خليج عدن

> فضل النقيب:

> أصبح اسم (خليج عدن) يتردد حول العالم الآن، بعد أن كان نسيا منسيا لخمسة عقود من الزمن، لأن درة مدنه (عدن) انطفأت أضواؤها وكسدت تجارتها وتيتمت موانئها وتقطعت صلاتها بجوارها وبحركة النقل العالمية، بعد أن ظن نفر من المراهقين السياسيين أنهم بالانعزال الذي دفعوا إليه البلد دفعا مع (سبق الإصرار والترصد)، كما يقول رجال القانون، يحسنون صنعا، وإن موائد المن والسلوى ستتنزل من سماء الأيدلوجيا بدلا من أن تأتي محمولة على السفن التجارية والخدمات البحرية، فكان ما كان، مما لانزال نعيشه إلى الآن، حتى أن أحد الصحفيين الغربيين وصف عدن سبعينات القرن الماضي بأنها تشبه مدينة صُنعت على عجل من الأخشاب والأصباغ لتصوير فيلم سينمائي في الصحراء، وبعد الانتهاء من التصوير تُركت تلك المدينة الهشة لمصيرها المحتوم تحت رحمة الرمال والرياح وأيدي البلى والفناء.

الآن يتردد اسم (خليج عدن)، الذي تفوق مساحته مساحة فرنسا في المحافل الدولية وفي مجلس الأمن وعلى ألسنة رؤساء الدول العظمى، ولكن وبكل أسف شديد ليس لأنه قد أصبح بين عشية وضحاها نقطة جذب لحركة الملاحة أو مركزا إقليميا للتجارة أو فنارا مضيئا يجتذب السياح أو فضاءً يستوعب المناطق الحرة، وإنما لأنه أصبح ملاذا للقراصنة الصومال الذين روعوا حركة الملاحة العالمية، واستولوا منذ بداية هذا العام على 33 ناقلة بقوة السلاح، وهم يحتجزونها مع بحارتها في مضائق ضحلة بإقليم (بورتلاند)، حيث يساومون الشركات المالكة على فديات بملايين الدولارات تزيدهم بأسا على بأس، فيجتذبون المزيد من الشباب العاطلين، حيث نجحوا حتى الآن في إقامة دولة القراصنة بجيشها وميليشياتها المسلحة وسط عجز دولي مريع لم تكسره سوى فرنسا جزئيا، والتي قامت بعمليتين عسكريتين من قاعدتها في جيبوتي لتحرير رهائن فرنسيين واقتياد بعض القراصنة لمحاكمتهم في باريس، ولكن بسبب الأوضاع المحبطة في الصومال الممزق وغياب الدولة وانهيار الأمن وسط السواحل الصومالية على خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي (أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر)، فإن مردود العمليتين الفرنسيتين سيكون ضئيلا لأن حياة الإنسان في ذلك البلد لم يعد لها قيمة بدليل عشرات الآلاف الذين يخوضون بحار الموت تجاه الشواطئ اليمنية لعلهم ينجون بحياتهم من غول التوحش في بلادهم، ويقدر مكتب الملاحة البحرية الدولية في لندن عدد القراصنة بـ1200 يتوزعون على ست عصابات رئيسية على الأقل، وتشير مصادر فرنسية إلى أن أعمال القرصنة وبُناها على البر الصومالي تمتد الآن على مسافة 800 كيلومتر وصولا إلى أعالي المحيط الهندي، حيث تنطلق زوارقهم السريعة المحمولة على مركب أو أكثر باتجاه المراكب التجارية العابرة في خليج عدن قادمة أو عائدة إلى البحر الأحمر عبر قناة السويس فالأبيض المتوسط والميحط الباسيفيكي، وهذا يشير إلى تأثير القرصنة الذي يشمل العالم بأسره شرقا وغربا، وبالتالي تم تصنيف خليج عدن كأخطر منطقة بحرية في العالم بما يعنيه ذلك من تجنبه بقدر الإمكان وزيادة رسوم التأمين إلى أرقام فلكية، وقد أشارت الغرفة الدولية للملاحة وإنتركارجو ومجموعة ناقلات النفط إنترتانكو إلى أن بعض شركات الملاحة ترفض بالفعل المرور في خليج عدن، وأنهم يعيدون توجيه سفنهم للمرور عبر رأس الرجاء الصالح. يذكر أن خليج عدن تعبره سنويا حوالي 400 ألف سفينة، وهو الممر الرئيسي في العالم لشحنات البترول.

وقد بلغ من دقة عمليات القرصنة أنه لم يتم تسجيل أي فشل للقراصنة هذا العام، وهم يتسلحون بالصواريخ المضادة للدروع والأسلحة الخفيفة، ويختارون أهدافهم بعناية، وقد أصبحت قصة اختطاف زوارق الصيادين اليمنيين في ذمة الماضي، لأنهم لم يعودوا يبحثون عن اصطياد الجراد بعد أن عرفوا الأبقار السمينة المدرة للشهد والعسل، وفيما العالم يتداعى الآن لحرب القراصنة كصفحة من الحرب على الإرهاب فإنه ينبغي أن يكون لليمن دور مشهود، وليكن بتنظيم أو الدعوة إلى مؤتمر دولي في عدن حتى لانكون داخلين في كل الخسارات وخارجين من كل فائدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى