا إلى المستشفى.. وجهي عابس يكاد الدم ينفجر منه، إذ ليس ما يفرح، وأمي ليست صحيحة معافاة.

وصلنا بوابة المستشفى الحديث، لم أره من قبل، حسبت أنه بني خاصاً بـ(أمي) لكننا منعنا من الدخول، وأنا أسال ماذا جرى لأمي؟

بعد شد وجذب سمح لبعضنا بالدخول، فيما البعض بقى يعتصر نفسه بالسؤال ماذا جرى؟ أبصرت أمي.. بياض من عينيها.. صحت: أمااااااااااه!!

ظننتها نادتني، ولم أدر ما قالت.. بقت مسجاة، وعيناها مفتوحتان تحكي موقفا مهيبا انتزع منها حياتها.. أخبرني الطبيب أن رصاصتين اخترقت جسدها في الرأس والقلب..

تذكرت حنانها.. عطفها.. حبها.. جمالها.. رونقها.. عيناها.. وجهها.. مرحها.. طيبها.. حضنها.. ابتسامتها.. رعايتها.. عزها.. كل شيء تقريباً، وتذكرت جيداً قولها المتكرر:

سيأتي يوم وستفقدني.. إنما يا أمي أي فقدان هذا الذي ورّم قلبي، استنزف دمي، أهلك روحي، استنشق دمي، جردني من كل شيء؟!!

كانت تشدو بالحياة.. ربما شداها الموت خاطفاً، وكنت أفكر باكيا كيف سأعلم إخواني بالخبر، أو كيف سيستقبلونه، كل ما فيه، قتل مريع.

إذا سألني أخي الصغير: من قتل أمنا، فبماذا سأجيبه،عساه يكبر وينساها..أو ينساها الكِبر.

عند منتصف المساء، والعزاء مبتل بالدموع، كان شخص ما يتكلم عبر الأثير متألما، ومعزيا، ومبررا في آن، ظل يشدو بكلمات، يرقص على حروف الألم.

بذات الوقت كانت الإذاعة الدولية تعلن تهنئتها بفوزي، وترفق عزاءها أيضاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى