> القاهرة «الأيام» سعد أردش:
يرى عالم الطب النفسي المصري أحمد عكاشة أن الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر لم يكن ساديا يستمتع بتعذيب الآخرين وإهانتهم، ولا مصابا بجنون العظمة، بل كان فقط كثير الشك في مساعديه. ويقول في كتابه (ثقوب في الضمير.. نظرة على أحوالنا) «إن عبدالناصر (1918-1970) لم يعان أي مرض عقلي أو نفسي».
ويضيف أنه كان يميل إلى الشك فيمن حوله «لكنها ميول لابد من توافرها فيمن بيده مقاليد الأمور، وإلا لكان من السهل الإطاحة به. أما وصفه بالسادية فهو وصف مجحف، فالسادية تعكس نوعا من الاضطراب الجنسي عند الأفراد بهدف الحصول على اللذة الجنسية عن طريق توقيع الألم والقسوة على الغير»، وإن أطلق مصطلح السادية على أي سلوك عنيف يؤدي إلى إشباع نفسي.
ويقول إنه قدر له أن يعرف عبدالناصر «شخصيا في مراحل حياته المختلفة.. لم يقم بتعذيب أحد بنفسه» وإنما فعل ذلك معاونوه من المسئولين في أجهزة الشرطة. كما ينفي اتهام «بعض خصوم» عبدالناصر له بأنه كان يجد لذة أو متعة في الاستماع إلى ما يتعرض له الناس أو المعتقلون من إهانات وتعذيب. ويضيف أن دراسة تاريخ الزعيم المصري الراحل «لم تكشف قط عن معرفة عبدالناصر بأمور التعذيب.. نقول باطمئنان وحسم إنه من الناحية النفسية لم يكن ساديا بالمفهوم العلمي الدقيق للكلمة».
ولايزال عبدالناصر موضع جدل في مصر والعالم العربي، رغم وفاته قبل 38 عاما. وازداد الجدل بشأن سياساته الداخلية والخارجية هذا الشهر بعد عرض مسلسل تلفزيوني عن حياته للمخرج السوري باسل الخطيب. ويقع كتاب عكاشة في 253 صفحة متوسطة القطع، وطرحت (دار الشروق) في القاهرة طبعته الجديدة قبيل ذكرى رحيل عبدالناصر الذي توفي في 28 سبتمبر 1970. والمؤلف هو رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي كما رأس الجمعية العالمية للطب النفسي (2002-2005) وله عشرات الكتب بالعربية والإنجليزية، ونال عام 2000 جائزة الدولة التقديرية في مصر.
ويقول عكاشة إن عبدالناصر كان رجلا انطوائيا كتوما يحب العزلة، لكنه «كان عطوفا وقاسيا ووفيا وكريما وعنيدا وأمينا ومناورا ومثابرا وينفرد بالقرار»، كما كان قارئا جيدا لمعظم أنواع المعرفة وبخاصة التاريخ. ويرى أن وصف عبدالناصر بالنرجسية «سذاجة في التحليل، فما هكذا كان عبدالناصر، فلقد كان رجلا متواضعا للغاية في مأكله وملبسه»، مضيفا أن من مشكلاته عدم قدرته على تحمل النقد، وفشله في اختيار معاونيه وعدم ثقته بهم، إضافة إلى «انفراده بالرأي والحكم وبطشه بمن يعارضه».
ويشدد عكاشة على ضرورة التفرقة في التقييم بين عامة الناس والشخصيات التاريخية البارزة تجنبا للوقوع في أخطاء التعميم، مسجلا أن أنبياء وزعماء ومبدعين وفنانين اتهموا بالجنون أو «الشذوذ».
ويقول إن النشأة المتواضعة لعبدالناصر «لم تدفعه للحقد على الأغنياء، كما تزعم بعض التحليلات»، وأنه كان زاهدا في مغريات الحياة، فلم يتغير في سلوكه أو انتمائه للطبقة المتوسطة «حتى آخر يوم في حياته.. لم ينتم إلى غير طبقته.. لولا صلابة ذاته وإدراكه لحقيقة انتمائه لما تكسرت على صخرته الصلبة المحاولات العاتية التي بذلتها أجهزة المخابرات الأجنبية العتيدة التي حاولت إفساده وتخريب شخصيته، فلقد منيت جميعا- وكلنا يعلم ذلك- بفشل ذريع».
عكاشة: عبدالناصر لم يكن مصابا بجنون العظمة.. إضافة أولى
وبرز نجم عبدالناصر كبطل قومي عربي بعد إعلانه تأميم قناة السويس عام 1956، وكان ذلك القرار بمثابة شرارة أطلقت العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على البلاد. وفي عام 1961 أصدر قرارات التأميم الاشتراكية التي استهدفت إعادة توزيع الثروة في مصر.
ويقول عكاشة إن سلوك عبدالناصر تجاه الأغنياء أو تأميم القطاع الخاص لم يكن بدافع نشأته الفقيرة، «وإلا لكان كل المصلحين الاجتماعيين بمن في ذلك الأنبياء والرسل معقدين نفسيا». لكنه يتهم عبدالناصر بإصابة الشعب بنوع من التخدير، فمن أخطاء الرجل أنه جعل نفسه المسئول الأوحد عن الرزق والعمل والسلطة والكرامة «فبات معظم الناس نياما لايعملون ولاينتجون.. جعل من الشعب طفلا يعتمد عليه.. وبدلا من أن يمر الشعب بتجربة النضوج في عصر الدكتاتور أصيب الشعب بالنكوص إلى مرحلة الرضاعة والطفولة، لذا كان افتراقه عن الشعب بمثابة وفاة الحامي والأب في آن واحد معا». ويقول عكاشة إن عبدالناصر أبلغه أنه غير مقتنع بالطب النفسي.
ويضيف أن عبد الناصر- الذي كان يتردد على منزل أسرته وهو طالب في المدرسة بحكم علاقته بشقيقه ثروت عكاشة وزير الثقافة الأسبق- قابله بعد عودته من بعثة لدراسة الطب النفسي في لندن، وسخر من تخصصه في الطب النفسي، قائلا إن النظام الاشتراكي يقضي على الأمراض النفسية والإحساس بالحرمان. وكان رد المؤلف أنه سيعد نفسه لحين ظهور الأمراض النفسية.
ويروي أن عبدالناصر عندما أصيب بالاكتئاب «بعد الهزيمة (حرب يونيو 1967) وهذا شيء طبيعي»، اقترح ثروت عكاشة أن يقوم بفحصه طبيا ليتجاوز الأزمة «لكن عبد الناصر رفض بل استنكر الاقتراح، وكان رفضه نابعا من كونه دكتاتورا» لايريد أن يبدو ضعيفا أمام سلطة الطبيب في الأمر والنهي، فيما يخص صحة المريض. ويرى أن هذا الموقف «يفسر الفشل الدائم» في علاج عبدالناصر من أمراض السكر والقلب، لأنه رغم اعترافه بإصابته بمرض السكر لم يمتثل لأوامر أي طبيب مصريا كان أم أجنبيا. رويترز
ويضيف أنه كان يميل إلى الشك فيمن حوله «لكنها ميول لابد من توافرها فيمن بيده مقاليد الأمور، وإلا لكان من السهل الإطاحة به. أما وصفه بالسادية فهو وصف مجحف، فالسادية تعكس نوعا من الاضطراب الجنسي عند الأفراد بهدف الحصول على اللذة الجنسية عن طريق توقيع الألم والقسوة على الغير»، وإن أطلق مصطلح السادية على أي سلوك عنيف يؤدي إلى إشباع نفسي.
ويقول إنه قدر له أن يعرف عبدالناصر «شخصيا في مراحل حياته المختلفة.. لم يقم بتعذيب أحد بنفسه» وإنما فعل ذلك معاونوه من المسئولين في أجهزة الشرطة. كما ينفي اتهام «بعض خصوم» عبدالناصر له بأنه كان يجد لذة أو متعة في الاستماع إلى ما يتعرض له الناس أو المعتقلون من إهانات وتعذيب. ويضيف أن دراسة تاريخ الزعيم المصري الراحل «لم تكشف قط عن معرفة عبدالناصر بأمور التعذيب.. نقول باطمئنان وحسم إنه من الناحية النفسية لم يكن ساديا بالمفهوم العلمي الدقيق للكلمة».
ولايزال عبدالناصر موضع جدل في مصر والعالم العربي، رغم وفاته قبل 38 عاما. وازداد الجدل بشأن سياساته الداخلية والخارجية هذا الشهر بعد عرض مسلسل تلفزيوني عن حياته للمخرج السوري باسل الخطيب. ويقع كتاب عكاشة في 253 صفحة متوسطة القطع، وطرحت (دار الشروق) في القاهرة طبعته الجديدة قبيل ذكرى رحيل عبدالناصر الذي توفي في 28 سبتمبر 1970. والمؤلف هو رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي كما رأس الجمعية العالمية للطب النفسي (2002-2005) وله عشرات الكتب بالعربية والإنجليزية، ونال عام 2000 جائزة الدولة التقديرية في مصر.
ويقول عكاشة إن عبدالناصر كان رجلا انطوائيا كتوما يحب العزلة، لكنه «كان عطوفا وقاسيا ووفيا وكريما وعنيدا وأمينا ومناورا ومثابرا وينفرد بالقرار»، كما كان قارئا جيدا لمعظم أنواع المعرفة وبخاصة التاريخ. ويرى أن وصف عبدالناصر بالنرجسية «سذاجة في التحليل، فما هكذا كان عبدالناصر، فلقد كان رجلا متواضعا للغاية في مأكله وملبسه»، مضيفا أن من مشكلاته عدم قدرته على تحمل النقد، وفشله في اختيار معاونيه وعدم ثقته بهم، إضافة إلى «انفراده بالرأي والحكم وبطشه بمن يعارضه».
ويشدد عكاشة على ضرورة التفرقة في التقييم بين عامة الناس والشخصيات التاريخية البارزة تجنبا للوقوع في أخطاء التعميم، مسجلا أن أنبياء وزعماء ومبدعين وفنانين اتهموا بالجنون أو «الشذوذ».
ويقول إن النشأة المتواضعة لعبدالناصر «لم تدفعه للحقد على الأغنياء، كما تزعم بعض التحليلات»، وأنه كان زاهدا في مغريات الحياة، فلم يتغير في سلوكه أو انتمائه للطبقة المتوسطة «حتى آخر يوم في حياته.. لم ينتم إلى غير طبقته.. لولا صلابة ذاته وإدراكه لحقيقة انتمائه لما تكسرت على صخرته الصلبة المحاولات العاتية التي بذلتها أجهزة المخابرات الأجنبية العتيدة التي حاولت إفساده وتخريب شخصيته، فلقد منيت جميعا- وكلنا يعلم ذلك- بفشل ذريع».
عكاشة: عبدالناصر لم يكن مصابا بجنون العظمة.. إضافة أولى
وبرز نجم عبدالناصر كبطل قومي عربي بعد إعلانه تأميم قناة السويس عام 1956، وكان ذلك القرار بمثابة شرارة أطلقت العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على البلاد. وفي عام 1961 أصدر قرارات التأميم الاشتراكية التي استهدفت إعادة توزيع الثروة في مصر.
ويقول عكاشة إن سلوك عبدالناصر تجاه الأغنياء أو تأميم القطاع الخاص لم يكن بدافع نشأته الفقيرة، «وإلا لكان كل المصلحين الاجتماعيين بمن في ذلك الأنبياء والرسل معقدين نفسيا». لكنه يتهم عبدالناصر بإصابة الشعب بنوع من التخدير، فمن أخطاء الرجل أنه جعل نفسه المسئول الأوحد عن الرزق والعمل والسلطة والكرامة «فبات معظم الناس نياما لايعملون ولاينتجون.. جعل من الشعب طفلا يعتمد عليه.. وبدلا من أن يمر الشعب بتجربة النضوج في عصر الدكتاتور أصيب الشعب بالنكوص إلى مرحلة الرضاعة والطفولة، لذا كان افتراقه عن الشعب بمثابة وفاة الحامي والأب في آن واحد معا». ويقول عكاشة إن عبدالناصر أبلغه أنه غير مقتنع بالطب النفسي.
ويضيف أن عبد الناصر- الذي كان يتردد على منزل أسرته وهو طالب في المدرسة بحكم علاقته بشقيقه ثروت عكاشة وزير الثقافة الأسبق- قابله بعد عودته من بعثة لدراسة الطب النفسي في لندن، وسخر من تخصصه في الطب النفسي، قائلا إن النظام الاشتراكي يقضي على الأمراض النفسية والإحساس بالحرمان. وكان رد المؤلف أنه سيعد نفسه لحين ظهور الأمراض النفسية.
ويروي أن عبدالناصر عندما أصيب بالاكتئاب «بعد الهزيمة (حرب يونيو 1967) وهذا شيء طبيعي»، اقترح ثروت عكاشة أن يقوم بفحصه طبيا ليتجاوز الأزمة «لكن عبد الناصر رفض بل استنكر الاقتراح، وكان رفضه نابعا من كونه دكتاتورا» لايريد أن يبدو ضعيفا أمام سلطة الطبيب في الأمر والنهي، فيما يخص صحة المريض. ويرى أن هذا الموقف «يفسر الفشل الدائم» في علاج عبدالناصر من أمراض السكر والقلب، لأنه رغم اعترافه بإصابته بمرض السكر لم يمتثل لأوامر أي طبيب مصريا كان أم أجنبيا. رويترز