التطور الدستوري في المملكة العربية السعودية«تجربة وطنية خالصة»

> «الأيام» عن «الوطن» السعودية:

> للتطور الدستوري في المملكة محطات مضيئة مهدت لبعضها بعيداً عن أسلوب القفزات الطويلة والمفاجئة. وفي كل المحطات ظلت الشريعة الإسلامية حجر الأساس الثابت لدعائم دولة إسلامية حديثة.

ويحفل الرسم البياني للتطور الدستوري في المملكة بالعديد من الإشارات والدلالات التي كانت ومازالت محور اهتمام الباحثين. «الوطن» التقت كبير زملاء معهد سياسة الأمن القومي في جامعة جورج واشنطن، وكبير باحثي برنامج دراسات الجزيرة العربية والخليج بجامعة فرجينيا، والمتخصص في تقديم الاستشارات القانونية للكونجرس الدكتور عبدالله بن فخري الأنصاري الذي أهدى «الوطن» الرسم البياني للتطور الدستوري في المملكة يقول الدكتور الأنصاري:

«التطور الدستوري في المملكة تجربة ثرية حافلة بالإنجازات الكثيرة التي تجسدت في ترسيخ أسس الدولة العصرية، وتحقيق التنمية الشاملة في البلاد، وهو الأمر الذي استقطب اهتمامي وولد تساؤلات عدة لدي حول مراحل هذا التطور وسماته بغية الوصول إلى فهم أعمق للنظام الدستوري في المملكة، وتطبيقه للقيم الدستورية الإسلامية، وتنظيمه لدور السلطات الثلاث والحياة السياسية، والعلاقة بين الدولة والمجتمع، وأثره في تعزيز بنية الدولة الحديثة والمحافظة على النظام في أرجائها، وكذلك تأثري بتوجيهات سمو الأمير تركي الفيصل وحواراته وأحاديثه عن الإصلاح الدستوري وتحليله الدقيق لمراحل هذا التطور في المملكة والتي كان لها بالغ الأثر في إثراء حصيلتي العلمية والفكرية وساهمت في تطوير هذا العمل».

أبرز معالم التجربة الدستورية السعودية

وعن اليوم الوطني ومحاكاة أبرز معالم التجربة الدستورية السعودية يقول الأنصاري: «يمثل هذا اليوم الأغر، يوم توحيد المملكة، إحدى الركائز الأساسية في مسيرة البناء والتطور والإصلاح الدستوري والمجتمع المدني في المملكة بدءا بتأسيس المجالس الأهلية، وتأسيس الجمعية التأسيسية، وإصدار التعليمات الأساسية، ومرورا بتأسيس مجلس الوكلاء، ثم إنشاء مجلس الشورى وتوحيد البلاد تحت مسمى المملكة العربية السعودية، وتأسيس مجلس الوزراء، وإصدار الأنظمة الأساسية للمملكة، وأخيرا بالانتخابات البلدية، وإصدار نظام هيئة البيعة. هذا العقد من منظومة الأحكام والمؤسسات الدستورية في المملكة جاء نتيجة لتطور عميق في الفكر السياسي والتطور الاجتماعي في المملكة، يعكس نظاما إسلاميا للحكم والسلطة، ومتجددا في أسلوب إدارة الدولة، تبرز من خلالها معالم «التجربة الدستورية في المملكة».

تجربة دستورية ناضجة

وعن رأيه في نضج التجربة الدستورية في المملكة وإلى أي مدى وصلت يتابع الأنصاري: «هي تجربة تتصف بالمرونة والشمولية لأفراد المجتمع، ومستمدة من واقع الأمة الاجتماعي والثقافي والقِيَمي والديني، نأت بنفسها عن تبني الأنظمة الدستورية الوضعية، أو الفكر التغريبي المستورد أو «الأيديولوجيات والأجندات السياسية الجاهزة»، أو «أسلوب القفزات الطويلة» و لم تكن من باب الرغبة في التغيير، ولم يتم تشكيلهما في فراغ، ولم يتم فرضهما من الخارج بل هي «تجربة وطنية خالصة» تتفق ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف وتقاليد وأعراف وطموحات الشعب السعودي تبلورت من خلالها الرؤية الحضارية الإسلامية الصافية في بناء المشروع الوطني الإسلامي المتكامل، ويبرز نضجها لأنها تجربة ملتزمة بمفاهيم التجديد والمعاصرة والإصلاح المنطلقة من قيم الإسلام الأصيلة والمنضبطة بها والمبنية على الحوار الحضاري البعيد عن التعصب والتسفيه. والمتتبع لمراحل التطور الدستوري في المملكة يدرك أن الباب سيظل مفتوحا أمام إصلاحات دستورية أخرى كلما دعت الحاجة لذلك».

سمات التجربة الدستورية السعودية

ويتوقف الدكتور الأنصاري عند سمات التجربة الدستورية السعودية قائلاً: «إن سماتها الجليَّة هي ملاءمتها وانسجامها مع ظروف المجتمع بشكل يبعث على تمسك الشعب بهذه التجربة وحرصه عليها، فالإسلام هو عقيدة وشريعة ومنهج حياة لقيادة وشعب المملكة ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الدولة والمجتمع، وبين مؤسسات الدولة فيما بينها، ومبادئ الشريعة الإسلامية وقيمها الكبرى كالعدل، والنصيحة، والشورى، والسمع والطاعة، والمسؤولية والمساءلة، والقيم الوطنية الفطرية الصادقة المنضبطة بقيم الإسلام، من حب الوطن، والاعتزاز به، وحماية مكتسباته ومنجزاته هي الدافع وراء مشاركة أبناء الوطن في العملية السياسية في المملكة. لذا لم يكن غريبا تمتع المملكة بالثبات والتكامل والانسجام والاستقرار الدستوري والسياسي بين سائر الأنظمة في العالم، حتى أصبح واقـع المملكة العربية السعودية الإسلامي دليلا عمليا على نجاح تطبيق النظام الدستوري الإسلامي، وحجة على الذين يشككون في صلاحه، حيث يتميز الفكر الدستوري في المملكة بأنه لا تحده وثيقة واحدة، وإنما تمثله قواعد ثابتة مستمدة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس والقيم الإسلامية الكبرى كالعدل والشورى والاجتهاد والاستقلال القضائي... ثم تأتي مجموعة من التشريعات، والتفصيلات كالأنظمة الأساسية وما يتفرع عنها من المؤسسات الدستورية والمعاهدات أو الالتزامات والتي تمثل قيماً مرحلية فرعية مشتقة من القيم الدستورية الإسلامية الكبرى تتصف بالمرونة مما يجعلها تستجيب للتغيير السياسي والاجتماعي وفقا لما تقتضيه المصلحة العامة وفي إطار الشريعة الإسلامية».

التاريخ الدستوري للمملكة

وعن التجربة الدستورية والتاريخ الدستوري للمملكة يتابع الأنصاري: «تضرب التجربة الدستورية السعودية بجذور عميقة في التاريخ تجلت فيها أهمية القيم الدستورية الإسلامية في مراحل التطور الدستوري في المملكة منذ تحالف حاكم الدولة السعودية الأولى محمد بن سعود مع المصلح الديني في ذلك الوقت الشيخ محمد بن عبدالوهاب ودعوته الإصلاحية المباركة القائمة على أساس العودة إلى الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح هذه العلاقة بين الزعيمين أرست دعائم الدولة الإسلامية الحديثة.

كما انصب جل اهتمام الملك عبد العزيز- طيب الله ثراه - آنذاك على بناء كيان الدولة، وتوحيد أجزائها، من أجل توطيد وحدة وأمن واستقرار تلك المنطقة التي مزقتها النزاعات والصراعات والمفاسد العقدية والفكرية، مع تأصيل القيم الإسلامية والمنهج الإسلامي في الحياة الاجتماعية وأسلوب إدارة الدولة.

وانبثقت شرعية هذه الدولة الإسلامية الناشئة من خلال تمسك مؤسسها - طيب الله ثراه - بالمبادئ الدستورية الإسلامية كالشورى والبيعة وما تبعها من الانتقال السلس للحكم والتي اتضحت منذ اليوم الأول من بداية جهاده في توحيد البلاد. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن مبدأ الشورى عند الملك عبدالعزيز تعدى استشارة العلماء أو الممثلين المنتخبين إلى أنماط وأشكال عديدة، فقد اصطفى لنفسه طيب الله ثراه نخبة من المستشارين من أنحاء العالم العربي كانت تعرف بـ«الشعبة السياسية» اجتمعت بصورة يومية لاستعراض الأحداث الداخلية والدولية حيث استفاد - طيب الله ثراه - من اختلاف الرأي وحرية التعبير اللذين كانا يسودان هذه الجلسات. ورغبة منه في تعزيز ودعم تطبيق مبدأ «الشورى» الإسلامي أقام رحمه الله عدة مؤتمرات لترسيخ مبدأ الشورى نظريا وعمليا بين الراعي والرعية.

المنهج والأسلوب المبسط في إدارة الدولة

وعن إدارة الدولة السعودية يكمل الأنصاري: «اعتمدت الدولة السعودية منذ مراحلها الأولى منهجا مبسطا وأسلوبا موجزا في إدارة الدولة شبيها بالمعايير، والقواعد الإدارية التي كانت في عهد صدر الإسلام. ولم يكن هناك حاجة لإنشاء دوائر مركزية حيث كانت أساليب الإدارة المحلية المتواجدة في ذلك الوقت تنسجم مع نظام المجتمع القبلي، والتقاليد القبلية العربية السائدة آنذاك. وكانت الإدارات المحلية بمختلف أشكالها مرتبطة بالحكومة المركزية. وفي بداية الأمر كان اهتمام الملك عبدالعزيز منصباً بدرجة أساسية على توحيد أجزاء المملكة، وفرض النظام، والمحافظة على وحدة البلاد. واستمر نهج إدارة الدولة على النهج الإداري المحلي البسيط، مع إعمال القيم الدستورية الإسلامية الكبرى وعلى رأسها مبدأ الشورى في الحياة السياسية وشؤون الحكم حتى ضم الملك عبدالعزيز الحجاز إلى الدولة السعودية الحديثة. وكان ضم الحجاز هو المحك الأول والتجربة الأولى التي تجسد الاهتمام بالتنظيم الإداري الحديث. حيث شكلت هذه المنطقة تحديا إداريا ودستوريا جديدا للملك عبدالعزيز نظرا لتعقيد تركيبة المجتمع في الحجاز، وتأثره بدول الجوار، ونظرا للمسؤوليات الإدارية الكبرى الملقاة على أبناء هذه البقعة الطاهرة وخاصة تلك التي تتعلق بضيوف الرحمن. لقد وافق هذا التحدي نظرة الملك عبدالعزيز وتطلعاته لبناء دولة دستورية إسلامية تتوافق رؤيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية مع حاجات وتطلعات الشعب، وتنمو وفق تقدير أبنائه لما هو أفضل في خدمة هذا الوطن ومواطنيه. لذا مرت التجربة الدستورية السعودية بمراحل من التطور الدستوري التدريجي عبر منظومة من الأحكام والمؤسسات الدستورية حافظت فيها الدولة عبر مراحل تطورها على هويتها وقيمها الدستورية الإسلامية ونضجت مع تطور الأمة والمجتمع في المملكة.

السمات التي تتصف بها مراحل التطور الدستوري

وعن أهم السمات التي تتصف بها كل مرحلة من مراحل التطور الدستوري يقول الأنصاري: "من تأمل التجربة الدستورية السعودية، وسبر أغوارها، وتتبع آثارها أدرك أن لكل مرحلة من مراحل التطور الدستوري سمات تميزها. فمن خلال التجربة الدستورية الناشئة المتمثلة في تأسيس المجلس الأهلي مارس أبناء الوطن حقهم في إدارة بلادهم، وفي انتخاب ممثليهم. وحرصا من مؤسس هذه البلاد على إثراء الحياة السياسية الوطنية، وتكريس الشورى، وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية أمر رحمه الله بتشكيل مجلس جديد سمي بالمجلس الأهلي الشوري يكون مستوى التمثيل الانتخابي فيه لشريحة أكبر من كافة قطاعات المجتمع. كما تجلت في موافقة مؤسس البلاد على إصدار التعليمات الأساسية إرادة الملك عبدالعزيز في البدء في بناء منظومة الأحكام والمؤسسات الدستورية لهذه الدولة الناشئة. فقد استوحيت مواد التعليمات الأساسية من الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي الإسلامي، واستقلت في بنيانها عن أي دستور من الدساتير العالمية، واشترك في صياغتها أبناء الوطن آخذين بعين الاعتبار طبيعة التركيبة الاجتماعية والثقافية التي يعيشونها. أما أبرز السمات التي تميزت بها مرحلة تأسيس مجلس الشورى هو تحول المجلس إلى سلطة تشريعية مستقلة. فلم يكن يسن نظام في الدولة قبل عرضه على المجلس ودراسته ومناقشته. وواكب هذا التطور في السلطة التشريعية تطور في أعمال السلطة التنفيذية فتم تأسيس مجلس الوكلاء الذي كان بمثابة مجلس وزراء مصغر، بل هو الأساس الذي قام عليه مجلس الوزراء. وهذا يظهر مدى وعي السلطة التنظيمية المبكر بضرورة التمييز بين السلطة التشريعية والتنفيذية. وجاء إعلان توحيد المملكة تحت مسمى المملكة العربية السعودية ليجمع أبناء الوطن تحت مظلة موحدة للنظام الدستوري والإداري. كما سمح بزوغ هذا الكيان الدستوري الموحد باستكمال هياكل تنظيمية جديدة في المملكة. وباستكمال عناصر الجهاز الإداري للدولة تم تأسيس مجلس الوزراء ليجمعها عناصر الجهاز الإداري تحت إدارة واحدة مارس فيها المجلس عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية كإجراء مؤقت استدعته الظروف التنظيمية والتنموية للدولة في ذلك الوقت. أما مرحلة إصدار الأنظمة الأساسية للمملكة: النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق فقد اتسمت بإحداثها نقلة نوعية في الحريات والحقوق والواجبات العامة، والحياة الدستورية، والسياسة الداخلية، والحياة الديموقراطية الشوروية الإسلامية في المملكة، ومثلت خطوة راسخة نحو الإصلاح الدستوري وحماية حقوق المواطنين المدنية والسياسية والمشاركة المباشرة في إدارة وتخطيط سياسات الدولة، ورصد أداء أجهزتها، والبعد عن المركزية والبيروقراطية في أداء قطاعات الدولة، ومؤخرا أضاف صدور نظام هيئة البيعة لؤلؤة جديدة في عقد النظام الدستوري في المملكة أكدت على رسوخ نظام الحكم وقوته وشموله لمقتضيات التطور الدستوري والسياسي ومؤسسة الحكم في المملكة».

الرؤية الأمريكية نحو التطور الدستوري السعودي

وعن كيف يجد الرؤية الأمريكية نحو التطور الدستوري السعودي بما أن طبيعة عمله واستشاراته ودراساته في أمريكا يقول الأنصاري: «تنظر الولايات المتحدة بإيجابية لمسيرة التطور الدستوري في المملكة وإلى مرونة هذا التطور وتوافقه مع مسيرة الإصلاح الشامل التي يتبناها قادة هذه البلاد من أبناء موحد هذا الكيان - وفقهم الله - في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية تمثلت في إصدار مجموعة من الأنظمة الدستورية؛ ومنح مجلس الشورى سلطات أوسع، وزيادة عدد أعضائه مما كرس مفهوم المشاركة الشعبية في صنع القرار وعزز مبدأ الشفافية والمساءلة؛ وإجراء انتخابات للمجالس البلدية مما أتاح فرصة المشاركة في شؤون الدولة وحق الاختيار في اتخاذ القرارات؛ وتحديث برامج التعليم، وتشجيع البعثات إلى الخارج؛ وتأسيس عدد من المدن الاقتصادية والجامعات الحديثة؛ وإصدار نظام هيئة البيعة لضمان سلاسة انتقال السلطة بأسلوب حضاري راشد، وتجنيب البلاد أي فراغ دستوري أو فوضى سياسية؛ واعتماد نظامي القضاء وديوان المظالم كجزء من مشروع الإصلاح والتطوير لآليات العمل القضائي وهيكلته، وتكريسا للقيم الدستورية الإسلامية كالعدل واستقلال القضاء؛ والاهتمام بحقوق الإنسان وإنشاء جمعيات حقوق الإنسان المستقلة؛ واعتماد دور أكبر للمرأة ومشاركتها الإيجابية في العملية السياسية والاقتصادية والتنمية الاجتماعية في المملكة؛ وتوفير البيئة الملائمة للحوار بين فئات ومكونات المجتمع السعودي بما يحقق المصلحة العامة، ويحافظ على الوحدة الوطنية.

كما تبدو الرؤية الأمريكية أكثر تفهما لخصوصية هذه التجربة والتزامها بمفاهيم التجديد والمعاصرة والإصلاح المنطلقة من قيم الإسلام الأصيلة والمنضبطة بها، واحترامها لتقاليد وأعراف وطموحات الشعب السعودي وجذوره التاريخية العميقة، وأنها تجربة متواصلة ومتطورة دوما وشاملة تعم جميع صور الحياة وترتبط بتطور المجتمع ونموه».

يذكر أن الأنصاري عمل مؤخرا ككبير الخبراء القانونيين في قسم القانون بمكتبة الكونجرس، وهو أحد الخبراء السعوديين في قوانين أمن الدولة، والقانون الدولي، والقانون الجنائي المقارن، والاتفاقات والمعاهدات الدولية، والشريعة والدراسات الإسلامية وهو متخصص في تقديم الاستشارات القانونية للكونجرس، والمؤسسات واللجان الحكومية، ومنظمات حقوق لإنسان، وعدد من المؤسسات الفكرية والأكاديمية، والمحاكم الفيدرالية ومكاتب المحاماة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولسفارة خادم الحرمين الشريفين بواشنطن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى